العدد : ١٧٤٠١ - الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠١ - الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

زهران ممداني وأزمة الغرب

تحدثتُ‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬فوز‭ ‬الشاب‭ ‬المسلم‭ ‬زهران‭ ‬ممداني‭ ‬بمنصب‭ ‬عمدة‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وفي‭ ‬الغرب‭ ‬عموما‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬والتي‭ ‬تفسر‭ ‬فوزه،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفصل‭ ‬هذا‭ ‬الفوز‭ ‬عن‭ ‬الأزمة‭ ‬الطاحنة‭ ‬للنظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.‬‭ ‬ولهذا‭ ‬يتردد‭ ‬صدى‭ ‬فوزه‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كله،‭ ‬وتتصاعد‭ ‬الدعوات‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬كثيرة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى‭.‬

النظام‭ ‬الغربي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬أزمات‭ ‬كبرى‭:‬

الأولى‭: ‬انهيار‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية،‭ ‬وفقدان‭ ‬الثقة‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يروِّج‭ ‬له‭ ‬الغرب‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬يتبناها‭ ‬ويدافع‭ ‬عنها‭ ‬مثل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬واحترام‭ ‬الآخر‭.. ‬وهكذا‭.‬

والثانية‭: ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الطاحنة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وبالأخص‭ ‬انهيار‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬للمواطنين‭ ‬وغياب‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬التقارير‭ ‬عن‭ ‬الأزمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭ ‬والمعاناة‭ ‬الرهيبة‭ ‬للمواطنين‭ ‬مفزعة‭ ‬حقا‭.‬

والثالثة‭: ‬الصعود‭ ‬المخيف‭ ‬لليمين‭ ‬العنصري‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بهذا‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬واضطهاد‭ ‬وتمييز‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬

هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تعلم‭ ‬الدرس‭ ‬من‭ ‬فوز‭ ‬ممداني‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭.‬

أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬‮«‬النائب‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬ناديا‭ ‬ويتوم،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬الإندبندنت‭ ‬البريطانية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ممداني‮»‬‭.‬

‮«‬النائب‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬تدعو‭ ‬في‭ ‬مقالها‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬ممداني‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬ببريطانيا‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الأمريكي،‭ ‬رغم‭ ‬عيوبه،‭ ‬يسمح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانتخابات‭ ‬التمهيدية‭ ‬بصعود‭ ‬شخصيات‭ ‬مثل‭ ‬ممداني،‭ ‬بينما‭ ‬يحرم‭ ‬الحزب‭ ‬البريطاني‭ ‬أعضاءه‭ ‬من‭ ‬اختيار‭ ‬مرشحيهم‭ ‬بحرية‭. ‬أي‭ ‬إنها‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬حريات‭ ‬اختيار‭ ‬المرشحين‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬هويتهم‭ ‬وانتماءاتهم‭. ‬

تؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬رأيها‭ ‬يستبعد‭ ‬المرشحين‭ ‬اليساريين‭ ‬من‭ ‬القوائم،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬فايزة‭ ‬شاهين‭ ‬وموريس‭ ‬ماكلاود‭ ‬وجريج‭ ‬مارشال‭.‬

والجانب‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬البرنامج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتقدم‭ ‬الذي‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬نجح‭ ‬ممداني‭. ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬نجاح‭ ‬زهران‭ ‬ممداني‭ ‬وفوزه‭ ‬بمنصب‭ ‬عمدة‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬قدرته‭ ‬الخطابية‭ ‬وحملته‭ ‬الميدانية،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬قدّم‭ ‬برنامجاً‭ ‬ديمقراطياً‭ ‬اشتراكياً‭ ‬ركّز‭ ‬على‭ ‬أزمة‭ ‬المعيشة،‭ ‬وفرض‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬الأثرياء،‭ ‬وإعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭.‬

وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬تحظى‭ ‬بشعبية‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أيضاً،‭ ‬ودعت‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬جريئة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بإصلاحات‭ ‬شكلية‭ ‬لا‭ ‬تمس‭ ‬جوهر‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬

وقالت‭ ‬إن‭ ‬75‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬البريطانيين‭ ‬يؤيدون‭ ‬فرض‭ ‬ضريبة‭ ‬ثروة‭ ‬بنسبة‭ ‬1‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬على‭ ‬الأصول‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ (‬نحو‭ ‬13‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬و2‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬على‭ ‬الأصول‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬ملياراً‭. ‬وتضيف‭ ‬إن‭ ‬أمام‭ ‬الحكومة‭ ‬فرصة‭ ‬أخيرة‭ ‬لإثبات‭ ‬انحيازها‭ ‬للطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إصلاح‭ ‬ضريبي‭ ‬يطال‭ ‬الثروات‭ ‬الكبرى،‭ ‬محذّرة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحميل‭ ‬الأعباء‭ ‬للطبقات‭ ‬العاملة‭ ‬سيقوّض‭ ‬ثقة‭ ‬الناخبين‭. ‬وتذكر‭ ‬أن‭ ‬فرض‭ ‬ضرائب‭ ‬عادلة‭ ‬على‭ ‬الأثرياء‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يدرّ‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬سنوياً‭ ‬لتمويل‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬وإنقاذ‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية‭.‬

كما‭ ‬تدعو‭ ‬النائب‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬تعلم‭ ‬الدرس‭ ‬من‭ ‬فوز‭ ‬ممداني‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأقليات‭ ‬والموقف‭ ‬منها‭. ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬ممداني‭ ‬المؤثر‭ ‬عن‭ ‬الاستهداف‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬بسبب‭ ‬هويته‭ ‬المسلمة،‭ ‬معتبرة‭ ‬أنه‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الأقليات‭ ‬المضطهدة‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬تصاعد‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يتطلّب‭ ‬من‭ ‬التقدميين‭ ‬شجاعة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المساواة‭ ‬ورفض‭ ‬الكراهية‭.‬

‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المقال‭ ‬تلخص‭ ‬النائب‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬إليه‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬اقتصاداً‭ ‬يزداد‭ ‬فيه‭ ‬ثراء‭ ‬العائلات‭ ‬الخمسين‭ ‬الأغنى‭ ‬بينما‭ ‬تتراجع‭ ‬أجور‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬سيخسر‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬تجاهل‭ ‬واقع‭ ‬عدم‭ ‬المساواة،‭ ‬وأن‭ ‬استعادة‭ ‬ثقة‭ ‬الناخبين‭ ‬تمرّ‭ ‬عبر‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬حقيقية‭ ‬تعالج‭ ‬أزمة‭ ‬المعيشة،‭ ‬وتدافع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬عن‭ ‬التنوع‭ ‬والحقوق‭ ‬التي‭ ‬تتعرّض‭ ‬لهجوم‭ ‬متزايد‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‮»‬‭.‬

كما‭ ‬نرى‭ ‬هذا‭ ‬مثال‭ ‬واضح‭ ‬للصدى‭ ‬الكبير‭ ‬لفوز‭ ‬ممداني‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭.‬

لكن‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أزمات‭ ‬الغرب‭ ‬أكبر‭ ‬وأعمق‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحلها‭ ‬فوز‭ ‬مرشح‭ ‬او‭ ‬أي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المرشحين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬ممداني‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا