يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مسكين.. تاجر مخدرات فقط!!
هناك أحداث وتطورات تشهدها دولنا العربية حين نتأملها نجد أنه ينطبق عليها مقولة «المضحكات المبكيات»، ولا يعرف المرء حين يتأملها وما تعنيه هل يضحك أم يبكي على حالنا.
من هذه الأحداث ما حدث في لبنان مؤخرا حين ألقى الجيش اللبناني القبض على المدعو نوح زعيتر الذي يلقبونه بـ«بارون المخدرات».
نوح زعيتر هذا يدير منذ التسعينيات إمبراطورية لتصنيع المخدرات وتهريبها، بينها حبوب الكبتاجون التي ازدهرت تجارتها في السنوات الأخيرة بين لبنان وسوريا، وحاولوا مرارا إغراق الدول العربية بها وخصوصا دول الخليج.
«بارون المخدرات» زعيتر صدر ضده 150 حكماً مؤبداً إضافة إلى نحو 1000 قرار غيابي. وكان محاميه قد قال إن موكله يواجه حوالي 2500 قضية منظورة. وفى مارس 2024 أصدرت المحكمة العسكرية حكما غيابيا على نوح زعيتر بالإعدام لإدانته بتهمة إطلاق النار على عناصر في الجيش اللبناني.
هذا المجرم بكل هذا السجل الإجرامي الحافل ظل سنوات طويلة جدا حرا طليقا يفعل ما يشاء تحت سمع وبصر الكل ولا تستطيع أجهزة الدولة القبض عليه.. لماذا؟ لأن له علاقات وثيقة مع حزب الله، والحزب كان يحميه في ظل فرض الحزب هيمنته على الدولة ومصادرة سلطاتها. بعد اعتقاله نشرت صور له مع عناصر عسكرية تابعة لحزب الله في سوريا، وهو نفسه سبق أن نشر صورًا تجمعه بـقيادات ميدانية من حزب الله.
كما أعاد ناشطون لبنانيون نشر تصريحات لتاجر المخدرات قال فيها «أنا وعائلتي فداء المقاومة … رهن إشارة سيد المقاومة»، كما أعلن زعيتر استعداده للقتال «إلى جانب حزب الله» في سوريا.
عدة جوانب ترتبط بهذا الحدث توقفت عندها متأملا.
أول هذه الجوانب أن القبض على تاجر المخدرات هذا أثار حالة من الارتياح الشديد لدى اللبنانيين. اعتبروا أن ما حدث دليل على استعادة الدولة اللبنانية سلطتها وقوتها والسيادة الوطنية. وبعض القوى السياسية قالت هذا أيضا.
لا بأس في هذا، ولا شك أن القبض عليه إنجاز مهم، لكن المرء لا يملك إلا أن يتأمل متحسرا، كيف أن مجرد القبض على تاجر مخدرات دليل قوي على قوة الدولة واستعادة سيطرتها؟.. إلى هذا الحد بلغ حال لبنان في ظل سيطرة حزب الله وإيران؟.. إلى هذا الحد وصل عجز الدولة وعدم قدرتها حتى على القبض على تاجر مخدرات خوفا من نفوذ هؤلاء؟!
الأمر الآخر الذي لا يملك المرء إلا أن يتوقف عنده هو، ما هذا الرابط بين المخدرات وتجار المخدرات وبين المقاومة؟
هذا المجرم ظل سنوات طويلة جدا حرا طليقا لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه لأنه محسوب على حزب الله والمقاومة.
كيف يمكن لأي أحد في العالم أن يستوعب هذا؟.. كيف تستقيم دعاوى المقاومة مع المخدرات؟.. بأي ضمير أو قلب يتم الربط بين المقاومة والمخدرات واعتبار أن تدمير أو حتى قتل الآلاف من البشر وخصوصا الشباب بالمخدرات طريق مقبول لدعم المقاومة، وأن تجار المخدرات حلفاء للمقاومة؟
أغرب ما توقفت عنده شخصيا، ما قاله محامي زعيتر. قال في تصريحات صحفية في معرض الدفاع عنه والاتهامات الموجهة إليه إن موكله «كان تاجر مخدرات فقط ولا علاقة له بتهريب الأسلحة»، وتساءل «لماذا لم يتم توقيف عشرات المطلوبين الآخرين بتجارة المخدرات في البقاع شمال لبنان».
كأن المحامي يريد أن يقول إن موكله مجرد رجل مسكين بريء لم يفعل سوى أن تاجر في المخدرات فقط. كأن هذه مهنة شريفة لا غبار عليها وأنه طالما لم يتاجر في السلاح، كما يقول، فالأمر بسيط وهين.
كما قلت حين نتأمل ما يحدث على هذا النحو لا نملك إلا أن تنتابنا الحسرة والألم على الحال الذي وصلنا إليه في بعض دولنا العربية.
يبقى أن ما جرى يؤكد أن طريق لبنان إلى التعافي وإلى استعادة الدولة قوتها وسيطرتها ما زال طويلا جدا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك