في 13 أكتوبر 2025، بعد سنوات من التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «فجرا تاريخيا لشرق أوسط جديد»، في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي. حديث ترامب عن استعداده لإعادة فتح باب المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي أثار موجة من التكهنات والشكوك بين المراقبين الغربيين، في وقت يعاني فيه العالم من حالة من عدم الثقة والتوترات الإقليمية المستمرة.
في الوقت الذي تراهن فيه الإدارة الأمريكية على فرض مزيد من الضغوط على إيران، يبدو أن الظروف الحالية تهيئ لتحديات دبلوماسية كبرى، تشتمل على إشكاليات معقدة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، والصواريخ الباليستية، ودور طهران في المنطقة. وفي هذا السياق، ستتضح ملامح المواقف المختلفة من الدعوة الأمريكية إلى استئناف المفاوضات مع إيران وتحلل آفاقها في ظل واقع سياسي معقد ومتفجر.
بدا ترامب وكأنه يعيد فتح الباب أمام عملية دبلوماسية لحل مسألة البرنامج النووي الإيراني، حيث قال إنه سيكون «رائعًا» إذا تم التوصل إلى «اتفاق سلام»، وتوجه مباشرة إلى علي خامنئي قائلاً إن واشنطن «مستعدة في أي وقت» لاستئناف المحادثات. لكن نظرًا إلى محاولات الولايات المتحدة المتكررة لعزل إيران عبر العقوبات الاقتصادية، ودورها المباشر في الحرب الإسرائيلية على غزة في يونيو 2025، التي زعم ترامب خلالها أنها «دمرت» المواقع النووية الإيرانية الرئيسية، فإن دعوته للسلام قوبلت برفض من طهران؛ حيث إن حالة الشكوك وانعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين جعلت أي تقدم دبلوماسي يبدو مستبعدًا.
وفي هذا السياق، قررت الدول الأوروبية الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران في سبتمبر 2025. ورأت إيلي جيرانمايه، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن هذا القرار كان يهدف إلى «إجبار إيران على التراجع في لحظة ضعفها». وأضافت أن رفض طهران هذا الضغط جعل الحالة الدبلوماسية أكثر هشاشة، حيث استنفد الوسطاء الأوروبيون معظم نفوذهم.
وبينما أظهر ترامب تفاؤلاً بفتح الباب لحوار مع إيران، أشار كل من ستيفاني هاوشير علي، زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي، وكرانستون كلاين، المحلل السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، إلى وجود «مسارين رئيسيين» للمستقبل: الأول هو إمكانية التوصل إلى «صفقة تفاوضية» قد تقدم «حلًا طويل الأجل»، أما الثاني فهو استمرار «التوازن السام» الذي قد يتضمن «وقفًا هشًا لإطلاق النار»، ويهدد بالتقويض بسبب «تأجيج الصراع الدوري» من جانب حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة. وقد حذروا من أن هذا الوضع قد تكون له «تداعيات بعيدة المدى» على الأمن الإقليمي، بما في ذلك دول الخليج التي استهدفتها إيران وإسرائيل في الأشهر الأخيرة.
بعد قبول إسرائيل وحماس خطة وقف إطلاق النار في غزة أعلن ترامب قدرته على معالجة القضايا الإقليمية الأوسع، بما في ذلك العودة إلى مسألة البرنامج النووي الإيراني. ورغم غموض ما سيشمله مثل هذا الاتفاق توقع كل من هاوشير علي وكلاين أن أي اتفاق دائم يجب أن يتضمن «مسارًا لتخفيف العقوبات ودمج إيران في فرص التنمية الاقتصادية الإقليمية»، إضافة إلى ضمان «الحماية من هجوم إسرائيلي آخر».
في المقابل، افترضا أن الولايات المتحدة قد تطالب إيران «بتقليص برنامجها للصواريخ الباليستية»، وتقليص دعمها لوكلائها في المنطقة، بالإضافة إلى «الالتزام بمستوى تخصيب منخفض تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية». ووفقًا لسينا توسي، زميل غير مقيم في مركز السياسة الدولية بواشنطن، فإن «التصور السائد» في البيت الأبيض هو أنه مع «إضعاف» النظام الإيراني داخليًا وخارجيًا يمكن للولايات المتحدة «الحصول على أكثر من مجرد اتفاق نووي».
ورغم تصريحات ترامب أمام الكنيست عن رغبة قادة طهران في «عقد صفقة» ومعرفته بما «يريدونه»، فإن حسابات إيران الاستراتيجية لم تتغير بعد الهجمات الإسرائيلية الأمريكية المشتركة على مواقعها النووية في يونيو 2025. وأوضح كل من هاوشير علي وكلاين أن «نظام خامنئي سيتعين عليه رؤية عرض صفقة في إطار أفضل من البدائل»، لكنهما أشارا إلى أن قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، التي أكدها رافائيل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تظل «آخر بطاقة تفاوض رئيسية» للنظام. ولذلك، «من غير المرجح أن ينهي النظام الإيراني برنامجه النووي من دون شروط تسمح له بالادعاء بأنه حقق فوزًا».
ورغم تصريح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في أكتوبر 2025 بقبول طهران اتفاقا «عادلا ومتوازنا»، فإن المطالب الأمريكية والإسرائيلية لم تكن على المستوى المتوقع. وبرغم أن طهران أصبحت أكثر استعدادًا للموافقة من قبل، كما يتضح من رفض عراقجي التخلي عن «حق تخصيب اليورانيوم»، فإن العودة إلى المفاوضات تتطلب أولًا «استعادة الثقة» بين طهران وواشنطن. ومع ذلك، أشار كل من هاوشير علي وكلاين إلى أن تصرفات واشنطن خلال السنوات العشر الماضية لم تُثمر سوى فقدان الثقة، وأن تغير السياسة الأمريكية بين إدارات أوباما وبايدن وترامب جعل من الصعب بناء الثقة من جديد.
ومنذ محادثات ترامب مع الإيرانيين في ربيع وصيف 2025، التي تلتها مشاركته في الهجمات الجوية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، لم يعد ترامب يظهر كصانع سلام بل كمن يتفاخر بما ألحقه من أضرار بإيران، حيث أكد أمام الكنيست أنه «أباد» العديد من الشخصيات الكبرى في النظام الإيراني، وأكد أنه مستعد للتهديد بمزيد من الهجمات إذا استأنفت إيران برنامجها النووي.
ونتيجة لذلك، لم يُستقبل تصريح ترامب بأن «الولايات المتحدة وإسرائيل لا تُكنّان أيّ عداءٍ للشعب الإيراني» و«أنهما يرغبان في العيش بسلام» على أنه مبادرة جادة من طهران. وأشار نادر هاشمي، أستاذ جامعة جورج تاون، إلى أنه رغم التفاؤل بإمكانية فتح حوار فإن الحقيقة تظل أن «هذا الطريق جُرب سابقًا وانتهى بحرب يونيو».
ومع تدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية، من المتوقع أن يستلزم أي تحسن دبلوماسي دورًا لمجموعة الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة: المملكة المتحدة، فرنسا، وألمانيا، المعروفة (باسم E3). ومع ذلك، أشار ألكسندر ك. بولفراس من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أن هذه الدول لا تُظهر رغبة في استئناف المفاوضات، بل تراهن على أن نفوذها سيجبر إيران على «الاستسلام» فيما يخص برنامجها النووي.
وفي هذا السياق، أعادت دول مجموعة الدول الأوروبية الثلاث فرض العقوبات على إيران في سبتمبر، بعد أن كانت قد رُفعت في إطار الاتفاق النووي لعام 2015. واعتبر جون كالابريس من معهد الشرق الأوسط هذه الخطوة «مقامرة» نظرًا إلى أن نفوذ أوروبا يتضاءل، بينما أصبحت إيران أكثر براعة في التهرب من العقوبات، بمساعدة حلفائها مثل الصين وروسيا.
كما أشارت جيرانمايه إلى أن أي توقع بأن دولا غربية كبرى يمكن أن تكون وسطاء مؤثرين في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل أصبح غير واقعي. في الوقت نفسه، يُحتمل أن تواجه تصريحات ترامب حول الالتزام بالدبلوماسية مع إيران ردود فعل قوية من إسرائيل، ما قد يُؤدي إلى تصعيد حرب جديدة بقيادة نتنياهو.
وفي أغسطس، حذرت تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم الرشيد، من أن حربًا جديدة قد تندلع قبل نهاية العام، بناءً على رغبة إسرائيل في أن «تنخرط الولايات المتحدة بشكل كامل» ضد إيران. وفي أكتوبر، وافقت جيرانمايه على أن خطر تجدد التوترات مرتفع، في ظل غياب ضامن خارجي أو آلية لخفض التصعيد، ما قد يؤدي إلى مواجهة مستمرة بين إسرائيل، والولايات المتحدة، وأوروبا من جهة وإيران من جهة أخرى.
بينما افترضت هاوشير علي وكلاين أن إدارة ترامب قد تضطر إلى ممارسة ضغوط مدروسة، مثل صفقات دفاعية وحوافز، لمنع إسرائيل من بدء حرب جديدة، لا يمكن تجاهل التاريخ السابق لترامب الذي جمع بين الالتزام العلني بالمفاوضات والمشاركة في الهجمات العسكرية على إيران. وقد أشار هاشمي إلى أن «دورة الهجوم» التي شهدها يونيو، التي كانت بين «هجوم إسرائيل ثم انتقام إيران» تليها تدخل الولايات المتحدة، قد تعود مجددًا. هذه الاحتمالات تثير أسئلة حاسمة حول الأمن الإقليمي، وخصوصًا لدول مجلس التعاون الخليجي، التي قد تصبح أهدافًا في حال تصاعد التوترات. ووفقًا للهاشمي وكلاين، فإن غياب الحل الدبلوماسي يجعل دول الخليج في حالة قلق متزايد بشأن تهديدات إيران.
من ناحية أخرى، كتبت جيرانمايه عن آمال دول المنطقة في أن يكون إبقاء طهران وترامب قريبين من «خط النار» وسيلة لدرء التصعيد. ومع ذلك، يبقى إغلاق مضيق هرمز تهديدًا رئيسيًا يمكن أن يقلل من صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي في السوق العالمية.
في الختام، رغم أن هاوشير علي وكلاين يعتبران أن «الاتفاق الشامل هو الحل الأفضل للجميع»، فإنه من الصعب تحقيقه أو الحفاظ عليه بسبب «انعدام الثقة الشديد» بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. حتى إذا تم بناء الثقة، لا تزال المواقف التفاوضية بعيدة عن التداخل، ويبدو أن صانعي السياسات في واشنطن مازالوا يصرون على «استسلام» نظام خامنئي لمطالبهم الإقليمية.
لذلك، كما قال روبرت تيت من صحيفة الجارديان فإن «المناورة الدبلوماسية» التي قام بها ترامب مع الكنيست «من غير المرجح أن تثمر»، مع وجود تقييمات عامة من المراقبين الغربيين بأن المواجهة العسكرية الأخرى بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة هي الاحتمال الأكثر ترجيحًا من استئناف المفاوضات الرسمية. هذا يبقي الاستقرار والأمن الإقليمي في وضع حساس وغير مستقر.
في ضوء المعطيات الحالية، يبدو أن تحقيق تقدم دبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران لا يزال بعيد المنال. دعوة ترامب لاستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني قوبلت بالرفض الإيراني، حيث لم تؤد سنوات من العقوبات والضغوط إلى بناء أي نوع من الثقة بين الطرفين. فضلاً عن ذلك، فإن غياب المواقف المتقاربة بين إيران من جهة، وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، يزيد من تعقيد عملية التفاوض. وفي حين أن العديد من المحللين يرون أن الحل الدبلوماسي هو الأفضل للجميع، إلا أن انعدام الثقة والشروط المتناقضة تجعل من هذا الخيار بعيد المنال. وفي ظل هذا الوضع، تزداد احتمالات التصعيد العسكري بين الأطراف المتورطة، ما يهدد الاستقرار الإقليمي بشكل كبير.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك