يشكل الأفراد الموهوبون والمبدعون في أي مجتمع ثروة وطنية لا تقدر بثمن. فهم الركيزة الأساسية لأي تطور. والاستثمار في رأس المال البشري يعدّ من أرقى أنواع الاستثمار، حيث إنه يعدّ من أهم الموارد (الإستراتيجية) لتقدم الأمم نحو الريادة. وتزداد الحاجة إلى رعاية الموهوبين والمبدعين في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى في ظل عالمٍ رقميٍّ سريع التغير، حيث أضحى الاقتصاد القائم على المعرفة والإبداع الركيزة الأساسية لتقدم الأمم. لذلك، فإن دعم العقول المبدعة يعدّ ضرورة (إستراتيجية) لتقدم المجتمعات.
إن أفراد فئة الموهوبين يمتلكون قدرات عقلية، واستعدادات نفسية وذهنية، وسمات سلوكية استثنائية تجعلهم مؤهلين لإحداث تغيرات نوعية تسهم بشكل كبير في تطوير المجتمع ومواجهة صعوباته وتحدياته المعقدة وتعمل على صياغة الحلول الإبداعية لها.
ذلك ان الاهتمام بالموهوبين وتوفير الفرص التربوية التي تساعدهم على تلبية احتياجاتهم المختلفة، لم يعد في عصرنا الحاضر خياراً ثانوياً، بل أصبح ركيزة أساسية من ركائز التنمية الشاملة والمستدامة؛ لكونهم يمثلون الثروة المعرفية والإبداعية للمجتمع.
إن توافر البيئة التربوية والثقافية المحفّزة والحاضنة لقدرات الموهوبين والمبدعين التي تنسجم مع احتياجاتهم النفسية، والمعرفية، والاجتماعية، وتدعم طموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية، من شأنه أن يساعدهم على تحقيق ذواتهم وتنمية قدراتهم الإبداعية؛ الأمر الذي ينعكس على تطوير أنفسهم وتقديم خدمات ملموسة لمجتمعهم، مع إمكان أن يتجاوز أثرها البيئة المحلية، ويسهم في تكريس حضورهم ومشاركتهم في المشهد العالمي.
من هنا يمكن القول: «إنّ غياب السياسة الواضحة والفاعلة لرعاية الموهوبين والمبدعين يجعل من الطاقات الكامنة حبيسة الإهمال والتجاهل، وقدد تتحول إلى عبءٍ نفسي واجتماعي، بدلاً من أن تكون رافداً لتطور وتقدم المجتمع».
في ضوء هذه الأهمية المتزايدة، تبرز الحاجة الماسة إلى تبني مبادرات وبرامج وطنية تُعْنَى باحتضان الموهوبين والمبدعين، وتوفّر كل الفرص التربوية والتدريبية التي تتناسب مع قدراتهم وطموحاتهم، وتدفع بمواهبهم إلى أقصى درجات الإتقان والتميّز.
لذا، فإنّ برنامج سمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة للمنح الدولية (CPISP) يمثّل أنموذجاً ساطعاً لهذه الرؤية الطموحة، وذلك لما يجسده من اهتمام مملكة البحرين العميق بالاستثمار في العقول البحرينية الشابة، وسعيها المستمر إلى توفير كل الإمكانات التي تمكنهم من تحقيق ذواتهم وطموحاتهم، والوصول بهم إلى أرفع مستويات المعرفة، وذلك من خلال اختيار نخبة من خريجي الثانوية العامة وفق معايير متعددة ودقيقة تشمل: التحصيل الأكاديمي، والمهارات القيادية، والنشاط الاجتماعي، والقدرة على التكيّف في بيئات تعليمية متنوعة ثقافيًا، ومن ثمّ إلحاقهم بأرقى الجامعات العالمية مثل: جامعة هارفرد، وجامعة أكسفورد، وغيرهما من المؤسسات التعليمية العالمية المرموقة، مع المتابعة الدقيقة والمستمرة إلى حين حصولهم على مؤهلاتهم الجامعية.
إن برنامج سمو ولي العهد للمنح الدولية هو مشروع وطني (إستراتيجي) يجسد رؤية مملكة البحرين المستقبلية في بناء مجتمع قائم على اقتصاد المعرفة، ويشكّل حافزاً للمؤسسات المختلفة للسير في ذات اتجاه تبنّي سياسات فاعلة لدعم الموهوبين والمبدعين.
وفي إطار التطلّع إلى توسيع مظلة احتضان الموهوبين والمبدعين وتعزيز استثمار القدرات الوطنية من مختلف الفئات، تبرز إمكانية تبني برنامج وطني يشمل فئة جديدة من الكفاءات البحرينية، وهم الطلبة المتميزون والمبدعون من خريجي الجامعات ممّن أظهروا تفوّقاً ملحوظاً في دراستهم الجامعية، ويطمحون إلى مواصلة دراساتهم العليا في تخصصاتهم الدقيقة، بما يعزّز من مكانة البحرين في مجالات البحث العلمي والابتكار، ويسهم في رفد المجتمع بنخبة من العلماء المتخصصين الذين بلا شك سيكون لهم الأثر الكبير في نهضة البلاد وازدهارها.
{ أستاذ الموهبة والإبداع المساعد
بكلية البحرين للمعلمين - جامعة البحرين

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك