العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

التراث البحريني روح ديسمبر

بقلم د. هنادي الجودر

الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

ما‭ ‬زلنا‭ ‬ننعم‭ ‬في‭ ‬ثمالة‭ ‬أفراح‭ ‬الوطن‭ ‬التي‭ ‬هبّت‭ ‬نسائمها‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يُوشك‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬فيما‭ ‬نحن‭ ‬ممسكون‭ ‬ومتمسّكون‭ ‬بالفرح‭ ‬الذي‭ ‬لازمه‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أكثرنا‭ ‬يأمل‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭.‬

إضاءات‭ ‬كثيرة‭ ‬للفرح‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬مروراً‭ ‬بالقرية‭ ‬التراثية‭ ‬والفعاليات‭ ‬المتناثرة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬بين‭ ‬احتفالات‭ ‬وأمسيات‭ ‬شعرية‭ ‬وألعاب‭ ‬نارية‭ ‬ومهرجانات‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬هوى‭ ‬المنامة،‭ ‬نجحت‭ ‬البحرين‭ ‬بمؤسساتها‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والجهود‭ ‬الفردية‭ ‬لأهل‭ ‬البحرين‭ ‬الأوفياء،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬الوطنية‭ ‬التراثية‭ ‬والثقافية‭ ‬والترويحية‭ ‬في‭ ‬إسعاد‭ ‬المقيمين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬البحرين‭ ‬وفي‭ ‬لفت‭ ‬أنظار‭ ‬مواطني‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬وجميع‭ ‬أطياف‭ ‬الأجانب‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬عرّفتهم‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬وموروثهم‭ ‬الشعبي‭ ‬بتفاصيله‭ ‬المُبهرة‭ ‬والمدهشة‭.‬

والجميل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أفراح‭ ‬الوطن‭ ‬قد‭ ‬ارتبطت‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بثقافته‭ ‬وهويته‭ ‬الوطنية‭ ‬تعزيزا‭ ‬لحق‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تلك‭ ‬الركيزة‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لسيدي‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم،‭ ‬وهي‭ ( ‬الحقوق‭ ‬الثقافية‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬مجالاً‭ ‬معقداً‭ ‬ومتّسعاً‭ ‬جداً‭ ‬نظراً‭ ‬لتعدد‭ ‬مفاهيم‭ ‬الثقافة‭ ‬وشموليتها،‭ ‬فالثقافة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تعني‭ ‬الإلمام‭ ‬بالفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬والعلوم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬كما‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬صعيد‭ ‬مرتبط‭ ‬بحياة‭ ‬الإنسان‭ ‬وسلوكه‭ ‬وممارساته‭ ‬اليومية‭ ‬ومكان‭ ‬سكنه‭ ‬وطعامه‭ ‬وآلية‭ ‬تفكيره‭ ‬ولغته‭ ‬وأسلوب‭ ‬كلامه‭ ‬وأفعاله‭ ‬ومهاراته‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفكري‭ ‬والعلمي‭ ‬والعملي‭ ‬والمادي،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التعلّم‭ ‬ومواكبة‭ ‬مستجدات‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬وتطور‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وعلى‭ ‬التأقلم‭ ‬ونقل‭ ‬وتوريث‭ ‬المعرفة‭ ‬للأجيال‭ ‬اللاحقة،‭ ‬بجانب‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬المعتقدات‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬تميّز‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تمازجها‭ ‬مع‭ ‬الخصائص‭ ‬المادية‭ ‬للجماعات‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وهنا‭ ‬سأتطرق‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الثقافي‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُشكل‭ ‬روح‭ ‬احتفالات‭ ‬الوطن‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬وهو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬يُعدّ‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية‭ ‬مادية‭ ‬ولا‭ ‬مادية،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬زخرت‭ ‬به‭ ‬مواقع‭ ‬الاحتفال‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬لدور‭ ‬الدّور‭ ‬الشعبية‭ ‬الرجالية‭ ‬والنسائية‭ ‬وتفعيلها‭  ‬لتقديم‭ ‬مختلف‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬العريقة‭ ‬من‭ ‬أغنيات‭ ‬ورقصات‭ ‬شعبية،‭ ‬بصورة‭ ‬أفرزت‭ ‬فرقا‭ ‬حديثة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬لأمنية‭ ‬شعبية‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدّور‭ ‬الذي‭ ‬خفت‭ ‬ضوء‭ ‬صوت‭ ‬بعضها‭ ‬وغاب‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬الشعبية،‭ ‬فشكراً‭ ‬لفرقة‭ ‬دار‭ ‬بن‭ ‬حربان،‭ ‬دار‭ ‬المحرق،‭ ‬دار‭ ‬قلالي،‭ ‬دار‭ ‬الرفاع‭ ‬العودة،‭ ‬دار‭ ‬الرفاع‭ ‬الصغيرة،‭ ‬دار‭ ‬بنات‭ ‬البديع‭ ‬وفرقة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬فارس‭ ‬لفن‭ ‬الصوت‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الفرق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحضرني‭ ‬أسماؤهم‭ ‬اللحظة‭.‬

وأيضاً‭ ‬كان‭ ‬حضور‭ ‬ثقافة‭ ‬الطعام‭ ‬البحريني‭ ‬التقليدي‭ ‬لافتا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوع‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬البحرينية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الممتد‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬حالة‭ ‬بوماهر،‭ ‬حيث‭ ‬افترشت‭ ‬النساء‭ ‬عتبات‭ ‬أبواب‭ ‬بيوتهن‭ ‬وبادرن‭ ‬بتقديم‭ ‬الأكلات‭ ‬الشعبية‭ ‬للزوار‭ ‬مجاناُ‭ ‬مثل‭ ( ‬الكباب،‭ ‬السمبوسة،‭ ‬النخي،‭ ‬اللقيمات،‭ ‬الخنفروش،‭ ‬البثيثة،‭ ‬العصيدة،‭ ‬الساقو،‭ ‬والمخبوزات‭ ‬المنوعة،‭ ‬والشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬وغيرها‭) ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬قام‭ ‬الرجال‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة،‭ ‬وفي‭ ‬موقع‭ ‬آخر‭ ‬قامت‭ ‬بعض‭ ‬المجالس‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬بدور‭ ‬مشابه‭ ‬مثل‭ ‬مجلس‭ ‬براحة‭ ‬فخرو‭ ‬الذي‭ ‬سجّل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬الحضور‭ ‬الأكثر‭ ‬إضاءة‭ ‬وكرماً‭ ‬لسببين‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬فكرة‭ ‬اسم‭( ‬البراحة‭) ‬وارتباطها‭ ‬الوثيق‭ ‬بذكريات‭ ‬أهل‭ ‬المحرق‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تُعدّ‭ ‬المجلس‭ ‬الحُرّ‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬الشباب‭ ‬والشيّاب‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬حرص‭ ‬الوجيه‭ ‬عبدالحميد‭ ‬فخرو‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬ليلياً‭ ‬مع‭ ‬نخبة‭ ‬شباب‭ ‬المحرق‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬إدارته‭ ‬مثل‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬الحادي‭ ‬وعبدالرحمن‭ ‬الغريب‭ ‬وحمود‭ ‬ابن‭ ‬دير‭ ‬الزور‭ ‬المحرّقي‭ ‬الهوى‭ ‬وغيرهم‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬تحضرني‭ ‬أسماؤهم،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬البراحة‭ ‬قِبلةً‭ ‬ومحطة‭ ‬استراحة‭ ‬مهمة‭ ‬لجميع‭ ‬زوار‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬بجانب‭ ‬مجلس‭ ‬شويطر‭ ‬ومجلس‭ ‬سيادي،‭ ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬الكرم‭ ‬المحرّقي‭ ‬كان‭ ‬مصحوباً‭ ‬بابتسامة‭ ‬ترحيبية‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬وترحيب‭ ‬بلهجة‭ ‬بحرينية‭ ‬محرقية‭ ‬مُعبّرة‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬تختلج‭ ‬به‭ ‬القلوب‭ ‬من‭ ‬حبّ‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬وسعيّ‭ ‬لتشريفه‭ ‬وشغف‭ ‬لإكرام‭ ‬الضيف‭ ‬حُباّ‭ ‬في‭ ‬الله‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬منح‭ ‬مساحة‭ ‬للمشاريع‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬قاعدة‭ ‬لها‭ ‬تمازجها‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬المعاصر،‭ ‬لتنتج‭ ‬أكلات‭ ‬شعبية‭ ‬بطابع‭ ‬عصري‭ ‬أو‭ ‬منتجات‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬زينة‭ ‬الملابس‭ ‬الشعبية‭ ‬التراثية‭ ‬مثل‭ ‬النقدة‭ ‬والكورار‭ ‬وأيضا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬ومصادره‭ ‬كأدوات‭ ‬أولية‭ ‬لنتاجها،‭ ‬فكانت‭ ‬احتفالات‭ ‬الوطن‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬للتسويق‭ ‬لمنتجاتهم‭ ‬بما‭ ‬يتواءم‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الاحتفالات،‭ ‬وربما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬يؤخذ‭ ‬عليها‭ ‬شيء‭ ‬فهو‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬بعض‭ ‬الأكلات‭ ‬أو‭ ‬البضائع‭ ‬دون‭ ‬مبرر‭ ‬يستحق،‭ ‬كانت‭ ‬ستكون‭ ‬أجمل‭ ‬وأكثر‭ ‬مبيعاً‭ ‬لو‭ ‬أعاد‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬أسعار‭ ‬بضاعتهم‭ ‬وبالأخص‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬حتى‭ ‬نسمح‭ ‬للفرح‭ ‬أن‭ ‬يلامس‭ ‬قلوب‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬أطفال‭ ‬كُثر‭ ‬وقدرة‭ ‬شرائية‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬لهم‭ ‬جميعاً‭.‬

كل‭ ‬عام‭ ‬ومملكة‭ ‬البحرين‭ ‬واحة‭ ‬فرح‭ ‬وأمن‭ ‬وأمان‭ ‬ووئام‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬ولا‭ ‬يزول‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬عاهلها‭ ‬المعظّم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا