العدد : ١٧٤١٣ - الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١٣ - الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

عودة الضوء الأول

بقلم: عبير محمد دهام.

الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

هناك‭ ‬كتب‭ ‬لا‭ ‬تُقرأ‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تُكتشف،‭ ‬وكتب‭ ‬تبقى‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬السنوات‭ ‬لأنها‭ ‬تحمل‭ ‬جوهر‭ ‬فكرة‭ ‬تتجاوز‭ ‬زمنها‭. ‬وكتاب‭ ‬‮«‬الضوء‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إليها‭ ‬الأوطان‭ ‬كلما‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬نفسها‭ ‬بصدق‭. ‬لم‭ ‬أبحث‭ ‬عنه‭ ‬لملء‭ ‬فراغ‭ ‬معرفي،‭ ‬وإنما‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬نمت‭ ‬عليه‭ ‬البحرين‭ ‬الحديثة‭. ‬جاءت‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬إعلامي‭ ‬قدير،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يرشدني‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفتح‭ ‬داخلي‭ ‬سؤالاً‭: ‬كيف‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬وعينا‭ ‬الأول؟‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ذكر،‭ ‬كان‭ ‬‮«‬الضوء‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬حاضراً‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يفارق‭ ‬موقعه‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭.‬

كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬بثقة‭ ‬لافتة،‭ ‬يسترجع‭ ‬معانيه‭ ‬وتأثيره،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬عبارة‭ ‬بقيت‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬كتاباً‭ ‬عادياً‮…‬‭ ‬هذا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬البحرين،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬فهم‭ ‬الحاضر‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ضوئه‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬شعرت‭ ‬عندها‭ ‬أن‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أقرأه‭. ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬منزلي‭ ‬وبحثت‭ ‬عن‭ ‬نسخة‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬وجدته‭ ‬منشوراً‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬قوة‭ ‬دفاع‭ ‬البحرين‭. ‬بدأت‭ ‬القراءة،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬صفحة‭ ‬كنت‭ ‬أقترب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬أعرفها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬كان‭ ‬النص‭ ‬يحمل‭ ‬روحاً‭ ‬واضحة،‭ ‬ويعرض‭ ‬التاريخ‭ ‬بعمق‭ ‬يلامس‭ ‬القلب‭ ‬قبل‭ ‬العقل‭.‬

كتب‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬‮«‬الضوء‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1986‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬البحرين‭ ‬ترسم‭ ‬ملامح‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭. ‬تناول‭ ‬تاريخها‭ ‬وجذورها‭ ‬وصمودها‭ ‬وهويتها‭ ‬ووحدتها،‭ ‬وقدّم‭ ‬رؤية‭ ‬قائد‭ ‬يريد‭ ‬لوطنه‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬بوعي‭ ‬ومسؤولية‭. ‬الأسلوب‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬دقة‭ ‬المؤرخ‭ ‬وبصيرة‭ ‬رجل‭ ‬الدولة،‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬تجمع‭ ‬الوضوح‭ ‬والعمق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تعقيد‭.‬

واللافت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬قدّم‭ ‬روح‭ ‬الحوكمة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تُعرف‭ ‬بمصطلحاتها‭ ‬الحديثة‭. ‬تظهر‭ ‬الشفافية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬فصل،‭ ‬ويتجلى‭ ‬حضور‭ ‬المؤسسات‭ ‬كركيزة‭ ‬وطنية،‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬متقدمة‭ ‬تستوعب‭ ‬التحولات،‭ ‬وفهم‭ ‬مبكر‭ ‬لأهمية‭ ‬المجتمع‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬الشراكة‭ ‬الوطنية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الكتاب‭ ‬وثيقة‭ ‬فكرية‭ ‬سبقت‭ ‬عصرها،‭ ‬ووضعت‭ ‬أساساً‭ ‬ينير‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬تحقق‭ ‬لاحقاً‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭.‬

ولا‭ ‬يعرض‭ ‬‮«‬الضوء‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬التاريخ‭ ‬كوقائع‭ ‬منفصلة،‭ ‬وإنما‭ ‬كتجربة‭ ‬وطنية‭ ‬ممتدة‭ ‬تربط‭ ‬الماضي‭ ‬بالحاضر‭. ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قتال،‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬الغزاة،‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬قوة‭ ‬الدفاع‭ ‬وبناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭. ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬فصل،‭ ‬تتضح‭ ‬ملامح‭ ‬رؤية‭ ‬قيادية‭ ‬واعية‭ ‬تمهد‭ ‬لتطورات‭ ‬شهدناها‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬اللاحقة‭. ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬يروي‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬عاشت،‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬تُروى‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬الكتب‭.‬

وخلال‭ ‬القراءة،‭ ‬كان‭ ‬الإحساس‭ ‬يتجاوز‭ ‬المتابعة‭ ‬العادية؛‭ ‬شعرت‭ ‬أنني‭ ‬أعايش‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مسيرة‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬كأن‭ ‬الصفحات‭ ‬تنقل‭ ‬ثبات‭ ‬البحرين‭ ‬وإيمانها‭ ‬ووضوح‭ ‬طريقها‭. ‬عندها‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭. ‬كثيرون‭ ‬لم‭ ‬يطّلعوا‭ ‬عليه‭ ‬بعد،‭ ‬وكثيرون‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬لربط‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬بحاضرها‭ ‬وفهم‭ ‬وجهتها‭ ‬للمستقبل‭.‬

ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬الأعياد‭ ‬الوطنية،‭ ‬يتجدد‭ ‬شعور‭ ‬الانتماء‭ ‬لدى‭ ‬البحرينيين،‭ ‬ويبدو‭ ‬الوقت‭ ‬مناسباً‭ ‬لإحياء‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬وإعادته‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭. ‬مسؤوليتنا‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالكتاب‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬توظيفه‭ ‬ليكون‭ ‬أداة‭ ‬لغرس‭ ‬مفاهيم‭ ‬الانتماء‭ ‬وتعميق‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الشباب‭. ‬‮«‬الضوء‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬أمامهم‭ ‬فهماً‭ ‬أوسع‭ ‬للبحرين،‭ ‬ويعزز‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بها،‭ ‬ويقوي‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬التصميمي‭ ‬واستشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬وصياغة‭ ‬حلول‭ ‬تعكس‭ ‬طموحاتهم‭ ‬وطموحات‭ ‬وطنهم‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬أتوجه‭ ‬إلى‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للشباب‭ ‬والرياضة‭ ‬باقتراح‭ ‬مبادرة‭ ‬تعيد‭ ‬‮«‬الضوء‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬بأسلوب‭ ‬يليق‭ ‬بروح‭ ‬العصر‭: ‬ندوات‭ ‬شبابية،‭ ‬نسخة‭ ‬تفاعلية،‭ ‬محتوى‭ ‬بصري‭ ‬حديث،‭ ‬أو‭ ‬معرض‭ ‬متنقل‭ ‬يحول‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬تُعاش‭. ‬فالنص‭ ‬الذي‭ ‬كُتب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مبكر‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬ليضيء‭ ‬وعي‭ ‬جيل‭ ‬كامل،‭ ‬ويمنحه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬وطنه‭ ‬بطريقة‭ ‬أعمق‭.‬

النور‭ ‬الذي‭ ‬أشرق‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬يتجذر‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬كمرجع‭ ‬يعمّق‭ ‬فهمهم‭ ‬للبحرين‭ ‬وهويتها‭ ‬ومسارها‭. ‬فهذا‭ ‬النور‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحفظ‭ ‬الطريق‭ ‬واضحاً،‭ ‬والمعنى‭ ‬حاضراً،‭ ‬والانتماء‭ ‬ثابتاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الوطن‭.‬

مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا