العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

تكنو- رأي:
مشاعر مزيفة

علي عبدالخالق

الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬يعد‭ ‬السؤال‭ ‬اليوم‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬الفيديو‭ ‬حقيقي‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬كم‭ ‬مشاهدة‭ ‬حقق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نكتشف‭ ‬أنه‭ ‬مولد‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي؟

في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬الريلزات‭ ‬وتويتر‭ (‬X‭) ‬،‭ ‬نشهد‭ ‬موجة‭ ‬متسارعة‭ ‬من‭ ‬الفيديوهات‭ ‬المصنوعة‭ ‬بالكامل‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬تُنشر‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مشاهد‭ ‬واقعية‭: ‬حوادث،‭ ‬لحظات‭ ‬خطر،‭ ‬إصابات،‭ ‬بل‭ ‬أحيانًا‭ ‬مآسٍ‭ ‬إنسانية‭ ‬كاملة‭. ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬يدركون‭ ‬في‭ ‬التعليقات‭ ‬أن‭ ‬المقطع‭ ‬‮«‬AI‮»‬،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬صانع‭ ‬المحتوى‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬هدفه‭ ‬بالفعل‭: ‬مشاهدات،‭ ‬تفاعل،‭ ‬وانتشار‭.‬

لكن‭ ‬القصة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬جمهور‭ ‬المنصات‭ ‬فقط‭.. ‬هذه‭ ‬المقاطع‭ ‬تجاوزت‭ ‬فضاء‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬مجموعات‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬واتساب‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬بدافع‭ ‬الحرص‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬أو‭ ‬التعاطف،‭ ‬يعيدون‭ ‬إرسالها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مشاهد‭ ‬حقيقية،‭ ‬لتبدأ‭ ‬بعدها‭ ‬مهمة‭ ‬شاقة‭: ‬محاولة‭ ‬إقناعهم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬شاهدوه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أصلًا،‭ ‬وأنه‭ ‬نتاج‭ ‬خوارزمية‭ ‬لا‭ ‬كاميرا،‭ ‬وهنا‭ ‬يصبح‭ ‬الوعي‭ ‬الرقمي‭ ‬معركة‭ ‬يومية‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬نفسه‭.‬

وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬المشكلة‭ ‬الحقيقية‭.. ‬إن‭ ‬الوعي‭ ‬لا‭ ‬يوقف‭ ‬الضرر،‭ ‬فالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬ليس‭ ‬المشكلة‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬أصبح‭ ‬أداة‭ ‬مساعدة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الإعلام،‭ ‬والإعلان،‭ ‬والفواصل‭ ‬البصرية،‭ ‬وصناعة‭ ‬المشاهد‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬أو‭ ‬يستحيل‭ ‬تصويرها،‭ ‬اليوم‭ ‬نراه‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وفي‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الحملات‭ ‬التوعوية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬قلقًا‭ ‬يُذكر‭ ‬لأنه‭ ‬يستخدم‭ ‬بوضوح‭ ‬وبمسؤولية‭.‬

لكن‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬يُكسر‭ ‬حين‭ ‬يُستخدم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لتزييف‭ ‬الواقع‭ ‬العاطفي،‭ ‬لا‭ ‬البصري‭ ‬فقط،‭ ‬حين‭ ‬تخلق‭ ‬مشاهد‭ ‬صادمة‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها،‭ ‬وتُعرض‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حقيقية‭ ‬لاستدرار‭ ‬التعاطف،‭ ‬أو‭ ‬الغضب،‭ ‬أو‭ ‬الفضول‭. ‬هنا‭ ‬يتحول‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬أداة‭ ‬إبداع‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬تضليل‭.‬

الأخطر‭ ‬أن‭ ‬الخوارزميات‭ ‬لا‭ ‬تميّز‭.. ‬هي‭ ‬تكافئ‭ ‬ما‭ ‬يُثير‭ ‬التفاعل،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صحيح،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الفيديو‭ ‬حقيقيًا‭ ‬أو‭ ‬مُختلقًا،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬قد‭ ‬حرّك‭ ‬المشاعر،‭ ‬فإنه‭ ‬يُدفَع‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الانتشار،‭ ‬وهكذا،‭ ‬يصبح‭ ‬التضليل‭ ‬‮«‬مربحًا‮»‬،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مكشوفًا‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬مسؤولية‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬نفسها‭..‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬كافيًا‭ ‬ترك‭ ‬الأمر‭ ‬لذكاء‭ ‬المستخدم‭ ‬أو‭ ‬وعيه،‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬تدخل‭ ‬تقني‭ ‬واضح‭: ‬علامة‭ ‬صريحة‭ ‬ومباشرة‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬الفيديو‭ ‬مولّد‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬لا‭ ‬مخفية‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬صغير،‭ ‬ولا‭ ‬قابلة‭ ‬للتجاهل،‭ ‬علامة‭ ‬تُرى‭ ‬قبل‭ ‬المشاهدة‭ ‬لا‭ ‬بعدها،‭ ‬خصوصًا‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬المحتوى‭ ‬بحوادث،‭ ‬أو‭ ‬أذى‭ ‬جسدي،‭ ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬خطر؛‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬لقطات‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬مواد‭ ‬تُقلق‭ ‬الأسر،‭ ‬وتُربك‭ ‬الأجيال،‭ ‬وتُبنى‭ ‬عليها‭ ‬مخاوف‭ ‬حقيقية‭ ‬داخل‭ ‬البيوت‭.‬

إذًا‭ ‬فالمعادلة‭ ‬بسيطة‭: ‬الإبداع‭ ‬مرحّب‭ ‬به،‭ ‬والخداع‭ ‬مرفوض،‭ ‬والفرق‭ ‬بينهما،‭ ‬‮«‬علامة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‮»‬‭ ‬–‭ ‬برأيي‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬قبل‭ ‬الفيديو‭ ‬لتنبه‭ ‬المشاهد‭.‬

في‭ ‬عصر‭ ‬يستطيع‭ ‬فيه‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يُمثّل‮»‬‭ ‬الواقع‭ ‬بإتقان،‭ ‬يصبح‭ ‬واجب‭ ‬المنصات‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬للمستخدم‭ ‬بوضوح‭: ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬حقيقيًا‭. ‬وإلا،‭ ‬فلن‭ ‬نخسر‭ ‬الحقيقة‭ ‬فقط‭.. ‬بل‭ ‬ثقتنا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا