العدد : ١٧٤٠٩ - الجمعة ٢١ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٩ - الجمعة ٢١ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ماء المطر.. بين الرؤية المثالية والواقع المرير

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

السبت ١٥ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

من‭ ‬المفروض‭ ‬نظريا‭ ‬أن‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬ينزل‭ ‬من‭ ‬المُزْن‭ ‬ومن‭ ‬السماء‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬آمناً،‭ ‬وصحياً،‭ ‬ونقياً،‭ ‬وصالحاً‭ ‬للشرب‭ ‬مباشرة،‭ ‬سواء‭ ‬للإنسان،‭ ‬أو‭ ‬الحيوان،‭ ‬أو‭ ‬ري‭ ‬المناطق‭ ‬الزراعية،‭ ‬والغابات‭ ‬الكثيفة،‭ ‬والأعشاب‭ ‬والشجيرات‭ ‬الصحراوية‭.‬

ولكن‭ ‬مع‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬المصانع،‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وازدياد‭ ‬أعداد‭ ‬وأنواع‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات‭ ‬البرية،‭ ‬والبحرية،‭ ‬والجوية،‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬أطلق‭ ‬سراح‭ ‬أحجامٍ‭ ‬عظيمة‭ ‬ومهولة‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أنواع‭ ‬الملوثات‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬وإلى‭ ‬الأوساط‭ ‬البيئية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬شبر‭ ‬من‭ ‬كوكبنا‭ ‬قريباً‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬نائياً‭ ‬وبعيداً‭ ‬إلا‭ ‬وأصابه‭ ‬داء‭ ‬التلوث‭ ‬العقيم،‭ ‬وعرَّض‭ ‬صحته‭ ‬للأسقام‭ ‬المزمنة‭. ‬

وهذه‭ ‬الأمراض‭ ‬والعلل‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا،‭ ‬انكشفت‭ ‬لنا‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ظواهر‭ ‬غريبة‭ ‬وغامضة‭ ‬لم‭ ‬يشهدها‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬ماهيتها‭ ‬وأسرارها‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وصحة‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

وهذه‭ ‬المظاهر‭ ‬البيئية‭ ‬بدأت‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬فكلما‭ ‬ظهرت‭ ‬علينا‭ ‬ظاهرة‭ ‬ومشكلة‭ ‬بيئية‭ ‬جديدة،‭ ‬وتعرف‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬أسرارها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬وكيفية‭ ‬وأسباب‭ ‬نزولها،‭ ‬انكشفت‭ ‬له‭ ‬ظاهرة‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬أختها،‭ ‬وأشد‭ ‬وطأة‭ ‬وتنكيلاً‭ ‬بأمن‭ ‬البيئة‭ ‬وسلامتها،‭ ‬وأكثر‭ ‬تهديداً‭ ‬بصحة‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭.‬

ومن‭ ‬المظاهر‭ ‬القديمة‭ ‬المتجددة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بجودة‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬هي‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬ينزل‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬فحوَّل‭ ‬هذا‭ ‬الماء‭ ‬العذب‭ ‬الزلال‭ ‬الصافي‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدت‭ ‬عليه‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬كمياه‭ ‬للشرب‭ ‬والزراعة‭ ‬والأغراض‭ ‬المنزلية‭ ‬إلى‭ ‬مياه‭ ‬آسنة،‭ ‬ملوثة،‭ ‬وغير‭ ‬صحية،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬مباشرة‭. ‬

فهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬القديمة‭ ‬المتجددة‭ ‬تختلف‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬الملوثات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار،‭ ‬فهي‭ ‬كلها‭ ‬مياه‭ ‬أمطار‭ ‬ملوثة،‭ ‬ولكن‭ ‬هوية‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬ونوعيتها‭ ‬اختلفت‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬ومع‭ ‬العقود‭ ‬المتلاحقة‭.‬

ففي‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬عانى‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬أُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬المطر‭ ‬الحمضي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الثلج‭ ‬الحمضي،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ماء‭ ‬المطر،‭ ‬أو‭ ‬الثلج‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عادياً‭ ‬وطبيعياً‭ ‬في‭ ‬نوعيته‭ ‬وجودته،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬حمضياً،‭ ‬أي‭ ‬كما‭ ‬نٌطلق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬‮«‬التيزاب‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬السائل‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬بطارية‭ ‬السيارات‭.‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذا‭ ‬المطر‭ ‬الحمضي‭ ‬نتيجة‭ ‬لإطلاق‭ ‬ملوثات‭ ‬وغازات‭ ‬حمضية‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احتراق‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬السيارات،‭ ‬والقطارات،‭ ‬والطائرات،‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمصانع‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬انبعثت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬هي‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكبريت،‭ ‬وثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬النيتروجين،‭ ‬وثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬الحمضية‭ ‬بعد‭ ‬انتقالها‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬وفي‭ ‬أعالي‭ ‬السماء‭ ‬تفاعلت‭ ‬مع‭ ‬الماء‭ ‬وكونت‭ ‬حمض‭ ‬الكبريتيك،‭ ‬وحمض‭ ‬النيتريك،‭ ‬وحمض‭ ‬الكربونيك،‭ ‬فنزلت‭ ‬مع‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬فلوثت‭ ‬البر،‭ ‬والبحر‭.‬

فهذا‭ ‬المطر‭ ‬والثلج‭ ‬الحمضي‭ ‬لوثت‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬فعندما‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬المسطحات‭ ‬المائية‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬حمضيتها‭ ‬فأثرت‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬المياه،‭ ‬وأهلكت‭ ‬الأسماك‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬المائية‭ ‬برمتها،‭ ‬وحولت‭ ‬هذه‭ ‬البيئات‭ ‬المائية‭ ‬الجميلة‭ ‬والمنتجة‭ ‬إلى‭ ‬صحاري‭ ‬جرداء‭ ‬مقفرة‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬فيها‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬كشف‭ ‬بحث‭ ‬جديد‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬حديثة‭ ‬لم‭ ‬يعرفها‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية،‭ ‬وهذا‭ ‬البحث‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬مجلة (Frontier Marine Science) في‭ ‬27‭ ‬أغسطس‭ ‬2025،‭ ‬صدر‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬تأثيرات‭ ‬حموضة‭ ‬المحيطات‭ ‬على‭ ‬مورفولوجيا‭ ‬أسنان‭ ‬القرش‮»‬،‭ ‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬حموضة‭ ‬المياه‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬وصحة‭ ‬أسنان‭ ‬سمك‭ ‬القرش‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضعفها‭ ‬وسرعة‭ ‬تآكلها،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬الحي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الكائنات‭ ‬على‭ ‬اصطياد‭ ‬وأكل‭ ‬الفريسة،‭ ‬ثم‭ ‬انقراضها‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭.‬

وعندما‭ ‬نزلت‭ ‬هذه‭ ‬الأمطار‭ ‬الحمضية‭ ‬على‭ ‬المباني‭ ‬والتماثيل‭ ‬التي‭ ‬شيدها‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأنفق‭ ‬على‭ ‬إنشائها‭ ‬مبالغ‭ ‬باهظة،‭ ‬فإنه‭ ‬يحولها‭ ‬إلى‭ ‬مسحوق،‭ ‬ويضعف‭ ‬قوتها،‭ ‬ويهدد‭ ‬من‭ ‬تماسكها،‭ ‬ويتسبب‭ ‬في‭ ‬سقوطها‭. ‬كما‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الأمطار‭ ‬والثلوج‭ ‬الملوثة‭ ‬عندما‭ ‬سقطت‭ ‬على‭ ‬الغابات‭ ‬والأشجار‭ ‬الكثيفة،‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬مردودات‭ ‬خطيرة‭ ‬تهدد‭ ‬حياتها‭ ‬واستدامة‭ ‬إنتاجها‭.‬

وتمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرف‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬البيئية‭ ‬المهلكة‭ ‬لجميع‭ ‬مكونات‭ ‬البيئية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إزالة‭ ‬الكبريت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬انبعاث‭ ‬غازات‭ ‬أكاسيد‭ ‬النيتروجين‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭.‬

ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تخلص‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬العقيمة،‭ ‬ومن‭ ‬المطر‭ ‬والثلج‭ ‬الحمضي،‭ ‬وإذا‭ ‬به‭ ‬يواجه‭ ‬معضلة‭ ‬أخرى،‭ ‬وظاهرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان،‭ ‬ولم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬بشر،‭ ‬وهي‭ ‬نزول‭ ‬المطر‭ ‬الميكروبلاستيكي،‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬مخلفات‭ ‬وجسيمات‭ ‬بلاستيكية‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬والثلوج‭!   ‬

وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬غرابة‭ ‬الظاهرة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬بخبرته‭ ‬وعلمه‭ ‬التراكمي‭ ‬الواسع‭ ‬أن‭ ‬يتوقع‭ ‬وقوعها،‭ ‬فعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬التي‭ ‬نستخدمها‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬والمكتب،‭ ‬ومكان‭ ‬العمل،‭ ‬بل‭ ‬وأستطيع‭ ‬أن‭ ‬أُجزم‭ ‬بأنك‭ ‬قلما‭ ‬تشاهد‭ ‬منتجاً‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬تركيبه‭ ‬البلاستيك‭. ‬فكل‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬البيئية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬صلاحيتها،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬لأنها‭ ‬مستقرة‭ ‬ولا‭ ‬تتحلل‭ ‬في‭ ‬البيئة،‭ ‬فإنها‭ ‬تنتقل‭ ‬وتتحرك‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬قطع‭ ‬كبيرة،‭ ‬أو‭ ‬صغيرة،‭ ‬أو‭ ‬جسيمات‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬من‭ ‬وسطٍ‭ ‬بيئي‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬تتعلق‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬فترتفع‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬وتختلط‭ ‬بماء‭ ‬السحب‭ ‬وتصبح‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬تكوينه،‭ ‬وتنزل‭ ‬أخيراً‭ ‬معها‭ ‬كمطر‭ ‬أو‭ ‬ثلج‭ ‬ميكروبلاستيكي‭.‬

وقد‭ ‬وثق‭ ‬العلماء‭ ‬الآن‭ ‬‮«‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‮»‬،‭ ‬وأجروا‭ ‬دراسات‭ ‬كثيرة‭ ‬أثبتوا‭ ‬غزوها‭ ‬واحتلالها‭ ‬لكل‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬والثلج‭ ‬فقد‭ ‬أجمعت‭ ‬الدراسات‭ ‬على‭ ‬احتوائه‭ ‬مخلفات‭ ‬مايكروبلاستيكية‭. ‬وسأُقدم‭ ‬لكم‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭. ‬فهناك‭ ‬دراسة‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬أغسطس‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬العلوم‮»‬‭ (‬Science‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أبيض‭ ‬وعجيب؟‭ ‬الميكروبلاستيك‭ ‬في‭ ‬الثلج‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬الألب‭ ‬إلى‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬المتناهية‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬في‭ ‬الثلوج،‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬والثلوج‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬تحرك‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬عبر‭ ‬الهواء‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬حركة‭ ‬الرياح‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومعظم‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬بولي‭ ‬إيثلين،‭ ‬والمطاط،‭ ‬والبلاستيك‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الطلاء‭ ‬والأصباغ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المواد‭ ‬البلاستيكية‭ ‬العضوية‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬عنصر‭ ‬الفلورين،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬حالياً‭ ‬بمجموعة‭ ‬مركبات (PFAS). 

كذلك‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬نشرة‭ ‬تلوث‭ ‬البحار‮»‬‭ ‬

(Marine Pollution Bulletin) في‭ ‬يناير‭ ‬2022‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬ترسب‭ ‬الميكروبلاستيك‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬جاكرتا‭ ‬من‭ ‬الأمطار‮»‬،‭ ‬والأنواع‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭ ‬كانت‭ ‬بولي‭ ‬ستيرين،‭ ‬وبولي‭ ‬بيوتاديين،‭ ‬وبولي‭ ‬إيثلين،‭ ‬والتركيز‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬تراوح‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬جسيماً‭ ‬من‭ ‬الجسيمات‭ ‬والألياف‭ ‬البلاستيكية‭ ‬في‭ ‬المتر‭ ‬المربع‭ ‬في‭ ‬اليوم‭. ‬

ودراسة‭ ‬ثالثة‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬أغسطس‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬

(Nature Geoscience)‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬انتقال‭ ‬الميكروبلاستيك‭ ‬وترسبه‭ ‬عبر‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬الجبال‭ ‬النائية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تحليل‭ ‬الترسبات‭ ‬الجافة‭ ‬والرطبة،‭ ‬أي‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬يسقط‭ ‬على‭ ‬جبال‭ ‬فرنسا،‭ ‬وأكدت‭ ‬وجود‭ ‬المخلفات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الترسبات،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬بعيدة‭ ‬جداً‭ ‬عن‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭. ‬كذلك‭ ‬هناك‭ ‬الدراسة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المايكروبلاستيك‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‮»‬‭ ‬والمنشورة‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬TrAC‭ ‬Trends‭ ‬in‭ ‬Analytical‭ ‬Chemistry‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬إنها‭ ‬تمطر‭ ‬مواد‭ ‬ميكروبلاستيكية‭(‬بي‭ ‬إف‭ ‬أي‭ ‬إس‭) ‬في‭ ‬فلوريدا‮»‬‭ ‬والمنشور‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬أبحاث‭ ‬تلوث‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‮»‬‭ ‬ (Atmospheric Pollution Research) في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2024‭.‬

وخلاصة‭ ‬القول،‭ ‬واستناداً‭ ‬إلى‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬فإن‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬مباشرة‭ ‬للاستهلاك‭ ‬الآدمي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬للشرب،‭ ‬ففي‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬حمضياً،‭ ‬واليوم‭ ‬بلاستيكياً،‭ ‬ولا‭ ‬نعلم‭ ‬غداً‭ ‬ماذا‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار؟‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا