العدد : ١٧٤٠٦ - الثلاثاء ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٦ - الثلاثاء ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

مكاسب تاريخية.. لماذا نهدرها؟!

من‭ ‬أكبر‭ ‬مشاكل‭ ‬السياسة‭ ‬العربية‭ ‬أنها‭ ‬تفتقد‭ ‬التفكير‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭.. ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬البعيد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المتوسط‭. ‬لهذا‭ ‬تتعامل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬يوما‭ ‬بيوم‭ ‬وتحدد‭ ‬مواقفها‭ ‬وترسم‭ ‬سياستها‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الآنية‭ ‬وليست‭ ‬اعتبارات‭ ‬مستقبلية‭.‬

النتيجة‭ ‬إننا‭ ‬نخسر‭ ‬الكثير‭ ‬جدا‭.. ‬نفتقد‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬وتظل‭ ‬مواقفنا‭ ‬وتصرفاتنا‭ ‬مجرد‭ ‬ردود‭ ‬فعل،‭ ‬ونعجز‭ ‬عن‭ ‬استغلال‭ ‬أي‭ ‬فرص‭ ‬متاحة‭.‬

‭ ‬نقول‭ ‬هذا‭ ‬تعليقا‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬نلمسه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬وخطة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭.‬

من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬نلحظ‭ ‬أن‭ ‬الروح‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬قد‭ ‬انتهت،‭ ‬وأن‭ ‬الحرب‭ ‬طويت‭ ‬صفحتها‭. ‬وكل‭ ‬الاهتمام‭ ‬منصب‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬ومراحل‭ ‬تطبيقها‭.. ‬وهكذا‭.  ‬التفكير‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬وبهذه‭ ‬الروح‭ ‬خطأ‭ ‬استراتيجي‭ ‬فادح‭.‬

الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬طويل‭ ‬وممتد‭. ‬وكل‭ ‬التطورات‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬محطة‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬الصراع‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬سياستها‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭.‬

هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬العربية‭ ‬القاصرة‭ ‬وقصيرة‭ ‬المدى‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬نهدر‭ ‬مكاسب‭ ‬تاريخية‭ ‬تحققت‭ ‬بالفعل‭. ‬هي‭ ‬مكاسب‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬إن‭ ‬عرفنا‭ ‬كيف‭ ‬نستغلها‭ ‬فسوف‭ ‬تكون‭ ‬رصيدا‭ ‬هائلا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الصراع‭.‬

هذه‭ ‬المكاسب‭ ‬تحققت‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وما‭ ‬اكتشفه‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الصراع‭.‬

باختصار‭ ‬شديد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلخص‭ ‬هذه‭ ‬المكاسب‭ ‬فما‭ ‬يلي‭:‬

1‭ - ‬انقلاب‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭. ‬هذا‭ ‬تطور‭ ‬تاريخي‭ ‬بحق‭. ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬نرى‭ ‬الرأي‭ ‬العالمي‭ ‬كله‭ ‬يقف‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وجرائمها‭ ‬ويطالب‭ ‬بمحاسبة‭ ‬قادتها‭ ‬ويؤيد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭. ‬موقف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬تم‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬كثيرة‭ ‬كمظاهرات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬العارمة‭ ‬وحركة‭ ‬المقاطعة‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬لإسرائيل‭ ‬والشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭.. ‬وهكذا‭.‬

2‭ - ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها‭ ‬حدث‭ ‬تحول‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬موقفها‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حدث‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬موقفها‭ ‬بعد‭ ‬هول‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬مثلا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬أصبحت‭ ‬تؤيد‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتصاعدت‭ ‬إداناتها‭ ‬لإسرائيل‭.‬

3‭ - ‬إن‭ ‬المنظمات‭ ‬الجنائية‭ ‬والقانونية‭ ‬الدولية،‭ ‬وكل‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬اتخذت‭ ‬موقفا‭ ‬تاريخيا‭ ‬مشهودا‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وضد‭ ‬جرائمها‭ ‬وإنصافا‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬يعود‭ ‬لها‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬تقاريرها‭ ‬المعلنة،‭ ‬وفي‭ ‬توصيفها‭ ‬كجرائم‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة‭. ‬والمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬أصدرت‭ ‬مذكرات‭ ‬اعتقال‭ ‬لقادة‭ ‬إسرائيليين‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مجرمي‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة‭.‬

‭  ‬البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬توصيات‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬لا‭ ‬تنفذ‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أحكام‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬القانونية،‭ ‬والجرائم‭ ‬عندها‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم‭.‬

4‭ - ‬التطورات‭ ‬السابقة‭ ‬قادت‭ ‬في‭ ‬مجموعها‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬تاريخي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬أفاق‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬إسرائيل‭ ‬والمشروع‭ ‬الصهيوني‭. ‬كل‭ ‬الدعاوى‭ ‬التي‭ ‬تبنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬كسب‭ ‬تأييد‭ ‬الغرب‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬كالقول‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأنها‭ ‬محاطة‭ ‬بأعداء‭ ‬يريدون‭ ‬تدميرها‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭ ‬سقطت،‭ ‬واكتشف‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كيان‭ ‬مجرم‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بأي‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ولا‭ ‬بأي‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬مكاسب‭ ‬تاريخية‭ ‬للعرب‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

لكن‭ ‬للأسف‭ ‬العرب‭ ‬يهدرون‭ ‬هذه‭ ‬المكاسب‭ ‬بعدم‭ ‬امتلاك‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬كما‭ ‬ذكرت،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عدم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تعزيز‭ ‬هذه‭ ‬المكاسب،‭ ‬وكيفية‭ ‬استثمارها‭ ‬لدعم‭ ‬القضايا‭ ‬والحقوق‭ ‬العربية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا