زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عندما يختل التكافؤ
في ذات دولة عربية قضت محكمة بتطليق سيدة طلقة بائنة، بعد أن طالبت هي بذلك وقبلت التنازل عن كافة حقوقها مقابل الانعتاق من زوجها الذي تعرفت به خلال عمل كليهما بالتدريس في نفس المدرسة منذ تسع سنوات، ورغم ان الزوجين أقاما في شقة ملحقة بمسكن عائلة الزوج فإن السنوات الأولى من الزواج كانت هادئة وناعمة، لأن أهل زوجها لم يكونوا حشريين يتدخلون في شؤون علاقتها بزوجها، وعاملوها باحترام، ولكن وبحسب إفادة الزوجة أمام المحكمة فإنها نالت الترقية تلو الأخرى، بسبب حسن أدائها، حتى صارت مدير إدارة كبرى تابعة لوزارة التربية، في حين ظل سي السيد مدرسا و«بس»
خلال سنوات الزواج التسع رزق الزوجان بولد واحد، ويفترض نظريا ان الزوجة تنال ترقية معنوية عندما تتحول إلى أم، بمعنى أن حصتها من احترام الزوج ترتفع لكونها صارت الزوجة وأم العيال، ولكن زوج صاحبتنا هذه نظر إلى الأمور من زاوية «مريضة»: صدقتِ إنك مديرة؟ أنت هنا في البيت خادمة! لا بأس فكثير من النساء العاملات يقمن بكافة الأعباء المنزلية التي يسندها البعض إلى الخادمات، ولكن هذا الزوج المريض لم يكتف فقط، بعد أن صارت زوجته صاحب منصب كبير، بجعل زوجته تطبخ وتكنس وتغسل لكل أفراد عائلته، بل أصبح يرغمها على استخدام خرق بالية وجردل/ سطل مثقوب لكنس ومسح السلالم (ومن منا لا يعرف رجلا لا يفتأ يذكر زوجته بأنه اقترن بها لتكون خادمة لأمه؟).
والدرس المستفاد هنا يا أعزائي، هو أن التكافؤ بين الزوجين مهم، وفي الحكاية أعلاه كان هناك تكافؤ بين الزوجين عندما ارتبطا بالزواج، وكان كلاهما «مجرد مدرس». ولكن اختل الميزان عندما أثبتت الزوجة كفاءتها في مجالي التدريس والإدارة، ونالت منصبا رفيعا بينما ظل الزوج في مكانه في السلم الوظيفي، «حتة مدرس». هذا أمر يحدث في غالبية الزيجات. قد يكون سعيد غلبانا وتعبانا عندما تزوج بسعيدة التي تنتمي إلى أسرة ميسورة الحال نسبيا، ثم كد وجد واجتهد حتى صار في عداد الأثرياء.. وقد يتزوج طبيب بطبيبة وتنجح الزوجة في الحصول على رتبة اختصاصي او استشاري بينما الزوج يظل ممارسا عاما إما لأنه لا يرغب في التخصص أو لأنه حاول ولم يوفق، وحدوث مثل هذه الأمور بعد الزواج لا يسمى «عدم تكافؤ»، فهكذا حال الدنيا: البنت الصغيرة التي كانت سكرتيرة في شركة صغيرة عندما تزوجت بها، اجتهدت وثابرت ونالت مؤهلات علمية وعملية عالية وصارت مديرة.. والولد الذي نجح في جمع المهر بعد خمس سنوات من الادخار والاقتراض أصبح بعد خمس سنوات من الزواج رجل أعمال ناجحا.
ولكن الشاهد في حكايتنا اليوم هي العُقد المرضية، فالمدرس هذا لم يفرح لنجاح زوجته، بل تعمد إذلالها، لا لأنها سيئة الأدب أو السلوك، ولكن لأنها صارت أعلى منه درجة وظيفية.. وهكذا وعندما وجدها لا تمانع في ان تخدم جميع أفراد عائلته، بحث عن طريقة لإذلالها فكان ان أجبرها على مسح السلالم، مزودة بأوعية مثقوبة لحمل الماء. وفي التحليل الأخير فإنه من تعرض للإذلال وفي العلن وأمام الصحف ووسائل الإعلام عندما أنصف القضاء الزوجة وعندما وجهت اليه الزوجة لطمة بأنها لا تريد منه نفقة بل يكفيها ألا ترى وجهه، فلا شيء يجعل الزوج الفظ المتغطرس يموت غيظا كأن تبادر الزوجة إلى طلب الطلاق ثم تقول للقاضي: تنازلت له عن حقوقي الشرعية ويكفيني ألّا أتعامل معه أبدا!!
والشاهد الآخر هو أنه يستحسن أن يقوم الزواج أيضا على التكافؤ الفكري بمعنى أنه لو كان هناك تقارب وتطابق في طريقة تفكير الطرفين وفهمهما لمختلف الأمور كلما كان ذلك ضمانة إضافية لنجاح الزواج (ولا داعي لإعادة سرد حكاية الأستاذ الجامعي العربي المتخصص في الرياضيات الذي طلق زوجته لأنها لا تعرف نظرية فيثاغورس).

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك