تمضي مملكة البحرين بثقة نحو مرحلة مالية أكثر قوة واستدامة، في وقت تتجه فيه الاقتصادات العالمية إلى تعزيز متانة أوضاعها لمواجهة المتغيرات المستقبلية. ويبرز خفض الدين العام كأحد أهم المسارات الاستراتيجية التي يمكن أن تسهم في ترسيخ الاستقرار المالي وتوسيع آفاق النمو، ليس من زاوية الانضباط فحسب، بل من منظور القدرة على تعظيم فرص التنمية ورفع كفاءة الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد.
إن تعزيز الاستدامة المالية يمثل خطوة طبيعية في مسار التطور الاقتصادي الذي تشهده المملكة، خصوصًا مع النجاحات المتتالية في تنويع مصادر الدخل وتطوير القطاعات الإنتاجية. ومع توسع دور القطاعات غير النفطية وارتفاع مستويات الثقة في بيئة الأعمال، يصبح الاتجاه نحو ضبط مستويات الدين العام وسيلة لتعزيز جاذبية الاقتصاد ورفع قدرته على تمويل أولوياته دون أعباء إضافية. هذا النهج يمنح البحرين مساحة مالية أوسع للاستثمار في القطاعات الواعدة، ويعزز قدرتها على الاستجابة لأي متغيرات عالمية بثبات ومرونة.
وتساعد الإدارة المتوازنة للدين العام في دعم قوة التصنيف الائتماني للمملكة، وهو عنصر ينعكس تلقائيًا على تكلفة التمويل والسيولة المتاحة للاقتصاد. فكلما تحسنت المؤشرات المالية، ازداد الاستثمار المباشر والثقة المؤسسية، وتعززت قدرة البحرين على اجتذاب رؤوس الأموال الخارجية التي تبحث عن بيئة مستقرة وذات رؤية واضحة. ولا شك أن مملكة البحرين تمتلك اليوم من المقومات -تشريعية واقتصادية ومؤسساتية- ما يجعلها قادرة على الاستفادة من هذه الفرص، خاصة مع وضوح الأطر المالية ورؤية الدولة تجاه المستقبل.
كما يشكّل رفع كفاءة الإنفاق الحكومي محورًا أساسيًا في بناء منظومة مالية مستدامة، إذ يتيح توجيه الموارد نحو المشاريع ذات العائد العالي، ويؤكد التزام المملكة بتحقيق أفضل استخدام ممكن للمال العام. ويسهم الاستثمار في البنية التحتية، والتعليم، والتقنيات الجديدة، والصناعات الإبداعية، في تكوين قاعدة إنتاجية أكثر تنوعًا، وبالتالي توفير إيرادات مستقبلية تدعم مسار خفض الدين وتعزز متانة المالية العامة.
وفي الوقت نفسه، يمثل تطوير مصادر الإيرادات غير النفطية رافعة محورية لتحقيق التوازن المالي. فالأساس ليس زيادة الرسوم أو الأعباء، بل توسيع النشاط الاقتصادي وتنشيط دورة الأعمال بما يرفع الإيرادات بصورة طبيعية ومستدامة. وهذا ما يتجلى اليوم في التقدم المستمر في قطاعات الخدمات المالية، السياحة، الاقتصاد الرقمي، والصناعات التحويلية، وهي قطاعات قادرة على توليد قيمة مضافة ودعم متواصل للميزانية العامة.
بهذا النهج المتزن، ترسخ البحرين مكانتها كدولة تقدم نموذجًا رائدًا في الاستدامة المالية والتخطيط الاستراتيجي، وتضع أسسًا قوية لاقتصاد أكثر قوة وازدهارًا للأجيال القادمة.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك