العدد : ١٧٤١٠ - السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١٠ - السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

العربية . . سبيلنا إلى فهم القرآن!

بقلم: عبدالرحمن البنفلاح

الجمعة ٢١ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

ليس‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬تتسع‭ ‬المفردة‭ ‬القرآنية‭ ‬إلى‭ ‬معاني‭ ‬كثيرة،‭ ‬وأن‭ ‬قدرة‭ ‬المفردات‭ ‬الإسلامية‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬أرحامها‭ ‬ذلك‭ ‬الثراء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تضيق‭ ‬به‭ ‬الألفاظ‭ ‬أو‭ ‬المفردات،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أدلة‭ ‬قدرة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لتكون‭ ‬الوعاء‭ ‬المبارك‭ ‬الذي‭ ‬يجسد‭ ‬هذه‭ ‬المعاني،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬ولو‭ ‬جعلناه‭ ‬قرآنًا‭ ‬أعجميا‭ ‬لقالوا‭ ‬لولا‭ ‬فصلت‭ ‬آياته‭ ‬أأعجمي‭ ‬وعربي‭ ‬قل‭ ‬هو‭ ‬للذين‭ ‬آمنوا‭ ‬هدى‭ ‬وشفاء‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬في‭ ‬آذانهم‭ ‬وقر‭ ‬وهو‭ ‬عليهم‭ ‬عمى‭ ‬أولئك‭ ‬ينادون‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‮»‬‭ ‬فصلت‭ / ‬44‭.‬

وقال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إنّا‭ ‬أنزلناه‭ ‬قرآنًا‭ ‬عربيًا‭ ‬لعلكم‭ ‬تعقلون‮»‬‭ ‬يوسف‭ / ‬2‭.‬

والاعتماد‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والتعويل‭ ‬عليه‭ ‬لإدراك‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬نزوله‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬أشرف‭ ‬اللغات‭ ‬وأكثرها‭ ‬ثراءً‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بمتطلبات‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬معجزة‭ ‬تحدى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬أمة‭ ‬البيان،‭ ‬وأصحابها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تميزهم‭ ‬وتفردهم‭ ‬فيما‭ ‬تفوقوا‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى‭ ‬الذين‭ ‬عجزوا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬ولو‭ ‬حتى‭ ‬بسورة‭ ‬واحدة‭ ‬مفتراة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قل‭ ‬لئن‭ ‬اجتمعت‭ ‬الإنس‭ ‬والجن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬بمثله‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬لبعض‭ ‬ظهيرا‮»‬‭ ‬الإسراء‭ / ‬88‭.‬

لقد‭ ‬عجز‭ ‬العلماء‭ ‬والعظماء،‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬اللغة‭ ‬والبيان،‭ ‬الذين‭ ‬نزل‭ ‬القرآن‭ ‬بلغتهم‭ ‬وفهموا‭ ‬شاردها‭ ‬وواردها،‭ ‬وتحداهم‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬التحدي‭ ‬قائمًا‭ ‬وغالبًا‭ ‬وهم‭ ‬حياله‭ ‬وبإزائه‭ ‬عاجزون،‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬شلَّ‭ ‬حركتهم،‭ ‬وغيب‭ ‬وعيهم،‭ ‬ورُغم‭ ‬تقدم‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬دراسة‭ ‬اللغات‭ ‬والإبحار‭ ‬في‭ ‬بحارها‭ ‬ومحيطاتها،‭ ‬ورُغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬بعلمهم‭ ‬هذا،‭ ‬وبإدراكهم‭ ‬ما‭ ‬بلغته‭ ‬الأمم‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬لغاتها‭ ‬ومن‭ ‬تأثر‭ ‬هذه‭ ‬اللغات‭ ‬وتميزهم‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬حين‭ ‬يحاولون‭ ‬ذلك،‭ ‬ويبذلون‭ ‬جهدهم‭ ‬ويبالغون‭ ‬في‭ ‬سعيهم‭ ‬وفي‭ ‬مواجهتهم‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نقرأه‭ ‬ونتلوه‭ ‬صباح‭ ‬مساء‭.‬

ونعود‭ ‬إلى‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬اختيار‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬لكتاب‭ ‬ليكون‭ ‬المعجزة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الباقية،‭ ‬والمستمرة‭ ‬بين‭ ‬معجزات‭ ‬الأنبياء‭ ‬لنقول‭: ‬إن‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬وهو‭ ‬اختيار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعجزة‭ ‬لكتاب‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬اشتهر‭ ‬عنها‭ ‬البلاغة،‭ ‬وسحر‭ ‬البيان‭ ‬في‭ ‬أشعارها‭ ‬وخطبها‭ ‬ثم‭ ‬تقف‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬عاجزة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬الإتيان‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المعجزة،‭ ‬بل‭ ‬عاجزة‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بسورة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬مثله،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬اشتهروا‭ ‬بأسواقهم‭ ‬الشعرية‭ ‬كسوق‭ ‬عكاظ‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتنافسون‭ ‬فيها،‭ ‬ويختارون‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬القصيدة‭ ‬الفائزة‭ ‬ليعلقوها‭ ‬على‭ ‬أستار‭ ‬الكعبة‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬عظمة‭ ‬هذه‭ ‬القصائد،‭ ‬واحتفائهم‭ ‬بفوز‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ثم‭ ‬يتأهل‭ ‬ويستعد‭ ‬بقية‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يفوزوا‭ ‬بنظم‭ ‬قصائد‭ ‬جديدة‭ ‬لعام‭ ‬قابل‭ ‬يشتركون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬جديدة‭ ‬طمعًا‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬والتفوق‭ ‬بين‭ ‬شعرائهم‭. ‬أما‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬فن‭ ‬إلقاء‭ ‬الشعر‭ ‬فإنهم‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تكليف‭ ‬من‭ ‬يحسن‭ ‬فن‭ ‬الإلقاء‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬حتى‭ ‬يجمعوا‭ ‬إلى‭ ‬جودة‭ ‬القصيدة‭ ‬جودة‭ ‬الإلقاء‭ ‬ليكون‭ ‬حظهم‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬أكبر‭ ‬وأكثر‭. ‬وفي‭ ‬العصر‭ ‬الحاضر‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء‭: ‬أمير‭ ‬الشعراء‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي،‭ ‬وشاعر‭ ‬النيل‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم،‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬قد‭ ‬صار‭ ‬أميرًا‭ ‬للشعراء،‭ ‬فإن‭ ‬حافظ‭ ‬إبراهيم‭ ‬قد‭ ‬تفوق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬إلقاء‭ ‬الشعر،‭ ‬ولهذا‭ ‬فحين‭ ‬ينظم‭ ‬شوقي‭ ‬قصيدة‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬حافظ‭ ‬إلقاءها،‭ ‬فيجمع‭ ‬شوقي‭ ‬الحسنيين‭: ‬جودة‭ ‬النظم‭ ‬وجودة‭ ‬الإلقاء‭.‬

وبعد،‭ ‬فنقول‭: ‬إن‭ ‬اختيار‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬معجزة‭ ‬نبيه‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬كتابًا‭ ‬تعزز‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والحكم‭ ‬بصلاحيته‭ ‬كمعجزة‭ ‬دائمة،‭ ‬وباقية‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬عصرها،‭ ‬ولا‭ ‬يضعف‭ ‬أثرها،‭ ‬وتظل‭ ‬مهما‭ ‬تعاقبت‭ ‬عليها‭ ‬العصور‭ ‬والدهور‭ ‬معجزة‭ ‬متجددة،‭ ‬دائمة‭ ‬يتحدى‭ ‬بها‭ ‬النبي‭ ‬الأمي‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬رُغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يخط‭ ‬فيها‭ ‬حرفًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬ولم‭ ‬ينطق‭ ‬منها‭ ‬بكلمة‭ ‬واحدة‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬أمة‭ ‬تقيم‭ ‬للكلمة‭ ‬أسواقًا،‭ ‬وللشعر‭ ‬مهرجانًا،‭ ‬ويتبارى‭ ‬فيها‭ ‬الشعراء،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يعلقون‭ ‬القصيدة‭ ‬الفائزة‭ ‬على‭ ‬أستار‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة،‭ ‬وهي‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬المعظم،‭ ‬فيشتهروا‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬شهرتهم‭ ‬بين‭ ‬شعراء‭ ‬الأمم،‭ ‬وتخلد‭ ‬بين‭ ‬القصيد‭ ‬قصائدهم،‭ ‬ويلقبوا‭ ‬بـ‭(‬شعراء‭ ‬المعلقات‭).‬

وبعد،‭ ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.. ‬الكتاب‭ ‬المبارك‭ ‬الذي‭ ‬يحتفي‭ ‬به‭ ‬المسلمون‭ ‬بعددهم‭ ‬الملياري،‭ ‬وهذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬ليس‭ ‬مقصورًا‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬وحدهم،‭ ‬بل‭ ‬يهتم‭ ‬به‭ ‬غير‭ ‬المسلمون‭ ‬ومن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أعظم‭ ‬تجلياتها،‭ ‬وعن‭ ‬البيان‭ ‬وسحره،‭ ‬وعن‭ ‬الإعجاز‭ ‬في‭ ‬ألفاظه‭ ‬ومعانيه،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬وسائله‭ ‬وغاياته‭.‬

إنه‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬معجزة‭ ‬الإسلام‭ ‬الباقية،‭ ‬ومنهاجه‭ ‬القويم‭.. ‬إنه‭ ‬القرآن‭ ‬وكفى‭!!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا