العدد : ١٧٤١٤ - الأربعاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١٤ - الأربعاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

مسكين.. تاجر مخدرات فقط!!

هناك‭ ‬أحداث‭ ‬وتطورات‭ ‬تشهدها‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬حين‭ ‬نتأملها‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬ينطبق‭ ‬عليها‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬المضحكات‭ ‬المبكيات‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬المرء‭ ‬حين‭ ‬يتأملها‭ ‬وما‭ ‬تعنيه‭ ‬هل‭ ‬يضحك‭ ‬أم‭ ‬يبكي‭ ‬على‭ ‬حالنا‭.‬

من‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬مؤخرا‭ ‬حين‭ ‬ألقى‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المدعو‭ ‬نوح‭ ‬زعيتر‭ ‬الذي‭ ‬يلقبونه‭ ‬بـ«بارون‭ ‬المخدرات‮»‬‭.‬

نوح‭ ‬زعيتر‭ ‬هذا‭ ‬يدير‭ ‬منذ‭ ‬التسعينيات‭ ‬إمبراطورية‭ ‬لتصنيع‭ ‬المخدرات‭ ‬وتهريبها،‭ ‬بينها‭ ‬حبوب‭ ‬الكبتاجون‭ ‬التي‭ ‬ازدهرت‭ ‬تجارتها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬وحاولوا‭ ‬مرارا‭ ‬إغراق‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بها‭ ‬وخصوصا‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭.‬

‮«‬بارون‭ ‬المخدرات‮»‬‭ ‬زعيتر‭ ‬صدر‭ ‬ضده‭ ‬150‭ ‬حكماً‭ ‬مؤبداً‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬1000‭ ‬قرار‭ ‬غيابي‭. ‬وكان‭ ‬محاميه‭ ‬قد‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬موكله‭ ‬يواجه‭ ‬حوالي‭ ‬2500‭ ‬قضية‭ ‬منظورة‭. ‬وفى‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬العسكرية‭ ‬حكما‭ ‬غيابيا‭ ‬على‭ ‬نوح‭ ‬زعيتر‭ ‬بالإعدام‭ ‬لإدانته‭ ‬بتهمة‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬اللبناني‭.‬

هذا‭ ‬المجرم‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬السجل‭ ‬الإجرامي‭ ‬الحافل‭ ‬ظل‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬جدا‭ ‬حرا‭ ‬طليقا‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬تحت‭ ‬سمع‭ ‬وبصر‭ ‬الكل‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭.. ‬لماذا؟‭ ‬لأن‭ ‬له‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬والحزب‭ ‬كان‭ ‬يحميه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فرض‭ ‬الحزب‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬ومصادرة‭ ‬سلطاتها‭. ‬بعد‭ ‬اعتقاله‭ ‬نشرت‭ ‬صور‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬عناصر‭ ‬عسكرية‭ ‬تابعة‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬نشر‭ ‬صورًا‭ ‬تجمعه‭ ‬بـقيادات‭ ‬ميدانية‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الله‭.‬

كما‭ ‬أعاد‭ ‬ناشطون‭ ‬لبنانيون‭ ‬نشر‭ ‬تصريحات‭ ‬لتاجر‭ ‬المخدرات‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬وعائلتي‭ ‬فداء‭ ‬المقاومة‭ ‬‮…‬‭ ‬رهن‭ ‬إشارة‭ ‬سيد‭ ‬المقاومة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬زعيتر‭ ‬استعداده‭ ‬للقتال‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬

عدة‭ ‬جوانب‭ ‬ترتبط‭ ‬بهذا‭ ‬الحدث‭ ‬توقفت‭ ‬عندها‭ ‬متأملا‭.‬

أول‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬أن‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬تاجر‭ ‬المخدرات‭ ‬هذا‭ ‬أثار‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتياح‭ ‬الشديد‭ ‬لدى‭ ‬اللبنانيين‭. ‬اعتبروا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬سلطتها‭ ‬وقوتها‭ ‬والسيادة‭ ‬الوطنية‭. ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬قالت‭ ‬هذا‭ ‬أيضا‭.‬

لا‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬إنجاز‭ ‬مهم،‭ ‬لكن‭ ‬المرء‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتأمل‭ ‬متحسرا،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬مجرد‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬تاجر‭ ‬مخدرات‭ ‬دليل‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬واستعادة‭ ‬سيطرتها؟‭.. ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬بلغ‭ ‬حال‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيطرة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وإيران؟‭.. ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬وصل‭ ‬عجز‭ ‬الدولة‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬تاجر‭ ‬مخدرات‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬هؤلاء؟‭!‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬المرء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عنده‭ ‬هو،‭ ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬المخدرات‭ ‬وتجار‭ ‬المخدرات‭ ‬وبين‭ ‬المقاومة؟

هذا‭ ‬المجرم‭ ‬ظل‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬جدا‭ ‬حرا‭ ‬طليقا‭ ‬لا‭ ‬يجرؤ‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭ ‬لأنه‭ ‬محسوب‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬والمقاومة‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬هذا؟‭.. ‬كيف‭ ‬تستقيم‭ ‬دعاوى‭ ‬المقاومة‭ ‬مع‭ ‬المخدرات؟‭.. ‬بأي‭ ‬ضمير‭ ‬أو‭ ‬قلب‭ ‬يتم‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬والمخدرات‭ ‬واعتبار‭ ‬أن‭ ‬تدمير‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قتل‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬وخصوصا‭ ‬الشباب‭ ‬بالمخدرات‭ ‬طريق‭ ‬مقبول‭ ‬لدعم‭ ‬المقاومة،‭ ‬وأن‭ ‬تجار‭ ‬المخدرات‭ ‬حلفاء‭ ‬للمقاومة؟

أغرب‭ ‬ما‭ ‬توقفت‭ ‬عنده‭ ‬شخصيا،‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬محامي‭ ‬زعيتر‭. ‬قال‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬صحفية‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه‭ ‬والاتهامات‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬إن‭ ‬موكله‭ ‬‮«‬كان‭ ‬تاجر‭ ‬مخدرات‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بتهريب‭ ‬الأسلحة‮»‬،‭ ‬وتساءل‭ ‬‮«‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬توقيف‭ ‬عشرات‭ ‬المطلوبين‭ ‬الآخرين‭ ‬بتجارة‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬البقاع‭ ‬شمال‭ ‬لبنان‮»‬‭.‬

كأن‭ ‬المحامي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬موكله‭ ‬مجرد‭ ‬رجل‭ ‬مسكين‭ ‬بريء‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تاجر‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭ ‬فقط‭. ‬كأن‭ ‬هذه‭ ‬مهنة‭ ‬شريفة‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليها‭ ‬وأنه‭ ‬طالما‭ ‬لم‭ ‬يتاجر‭ ‬في‭ ‬السلاح،‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬فالأمر‭ ‬بسيط‭ ‬وهين‭.‬

كما‭ ‬قلت‭ ‬حين‭ ‬نتأمل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تنتابنا‭ ‬الحسرة‭ ‬والألم‭ ‬على‭ ‬الحال‭ ‬الذي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭. ‬

يبقى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬طريق‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬التعافي‭ ‬وإلى‭ ‬استعادة‭ ‬الدولة‭ ‬قوتها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬طويلا‭ ‬جدا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا