القراء الأعزاء،
ما زلنا ننعم في ثمالة أفراح الوطن التي هبّت نسائمها مع قدوم شهر ديسمبر، وها هو يُوشك على الرحيل فيما نحن ممسكون ومتمسّكون بالفرح الذي لازمه بل إن أكثرنا يأمل أن يمتد إلى شهر يناير.
إضاءات كثيرة للفرح بدءاً من ليالي المحرق مروراً بالقرية التراثية والفعاليات المتناثرة هنا وهناك بين احتفالات وأمسيات شعرية وألعاب نارية ومهرجانات وصولاً إلى هوى المنامة، نجحت البحرين بمؤسساتها العامة والخاصة ومنظمات المجتمع المدني والجهود الفردية لأهل البحرين الأوفياء، من خلال هذه الفعاليات الوطنية التراثية والثقافية والترويحية في إسعاد المقيمين على أرض البحرين وفي لفت أنظار مواطني الدول المجاورة وجميع أطياف الأجانب المقيمين في البحرين، حيث عرّفتهم على ثقافة أهل البحرين وموروثهم الشعبي بتفاصيله المُبهرة والمدهشة.
والجميل في ذلك كله هو أن أفراح الوطن قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بثقافته وهويته الوطنية تعزيزا لحق مهم من حقوق الإنسان تلك الركيزة المهمة من ركائز المشروع الإصلاحي لسيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، وهي ( الحقوق الثقافية)، وهي الحقوق التي تشغل مجالاً معقداً ومتّسعاً جداً نظراً لتعدد مفاهيم الثقافة وشموليتها، فالثقافة من جانب تعني الإلمام بالفنون والإنسانيات والعلوم والتكنولوجيا، كما تشمل كل جديد على كل صعيد مرتبط بحياة الإنسان وسلوكه وممارساته اليومية ومكان سكنه وطعامه وآلية تفكيره ولغته وأسلوب كلامه وأفعاله ومهاراته وقدرته على الإنتاج الفكري والعلمي والعملي والمادي، وقدرته على التعلّم ومواكبة مستجدات التعليم من تكنولوجيا وتطور للذكاء الاصطناعي وعلى التأقلم ونقل وتوريث المعرفة للأجيال اللاحقة، بجانب منظومة من المعتقدات والعادات والتقاليد التي تميّز كل مجتمع عن الآخر من خلال تمازجها مع الخصائص المادية للجماعات العرقية أو الدينية أو الاجتماعية.
وهنا سأتطرق إلى الجانب الثقافي المهم الذي كان يُشكل روح احتفالات الوطن لهذا العام وهو بلا شك يُعدّ ثروة وطنية مادية ولا مادية، منها ما زخرت به مواقع الاحتفال من تعزيز لدور الدّور الشعبية الرجالية والنسائية وتفعيلها لتقديم مختلف الفنون الشعبية العريقة من أغنيات ورقصات شعبية، بصورة أفرزت فرقا حديثة من شباب في مقتبل العمر في تحقيق لأمنية شعبية في الحفاظ على هذه الدّور الذي خفت ضوء صوت بعضها وغاب عن الساحة الشعبية، فشكراً لفرقة دار بن حربان، دار المحرق، دار قلالي، دار الرفاع العودة، دار الرفاع الصغيرة، دار بنات البديع وفرقة محمد بن فارس لفن الصوت وغيرهم من الفرق التي لا تحضرني أسماؤهم اللحظة.
وأيضاً كان حضور ثقافة الطعام البحريني التقليدي لافتا من خلال تطوع بعض الأسر البحرينية ولا سيما في الجزء الممتد على مسار اللؤلؤ في منطقة حالة بوماهر، حيث افترشت النساء عتبات أبواب بيوتهن وبادرن بتقديم الأكلات الشعبية للزوار مجاناُ مثل ( الكباب، السمبوسة، النخي، اللقيمات، الخنفروش، البثيثة، العصيدة، الساقو، والمخبوزات المنوعة، والشاي والقهوة وغيرها) وفي مواقع أخرى من الحالة قام الرجال بهذه المهمة، وفي موقع آخر قامت بعض المجالس العريقة في المحرق بدور مشابه مثل مجلس براحة فخرو الذي سجّل هذا العام الحضور الأكثر إضاءة وكرماً لسببين من وجهة نظري، الأول هو فكرة اسم( البراحة) وارتباطها الوثيق بذكريات أهل المحرق حيث كانت تُعدّ المجلس الحُرّ في المناطق الذي يجمع الشباب والشيّاب والثاني هو حرص الوجيه عبدالحميد فخرو على الوجود ليلياً مع نخبة شباب المحرق القائمين على إدارته مثل الأستاذ أحمد الحادي وعبدالرحمن الغريب وحمود ابن دير الزور المحرّقي الهوى وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم، بحيث أصبحت البراحة قِبلةً ومحطة استراحة مهمة لجميع زوار ليالي المحرق بجانب مجلس شويطر ومجلس سيادي، كلّ هذا الكرم المحرّقي كان مصحوباً بابتسامة ترحيبية من القلب وترحيب بلهجة بحرينية محرقية مُعبّرة بصدق عن ما تختلج به القلوب من حبّ لهذا الوطن وسعيّ لتشريفه وشغف لإكرام الضيف حُباّ في الله.
كل ذلك كان مع منح مساحة للمشاريع التجارية التي تتخذ من الموروث الشعبي قاعدة لها تمازجها مع التطور المعاصر، لتنتج أكلات شعبية بطابع عصري أو منتجات تقوم على ثقافة زينة الملابس الشعبية التراثية مثل النقدة والكورار وأيضا تلك التي تستخدم اللؤلؤ ومصادره كأدوات أولية لنتاجها، فكانت احتفالات الوطن فرصة ثمينة للتسويق لمنتجاتهم بما يتواءم مع طبيعة الاحتفالات، وربما إن كان يؤخذ عليها شيء فهو ارتفاع أسعار بعض الأكلات أو البضائع دون مبرر يستحق، كانت ستكون أجمل وأكثر مبيعاً لو أعاد أصحاب هذه المشاريع النظر في قيمة أسعار بضاعتهم وبالأخص المواد الغذائية، حتى نسمح للفرح أن يلامس قلوب من كان لديه أطفال كُثر وقدرة شرائية غير كافية لهم جميعاً.
كل عام ومملكة البحرين واحة فرح وأمن وأمان ووئام لا ينتهي ولا يزول في ظلّ عاهلها المعظّم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك