يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
زلزال زهران ممداني
هو زلزال سياسي بكل معنى الكلمة ضرب أمريكا وتردد صداه في العالم.
نعني الفوز الكاسح الذي حققه زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك.
هذا الفوز جاء صدمة عنيفة للنظام السياسي الأمريكي والمؤسسة السياسية التقليدية، وللنظام الرأسمالي في الغرب عموما.
لماذا؟؟.. لماذا تم اعتبار فوز ممداني بمثابة زلزال سياسي، ولماذا هذه الصدمة؟
عوامل كثيرة تجمعت معا تفسر هذا.
أول هذه العوامل انه شاب يبلغ 34 عاما، أي انه أصغر من تولى هذا المنصب، وخبرته السياسية العملية ليست طويلة، وفاز في مواجهة مرشحين يمثلون المؤسسة التقليدية.
وثاني هذه العوامل انه مسلم من أصول هندية، وطوال حملته الانتخابية عبر عن اعتزازه بإسلامه واعتبر ان هذا من مصادر قوته. ان يفوز شاب مسلم بهذا المنصب أمر غير مألوف أو متوقع كثيرا في أمريكا على ضوء النظرة العامة السلبية عموما في أمريكا تجاه الإسلام والمسلمين وما يتعرضون له من صور تمييز، وأيضا على ضوء الحملات الدائمة على الأقليات في أمريكا.
وثالث هذه العوامل ان ممداني قدم نفسه للناخبين بصراحة ووضوح وحسم على انه اشتراكي ديمقراطي، أي انه خارج إطار الرأسمالية الليبرالية في أمريكا ويتحدى أفكارها. وبالطبع في أمريكا الحديث عن الاشتراكية يكاد يكون من المحرمات.
ولعل أهم هذه العوامل ان ممداني حقق هذا الفوز على الرغم من الحملة الضارية التي شنها عليه الرئيس الأمريكي ترامب، والاتهامات الشنيعة التي وجهها له، وتعهداته الصريحة بأنه لن يسمح له بالفوز.
هذه العوامل مجتمعة هي التي جعلت من فوز ممداني زلزالا سياسيا في أمريكا والغرب.
في كل الأحوال ممداني أصبح بعد فوزه ظاهرة سياسية تستحق التحليل والمتابعة الدقيقة. هذا ما فعله بالفعل عشرات المحللين والكتاب في أمريكا والعالم.
جوهر فهم ظاهرة ممداني هو السؤال: لماذا فاز؟.. ما هي العوامل والأسباب التي تفسر هذا الفوز الذي يبدو غريبا؟
المحللون والذين تابعوا صعود ممداني وفوزه اجمعوا على عوامل محددة تفسر هذا الفوز.
في مقدمة هذه العوامل الحملة الانتخابية المبتكرة التي قادها، من حيث الاستخدام الناجح الواسع النطاق لمواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، ومن حيث تركيزه على التواصل المباشر مع عامة الناس في نيويورك وخصوصا من الطبقات الفقيرة والمهمشة وحرصه مثلا على استخدام وسائل النقل العامة وزيارتهم في مناطقهم.. وهكذا.
الحقيقة ان ممداني تبنى في حملته خطابا سياسيا أسسه على ما أسماه «السياسة من الأسفل إلى الأعلى»، إذ اعتمد على الإصغاء إلى الناس، بدلا من إلقاء المحاضرات عليهم.
ومن هذه العوامل اعجاب الناخبين بجرأته في طرح أفكاه والتعبير عن مواقفه واعتزازه بها وبانتماءاته.
غير انه في تقدير الكثيرين ان اهم العوامل التي تفسر صعوده وفوزه على الاطلاق برنامجه الاجتماعي الذي يمس حياة ومعيشة المواطنين وتعهده بتنفيذه.
ممداني طرح برنامجا للإصلاح والتغيير الاجتماعي يعتبر ثوريا في أمريكا. من بنود هذا البرنامج، تجميد الإيجارات لحماية المستأجرين، والنقل العام المجاني، والرعاية المجانية للأطفال، من عمر ستة أسابيع إلى خمس سنوات، ومشروع «المتاجر البلدية» منخفضة الأسعار، وبناء 200 ألف وحدة سكنية قليلة التكلفة لمحدودي الدخل. وتضمن برنامجه أيضا ومن اجل تمويل مشاريعه زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء. المحللون والمراقبون وصفوا برنامج ممداني بأنه «برنامج طموح منح الفقراء والمهمشين أملا في التغيير». وكان هذا البرنامج هو السبب الرئيسي لفوزه.
هذه باختصار هي اهم العوامل التي تفسر ظاهرة ممداني.
يبقى ان فوزه وراءه في نفس الوقت عوامل أكبر واشمل تتعلق بأزمة النظام الأمريكي، والنظام الرأسمالي العالمي عموما.
وهذا حديث آخر بإذن الله.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك