بالرغم من زياراتي المتعددة لروسيا الاتحادية والاتحاد السوفيتي السابق الذي درست فيه عدة سنوات في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وبالرغم من اعتقادي بأنني على اطلاع واسع بهذه الحضارة في بعدها الإنساني والثقافي والبيئي والاقتصادي، فإن زيارتي الأخيرة لموسكو بدعوة من وزارة الخارجية الروسية لحضور القمة العربية الروسية الأولى التي تأجلت كانت فرصة جديدة اطلعت خلالها على وجوه جديدة لم أكن أعرفها ولذلك تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها والاستفادة من هذه التجربة الروسية الحضارية والمتطورة والغنية بشكل لا يوصف: بالإضافة إلى ما تتمتع به روسيا الاتحادية من تقدم وازدهار وأمن وأمان وتنوع عجيب عرقي وثقافي وتعايش بين هذه الأعراق المختلفة ثقافيا ودينيا في انسجام جميل ويدعو إلى الأعجاب، وبالإضافة إلى ما تتمتع به روسيا الاتحادية من تنوع في البيئات ومن تنوع في الثراء الاقتصادي والتكامل والانسجام الكامل بين مكونات هذه الدولة المترامية الأطراف سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وبالرغم مما تتمتع به روسيا الاتحادية من ضخامة المساحة التي تبلغ أكثر من 17 مليون كيلومتر مربع ومع ذلك توجد سيطرة كاملة على هذه المساحة الكبيرة على جميع الأصعدة حتى كأن هذه الدولة ماكينة تعمل بكل قوة وتكامل لضمان الازدهار والتقدم للاتحاد الروسي واستقرار وقوة الدولة والشعب، وبالرغم من كل ذلك فإن تجربتي في الزيارة الأخيرة كشفت لي جوانب أخرى يمكن تسليط الضوء عليها من باب الاستفادة من التجارب الحضارية الأخرى والمتميزة والتي يمكن أن نأخذ منها ما قد يفيدنا ويعزز وحدتنا الوطنية وتكاملنا الثقافي والاجتماعي وتنوعنا ويمكن أن نتوقف هنا عند تجربتين أراهما مهمتين:
الأولى: تجربة جناح منجزات وإنجازات وإنتاجات الجمهوريات والمقاطعات والأقاليم الروسية في جناح رقم 19 والذي لم يسبق لي زيارته وكانت هذه الزيارة بالنسبة إلي فرصة جديدة للتعرف على مجموعة جديدة وواسعة من المعروضات الفنية والمنتجات والصناعات المرتبطة بالأقاليم والمقاطعات والجمهوريات التابعة للاتحاد الروسي منذ أيام الحقبة السوفيتية وهي تجربة رائدة فنية وثقافية وصناعية تستقطب بالإضافة إلى ما يتعلق بروسيا الاتحادية وتاريخها وثقافتها وصناعتها تستقطب إنجازات أخرى من الثقافات القومية للجمهوريات السوفيتية السابقة.
والحقيقة إن جناح منجزات الأقاليم ليس عنوانا لمتحف أو معرض وإنما هو اسم عدة مؤسسات ثقافية واقتصادية وصناعية تتبع مباشرة الدولة الروسية وتتحدث عن إبداعات في مختلف المجالات الصناعية والعلمية والإنتاجية والطاقة والذرة في تكامل وتناسق وفق استراتيجية وطنية روسية للنهوض بالصناعات الوطنية وجعلها منافسة قوية على المستوى العالمي فضلا عن شبك العلاقات بين مكونات الاتحاد الروسي كجمهوريات وأقاليم ومقاطعات ذات حكم ذاتي ومناطق صناعية واقتصادية وثقافية والأهم من ذلك إبراز ما يتمتع به كل إقليم من مميزات ومن إبداعات بحيث يطلع الزائر خلال جولته داخل هذا الفضاء على جميع مكونات هذا الإنجاز وكأنه على الطبيعة في زيارة لهذه المناطق حيث يطلع على هذه المنتجات بشكل مباشر.
ثانيا: ومن الأمور الأخرى التي شدتني واكتشفتها لأول مرة داخل هذا الجناح تجربة الاتحاد السوفيتي في البدء في إنتاج وبناء القنبلة الذرية حيث لم يكن الاتحاد السوفيتي حتى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي مهتما بهذا النوع من السلاح المدمر إلى حين ألقت الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين وأدى ذلك إلى حالة من الذعر والخوف دفع السلطة السوفيتية العليا إلى السير على طريق بناء هذه القوة النووية لحماية الاتحاد السوفيتي من الأعداء الذين كانوا يهددون الاتحاد السوفيتي وكيف كانت البداية لصناعات هذا النوع من القنابل والتكنولوجيا والمواد المستخدمة لإنتاجها وكيف وظفت القيادة السوفيتية عملاءها للحصول على هذه المواد وهذه التكنولوجيا وتحديدا من ألمانيا الغربية مما فتح الباب أمام سباق التسلح الذي استمر على امتداد الحرب الباردة حتى سقوط الاتحاد السوفيتي.
كل منجزات مكونات الاتحاد الروسي توجد في هذا الجناح تحت عنوان وفضاء روسي منسقة بشكل عجيب مما يجعل الجولة داخل هذا الجناح فرصة لا تفوت بالنسبة إلى الزائر لموسكو تحديدا للاطلاع على آخر ما وصلت إليه التقنيات الروسية في مختلف جوانب الإنتاج وفي الصناعة والاقتصاد والثقافة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك