العدد : ١٧٤٤٩ - الأربعاء ٣١ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٩ - الأربعاء ٣١ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

ليالي البحرين

بقلم: عبير محمد دهام

الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

حين‭ ‬يشعر‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬لهم‭ ‬يتغير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.. ‬يمشون‭ ‬بطمأنينة‭ ‬ويبتسمون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تكلف‭ ‬ويتحركون‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬يعرفونها‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭. ‬لا‭ ‬يسألون‭ ‬أين‭ ‬يبدأ‭ ‬المشهد‭ ‬أو‭ ‬أين‭ ‬ينتهي‭ ‬لأنهم‭ ‬جزء‭ ‬منه‭.. ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يلمسه‭ ‬الزائر‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬وهوى‭ ‬المنامة‭. ‬إحساس‭ ‬بسيط‭ ‬وعميق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المدينة‭ ‬فُتحت‭ ‬لأهلها‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الليالي‭ ‬كان‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يقود‭ ‬التجربة‭. ‬بدا‭ ‬الفضاء‭ ‬مألوفا‭ ‬والوجوه‭ ‬مطمئنة‭ ‬والحركة‭ ‬منسابة‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭.. ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬من‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يدرك‭ ‬فيها‭ ‬الزائر‭ ‬أن‭ ‬الفضاء‭ ‬صمم‭ ‬ليعاش‭ ‬ويحس‭ ‬وأنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭.. ‬يترك‭ ‬المكان‭ ‬للذاكرة‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬وللإحساس‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬الخطوة‭ ‬فيتحول‭ ‬الحضور‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬وتصبح‭ ‬الزيارة‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬تعرفه‭ ‬كما‭ ‬يعرفها‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالانتماء‭ ‬يبدأ‭ ‬الأثر‭ ‬الأعمق‭. ‬أثر‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬اللحظة‭ ‬وإنما‭ ‬يمتد‭ ‬ليغرس‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬كتجربة‭ ‬حية‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬الناس‭. ‬يرتبط‭ ‬الطفل‭ ‬بالمكان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفرح‭ ‬والأمان‭ ‬ويرى‭ ‬المراهق‭ ‬التاريخ‭ ‬قريباً‭ ‬منه‭ ‬وقابلاً‭ ‬للحياة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬صورته‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ .. ‬ويجد‭ ‬كبير‭ ‬السن‭ ‬ذاكرته‭ ‬حاضرة‭ ‬ومحترمة‭ ‬ومتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬الحاضر‭. ‬بهذا‭ ‬التلاقي‭ ‬الهادئ‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬تتشكل‭ ‬ذاكرة‭ ‬جمعية‭ ‬تنمو‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬وتستقر‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شعارات‭.‬

ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬الليالي‭ ‬مجرد‭ ‬فعالية‭ ‬ضمن‭ ‬موسم‭ ‬أعياد‭ ‬البحرين،‭ ‬وإنما‭ ‬امتداد‭ ‬لمعنى‭ ‬يضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬التجربة‭ ‬ويربطه‭ ‬بمكانه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تكلّف‭. ‬هكذا‭ ‬تحول‭ ‬الحضور‭ ‬إلى‭ ‬علاقة‭ ‬تتشكل‭ ‬بهدوء‭ ‬وتبقى‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭.‬

وتظهر‭ ‬قوة‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬بساطة‭ ‬الانطباعات‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭. ‬إحساس‭ ‬بالمكان‭ ‬قبل‭ ‬تفاصيله‭ ‬وراحة‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬وتنظيم‭ ‬واضح‭ ‬لا‭ ‬يربك‭ ‬ومشهد‭ ‬يجمع‭ ‬أعماراً‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬واحدة‭. ‬المحرق‭ ‬بدت‭ ‬قريبة‭ ‬وحقيقية‭ ‬والمنامة‭ ‬منحت‭ ‬إيقاعاً‭ ‬متزناً‭ ‬يسمح‭ ‬بالتأمل‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬الوصف‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬الهادئ‭ ‬ظهر‭ ‬النجاح‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬موقع‭ ‬كانت‭ ‬لكل‭ ‬مدينة‭ ‬نبرتها‭ ‬الخاصة‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تكرار‭ ‬الصفات‭.‬

المحرق‭ ‬حضرت‭ ‬بروحها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الواضحة‭ ‬حيث‭ ‬الناس‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬والفرجان‭ ‬امتداد‭ ‬طبيعي‭ ‬للحياة‭ ‬اليومية‭. ‬أما‭ ‬المنامة‭ ‬فجاء‭ ‬حضورها‭ ‬مكملاً‭ ‬للصورة‭ ‬يوازن‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ ‬ويمنحه‭ ‬استقراراً‭ ‬يسمح‭ ‬للزائر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬على‭ ‬مهل‭.‬

هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬لم‭ ‬يصنع‭ ‬تناقضاً‭ ‬وإنما‭ ‬رسم‭ ‬توازنا‭ ‬متكامال‭. ‬مدينتان‭ ‬بنبضين‭ ‬مختلفين‭ ‬اجتمعتا‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬واحدة‭ ‬تعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬البحرين‭. ‬وطن‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يجمع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يذيب‭ ‬الفروق‭ ‬وكيف‭ ‬يصنع‭ ‬وحدة‭ ‬من‭ ‬تنوع‭ ‬متناسق‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتضح‭ ‬قيمة‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬وهوى‭ ‬المنامة‭ ‬كنموذج‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬استدامة‭ ‬الأعياد‭ ‬الوطنية‭. ‬فالاحتفال‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬محدودة،‭ ‬بل‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬علاقة‭ ‬مستمرة‭ ‬مع‭ ‬المكان‭. ‬وتؤكد‭ ‬حركة‭ ‬الزوار‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬أن‭ ‬التجربة‭ ‬خوطبت‭ ‬للجميع‭ ‬وأن‭ ‬التخطيط‭ ‬راعى‭ ‬الإنسان‭ ‬قبل‭ ‬الصورة‭.‬

وهذا‭ ‬التكامل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قاعدة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬والعمل‭ ‬المؤسسي‭ ‬عموماً‭ ‬وفي‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمجتمع‭ ‬بنفس‭ ‬المنهجية‭ ‬ونفس‭ ‬الفكر‭ ‬ونفس‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬ويضيف‭ ‬قيمة‭ ‬حقيقية‭ ‬للمواطن‭. ‬فما‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬أخرى‭ ‬حين‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬كشريك‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬متلق‭ ‬لها‭.‬

وهنا‭ ‬تكتمل‭ ‬الرسالة‭. ‬الهوية‭ ‬لا‭ ‬تصان‭ ‬بالخوف‭ ‬عليها‭ ‬ولا‭ ‬بتجميدها‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬ولا‭ ‬بتكرارها‭ ‬بصيغ‭ ‬مستهلكة‭. ‬الهوية‭ ‬تحفظ‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬المكان‭ ‬صادقا‭ ‬وحين‭ ‬يشعر‭ ‬الناس‭ ‬أنها‭ ‬تخصهم‭ ‬وحين‭ ‬يجدون‭ ‬فيها‭ ‬مساحة‭ ‬طبيعية‭ ‬للانتماء‭.‬

{ مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا