شهد سباق أشباه الموصلات في السنوات الأخيرة تحولًا نوعيًا، حيث لم يعد محصورًا في التنافس الصناعي أو الابتكار التجاري، بل أصبح مرتبطًا ببناء القدرة التقنية طويلة الأمد، ولا سيما في الصين التي تنظر إلى الرقائق والذكاء الاصطناعي بوصفهما ركائز أساسية لبناء منظومة تقنية مكتفية ذاتيًا وقادرة على المنافسة عالميًا.
استثمارات ضخمة وبنية تمويل موجهة
يعكس حجم الاستثمارات الصينية هذا التوجه بوضوح. فبحلول عام 2025، يُتوقع أن يتراوح الإنفاق على الذكاء الاصطناعي بين 84 و98 مليار دولار، ما يضعه ضمن أعلى مستويات الإنفاق عالميًا. ويتكامل ذلك مع إطلاق المرحلة الثالثة من «الصندوق الكبير» الوطني، بتمويل يناهز 47.5 مليار دولار، والمخصص لمعالجة نقاط الاختناق التقنية، وعلى رأسها التصنيع المتقدم والطباعة الضوئية، وهما أساس أي تطور حقيقي في صناعة الرقائق.
مسار تاريخي وتسارع تقني
رغم أن الزخم الحالي يبدو مكثفًا، فإن صناعة أشباه الموصلات في الصين تمتلك جذورًا تاريخية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي مع إنتاج أول ترانزستور محلي، ثم أول دائرة متكاملة في الستينيات، قبل دخول مجال الطباعة الضوئية لاحقًا. غير أن التطور ظل تدريجيًا إلى أن شهد تسارعًا خلال العقد الأخير، مع التركيز على بناء منظومة أكثر اعتمادًا على القدرات المحلية.
التقدم التصنيعي وحدود الطباعة
تقنيًا، نجحت الصين في الوصول إلى تصنيع عقدة 7 نانومتر، وبدأت العمل على عقدة 5 نانومتر باستخدام تقنيات الطباعة المتعددة الأنماط المعتمدة على DUV، كحل مرحلي في ظل غيابEUV . ورغم أن هذه المقاربة أقل كفاءة من الناحية الصناعية، فإنها تعكس قدرة على التكيّف والاستمرار ضمن قيود تقنية صارمة.
الشركات الكبرى والمنافسة مع NVIDIA
في إطار منافسة مباشرة مع NVIDIA وهيمنتها على معالجات الذكاء الاصطناعي، برزت شركات التكنولوجيا الصينية كلاعبين أساسيين في هذا المشهد. تبنّت Huawei نموذج التكامل الرأسي، ما مكّن معالج Ascend C910 من تحقيق أداء تنافسي عند دمجه مع تحسينات برمجية متقدمة. في المقابل، اتجهت Alibaba إلى بنية RISC-V المفتوحة المصدر، بينما ركزت Baidu على حلول متكاملة عبر معالج Kunlun المصمم لمهام الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق. كما ظهرت شركات مثل MetaX التي تطور مسرّعات ذكاء اصطناعي محلية، في محاولة لتقليص الفجوة في تطبيقات التدريب واسعة النطاق.
ASML ونقطة الاختناق العالمية
تبقى الطباعة الضوئية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى EUV أكبر تحدٍ تقني، وهي مجال تحتكره شركة ASML الهولندية. وفي هذا الإطار، شكّل إعلان نموذج EUV أولي في شينزن قادر على توليد ضوء بطول موجي 13.5 نانومتر خطوة مهمة، رغم أن الطريق لا يزال طويلًا للوصول إلى أنظمة إنتاج تجارية كاملة.
آفاق ما بعد السيليكون
بالتوازي مع ذلك، يتزايد الاهتمام بالحوسبة الضوئية وتطوير بدائل تتجاوز السيليكون التقليدي، حيث أظهرت أبحاث صينية إمكانية تحقيق كفاءة طاقة أعلى في مهام ذكاء اصطناعي محددة باستخدام الفوتونيات.
خلاصة
في المحصلة، يعكس هذا المسار سعيًا منهجيًا لبناء قدرة تقنية متكاملة عبر تنويع الحلول، وتطوير التقنيات محليًا، واستكشاف آفاق جديدة للحوسبة. ومع أن النتائج النهائية ستتبلور على مدى سنوات، فإن المؤشرات الحالية توحي بأن صناعة أشباه الموصلات العالمية خلال العقد المقبل ستتسم بتعدد أكبر في اللاعبين ومسارات الابتكار.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك