لم يعد السؤال اليوم: هل هذا الفيديو حقيقي أم لا؟ بل أصبح كم مشاهدة حقق قبل أن نكتشف أنه مولد بالذكاء الاصطناعي؟
في منصات التواصل، وخصوصًا في الريلزات وتويتر (X) ، نشهد موجة متسارعة من الفيديوهات المصنوعة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، تُنشر على أنها مشاهد واقعية: حوادث، لحظات خطر، إصابات، بل أحيانًا مآسٍ إنسانية كاملة. الغريب أن كثيرًا من المتابعين يدركون في التعليقات أن المقطع «AI»، ومع ذلك يكون صانع المحتوى قد حقق هدفه بالفعل: مشاهدات، تفاعل، وانتشار.
لكن القصة لا تتوقف عند جمهور المنصات فقط.. هذه المقاطع تجاوزت فضاء «الترند» لتصل إلى مجموعات العائلة في واتساب الآباء والأمهات، بدافع الحرص أو الخوف أو التعاطف، يعيدون إرسالها على أنها مشاهد حقيقية، لتبدأ بعدها مهمة شاقة: محاولة إقناعهم أن ما شاهدوه لم يحدث أصلًا، وأنه نتاج خوارزمية لا كاميرا، وهنا يصبح الوعي الرقمي معركة يومية داخل البيت نفسه.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.. إن الوعي لا يوقف الضرر، فالذكاء الاصطناعي بحد ذاته ليس المشكلة بل على العكس، أصبح أداة مساعدة مهمة في الإعلام، والإعلان، والفواصل البصرية، وصناعة المشاهد الجمالية التي يصعب أو يستحيل تصويرها، اليوم نراه حاضرًا في الصحافة الإلكترونية، وفي التلفزيون، وحتى في الحملات التوعوية، دون أن يثير قلقًا يُذكر لأنه يستخدم بوضوح وبمسؤولية.
لكن الخط الفاصل يُكسر حين يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتزييف الواقع العاطفي، لا البصري فقط، حين تخلق مشاهد صادمة لا أساس لها، وتُعرض على أنها حقيقية لاستدرار التعاطف، أو الغضب، أو الفضول. هنا يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة إبداع إلى وسيلة تضليل.
الأخطر أن الخوارزميات لا تميّز.. هي تكافئ ما يُثير التفاعل، لا ما هو صحيح، سواء كان الفيديو حقيقيًا أو مُختلقًا، ما دام قد حرّك المشاعر، فإنه يُدفَع إلى مزيد من الانتشار، وهكذا، يصبح التضليل «مربحًا»، ولو كان مكشوفًا.
من هنا تبرز مسؤولية منصات التواصل نفسها..
لم يعد كافيًا ترك الأمر لذكاء المستخدم أو وعيه، المطلوب هو تدخل تقني واضح: علامة صريحة ومباشرة تُظهر أن الفيديو مولّد بالذكاء الاصطناعي، لا مخفية في وصف صغير، ولا قابلة للتجاهل، علامة تُرى قبل المشاهدة لا بعدها، خصوصًا حين يتعلق المحتوى بحوادث، أو أذى جسدي، أو مشاهد خطر؛ لأن هذه ليست مجرد لقطات عابرة، بل مواد تُقلق الأسر، وتُربك الأجيال، وتُبنى عليها مخاوف حقيقية داخل البيوت.
إذًا فالمعادلة بسيطة: الإبداع مرحّب به، والخداع مرفوض، والفرق بينهما، «علامة واحدة فقط» – برأيي – أن تظهر قبل الفيديو لتنبه المشاهد.
في عصر يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي أن «يُمثّل» الواقع بإتقان، يصبح واجب المنصات أن تقول للمستخدم بوضوح: هذا ليس حقيقيًا. وإلا، فلن نخسر الحقيقة فقط.. بل ثقتنا بكل ما نراه!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك