يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
مكاسب تاريخية.. لماذا نهدرها؟!
من أكبر مشاكل السياسة العربية أنها تفتقد التفكير بعيد المدى.. التفكير في المستقبل البعيد أو حتى المتوسط. لهذا تتعامل الدول العربية مع التطورات التي تجري يوما بيوم وتحدد مواقفها وترسم سياستها بناء على الاعتبارات الآنية وليست اعتبارات مستقبلية.
النتيجة إننا نخسر الكثير جدا.. نفتقد زمام المبادرة وتظل مواقفنا وتصرفاتنا مجرد ردود فعل، ونعجز عن استغلال أي فرص متاحة.
نقول هذا تعليقا على الموقف العربي العام الذي نلمسه اليوم من تطورات حرب غزة وخطة الرئيس الأمريكي ترامب.
من السهل أن نلحظ أن الروح العامة التي تتعامل بها الدول العربية مع القضية اليوم هي أن القضية قد انتهت، وأن الحرب طويت صفحتها. وكل الاهتمام منصب فقط على تفاصيل خطة ترامب ومراحل تطبيقها.. وهكذا. التفكير العربي على هذا النحو وبهذه الروح خطأ استراتيجي فادح.
الصراع العربي الإسرائيلي طويل وممتد. وكل التطورات الحالية التي تجري هي مجرد محطة من محطات الصراع. يجب أن تبني الدول العربية سياستها الجماعية على هذا الأساس.
هذه الرؤية العربية القاصرة وقصيرة المدى تقود إلى أننا نهدر مكاسب تاريخية تحققت بالفعل. هي مكاسب من الممكن إن عرفنا كيف نستغلها فسوف تكون رصيدا هائلا في دعم الموقف العربي من الصراع.
هذه المكاسب تحققت في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، وما اكتشفه العالم كله عن حقيقة الصراع.
باختصار شديد يمكن أن نلخص هذه المكاسب فما يلي:
1 - انقلاب الرأي العام العالمي على إسرائيل. هذا تطور تاريخي بحق. لأول مرة نرى الرأي العالمي كله يقف ضد إسرائيل وجرائمها ويطالب بمحاسبة قادتها ويؤيد الشعب الفلسطيني بكل قوة. موقف الرأي العام العالمي تم التعبير عنه في أشكال كثيرة كمظاهرات الاحتجاج العارمة وحركة المقاطعة واسعة النطاق لإسرائيل والشركات والمؤسسات الغربية التي تدعمها.. وهكذا.
2 - الحكومات الغربية نفسها حدث تحول مهم في موقفها بشكل عام. هذه الحكومات التي شاركت في جرائم الحرب والإبادة التي ترتكبها إسرائيل، حدث تحول في موقفها بعد هول جرائم الإبادة الإسرائيلية. وقد رأينا مثلا كيف أن كثيرا من الدول الغربية أصبحت تؤيد قيام الدولة الفلسطينية وتصاعدت إداناتها لإسرائيل.
3 - إن المنظمات الجنائية والقانونية الدولية، وكل المنظمات الدولية العاملة في كل المجالات، اتخذت موقفا تاريخيا مشهودا ضد إسرائيل وضد جرائمها وإنصافا للشعب الفلسطيني. كل هذه المنظمات يعود لها الفضل في توثيق الجرائم الإسرائيلية في تقاريرها المعلنة، وفي توصيفها كجرائم حرب وإبادة. والمحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات اعتقال لقادة إسرائيليين باعتبارهم مجرمي حرب وإبادة.
البعض يقول إن توصيات هذه التقارير لا تنفذ وكذلك الحال بالنسبة إلى أحكام المحكمة الجنائية الدولية. لكن هذا لا يقلل من قيمتها القانونية، والجرائم عندها لا تسقط بالتقادم.
4 - التطورات السابقة قادت في مجموعها إلى أمر تاريخي هو أن العالم أفاق على حقيقة إسرائيل والمشروع الصهيوني. كل الدعاوى التي تبنت إسرائيل على أساسها كسب تأييد الغرب عبر عقود كالقول بأن إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأنها محاطة بأعداء يريدون تدميرها وما شابه ذلك سقطت، واكتشف العالم كله أن إسرائيل كيان مجرم لا علاقة له بأي ديمقراطية ولا بأي قيم إنسانية من أي نوع.
كل هذه كما ذكرت مكاسب تاريخية للعرب في الصراع مع إسرائيل.
لكن للأسف العرب يهدرون هذه المكاسب بعدم امتلاك رؤية مستقبلية كما ذكرت، وبالتالي عدم التفكير في كيفية تعزيز هذه المكاسب، وكيفية استثمارها لدعم القضايا والحقوق العربية.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك