يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
تحفظات ومخاوف.. ولكن
اعتمد مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأمريكي بشأن خطة السلام في غزة، وأصبح القرار رسميا.
القرار أثار ردود فعل كثيرة. الدول العربية وكثير من دول العالم رحبت بالقرار واعتبرته خطوة مهمة. البعض عدد إيجابيات القرار، وكثيرون أشاروا مثلا إلى ما يتضمنه عن قيام دولة فلسطينية.. وهكذا.
البعض أبدى تحفظات على القرار، وتحدث عن مخاوف بعد اعتماد القرار رسميا.
التحفظ الأساسي على القرار الذي عبر عنه كثيرون هو غموض البنود التي يتضمنها وعدم وضوح أبعادها وتفاصيلها.
القرار ينص مثلا على إنشاء «مجلس للسلام» المفروض أن يتولى حكم وإدارة غزة، وقال الرئيس الأمريكي ترامب إنه سوف يرأسه، لكن ليس واضحا مَن سيشارك في هذا المجلس بالضبط، وما صلاحياته تفصيلا، وهل هذا المجلس سيكون خاضعا لمراجعة أو محاسبة أي أحد.
والقرار ينص على إنشاء «قوة استقرار دولية» المفروض أن تتولى مهمة الأمن ونزع السلاح. لكن أيضا ليس واضحا من سيشارك في هذه القوة، وما حدود مهامها، وكيف تمارس هذه المهام بالضبط.
بعض الدول، منها دول عربية، كانت قد طالبت بأن تكون هذه القوة تابعة للأمم المتحدة على اعتبار أن هذا يمنحها شرعية أكبر ويمنع تسييس مهامها، لكن أمريكا أصرت على أن تكون القوة تابعة لمجلس السلام الذي سيرأسه ترامب.
أيضا يجب أن نشير إلى أن ما تضمنه القرار عن دولة فلسطينية هو كلام عام جدا لا يتضمن أي شيء ملزم بهذا الخصوص. القرار ينص على أنه «فور تنفيذ السلطة الفلسطينية الإصلاحات المطلوبة والبدء بإعادة إعمار غزة، قد تكون الظروف مهيأة أخيرا لمسار لتقرير الفلسطينيين مصيرهم وإقامة دولة».
كما نرى هذا كلام فضفاض جدا. في كل الأحوال بمقدور أمريكا أو غيرها أن تقول إن السلطة الفلسطينية لم تقم بالإصلاحات المطلوبة. وحتى لو تحققت كل المطالب فالقرار ينص على أنه «قد»؛ أي قد يكون هناك مسار لدولة فلسطينية أو لا يكون.
حركة حماس من جانبها اعتبرت أن القرار لا يرقى إلى مستوى ومطالب وحقوق الشعب الفلسطيني. كما اعتبرت أنه «يفرض وصاية دولية» على قطاع غزة.
كما نرى، كل هذه التحفظات والمخاوف وجيهة ولها ما يبررها تماما.
ومع هذا، هناك عوامل أساسية أخرى يجب أن نأخذها في الاعتبار عند الحكم على قرار مجلس الأمن بالقبول أو الرفض، أهمها ما يلي:
أولا: المفروض أن القيمة الأساسية للقرار أنه سوف ينهي حرب غزة بشكل رسمي ملزم. حتى الآن وقف إطلاق النار هش للغاية وتنتهكه إسرائيل يوميا. المفترض أنه بصدور القرار سيتم الانتقال إلى المرحلة التالية ووضع حد نهائي للحرب.
إذا تحقق هدف الوقف النهائي للحرب فهذا بحد ذاته مبرر للترحيب بالقرار. لن نعيد هنا ما ذكرناه مرارا من قبل بأن إنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة من جرائم الحرب والإبادة التي دفع ثمنها غاليا هي أولوية مطلقة.
ثانيا: إنه يوجد بالفعل عشرات القرارات الدولية، بما فيها قرارات لمجلس الأمن، تتضمن الحقوق المشروعة كاملة للشعب الفلسطيني، وضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
هذه القرارات قائمة وملزمة بحكم القانون الدولي ولا تسقط بالتقادم.
بعبارة اخرى، فإن صدور القرار الجديد عن مجلس الأمن، وأيا كانت نواقصه أو أوجه قصوره، لا ينسخ القرارات السابقة ولا يبطلها.
ثالثا: إنه في نهاية المطاف، وبغض النظر عن هذا القرار أو حتى القرارات الدولية السابقة حول الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الذي يحدد مسار الصراع، ويحدد الطريق إلى استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، هو الموقف العربي الفعلي وما تفعله الدول العربية لتحقيق هذا.
وحدة الموقف الفلسطيني والعربي وما يتم اتخاذه من إجراءات عملية هو الفيصل.
من المؤسف جدا هنا أنه رغم كل ما جرى من حرب إبادة ومن تطورات خطيرة تعصف بالقضية الفلسطينية، لا يزال الفلسطينيون عاجزين عن توحيد صفوفهم واتخاذ مواقف موحدة. بالنسبة إلى قرار مجلس الأمن الأخير مثلا، السلطة الفلسطينية رحبت بشدة بالقرار، وحماس وفصائل أخرى رفضته ونددت به. هذا وضع لا يمكن أن يستمر ولا يمكن أن نتحدث عن استعادة الفلسطينيين حقوقهم الكاملة في ظل مهزلة الانقسام الفلسطيني.
عموما، على ضوء هذه الاعتبارات التي ذكرتها، يمكن القول بأنه ليس هناك ما يدعو إلى رفض قرار مجلس الأمن أو التنديد به.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك