زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
علام لا تتبسم؟
أتحلى ولله الحمد بجميل خصال قليلة من بينها أنني لا أحسد شخصا على ما عنده من جاه أو جمال أو مال أو خصال، بمعنى أنني لا أعتقد أن زيدا أو عبيدا أفضل مني حالا لكونه صاحب منصب أو مال، أو مشهودا له بالوسامة، وربما أسهم عملي في مجال التدريس في تجريدي من الحسد، فالمدرس يعتاد على رؤية تلاميذه يتفوقون عليه بعد دخولهم الحياة العملية، مالا ومكانة اجتماعية فيفرح ويعتز بهم ويقول للناس بكل فخر: فلان كان من بين طلابي في أعوام كذا وكذا، وأكثر ما يعطيني رضا بنفسي هو أنني لست قانعا بما عندي فحسب، بل اعتقد أن الله أعطاني اكثر مما كنت أتوقع: سبحان الله من كان يتوقع أن يكون لذلك النوبي البائس بيت خاص وسيارة خاصة وزوجة وعيال، ولن أنسى أبدا أن فرحتي بنيل رخصة قيادة السيارة كانت أكبر من فرحتي بنيل الشهادة الجامعية فقيادة سيارة خاصة كان حلما بعيد المنال لإنسان كان يدخر المال طوال عام كامل ليدفع أجرة ركوب شاحنة «لوري» مدة خمس دقائق يوم العيد، وكان في سبيل ذلك يجتاز النيل من جزيرة اسمها بدين على مركب هرم إلى كرمة لركوب «اللوري» ويدفع مع بقية العيال قرشا إضافيا ليقوم السائق باستخدام البوق الذي نسميه البوري، بإيقاع أغنية شعبية معروفة! أظن أنني لم استخدم طوال دراستي الجامعية أكثر من ستة قمصان وثلاثة بنطلونات. وكنت إذا اشتهيت آيسكريم وأنا طالب جامعي أضع خطة تقشف شهرين وأقطع المشوار من مباني الجامعة حتى محل سويت روزانا في قلب الخرطوم سيرا على القدمين، وبعد لحس الآيسكريم وترك الكوب الذي يوضع فيه «يلمع»، كنت أعود إلى الجامعة سيرا قاطعا بضعة كيلومترات، وأكون وقتها قد فقدت معظم سوائل جسمي!! سبحان الله: كنا فين وبقينا فين.. من كان يصدق ان جافر أباس (كما يناديني أهلي النوبيون لعجزهم عن نطق حرف العين) سيقود سيارة بـ«جير» أوتوماتيك وبها شيء اسمه كروز كونترول (لا أعرف ما جدواه واستخداماته).
هناك أناس دائمو الشكوى من ظروفهم، وإليهم أهدي الحكاية التالية المنشورة في مجلة كليفورنيا إقزامنر لعام 2023: كان الرجل يقوم بفحص محرك دراجته النارية عندما انطلقت الدراجة وهو ممسك بمقودها واندفعت محطمة لوحا زجاجيا إلى أن انقلبت داخل غرفة الجلوس فسقط الرجل ملطخا بالدماء فجاءت سيارة إسعاف ونقلته إلى المستشفى حيث أجريت له الإسعافات الضرورية ثم عاد إلى البيت وبعدها قامت الزوجة بتنظيف غرفة الجلوس من البنزين المسكوب على أرضيتها، بالمناديل الورقية وألقت بالمناديل على عجل في مقعد المرحاض وهرعت لقضاء أمر ما، وبعد قليل نهض الزوج المصاب وألقى نظرة على الزجاج المهشم وغرفة الجلوس التي تكسرت فيها بعض الكراسي، وأحس بالغم وتوجه إلى دورة المياه وجلس على المقعد واشعل سيجارة وبخبخ منها عدة شفطات ثم ألقى بها في حوض المقعد، ثم.. سمعت زوجته دويا هائلا وكان زوجها يصرخ مستغيثا، وخرج من الحمام والنار مشتعلة في بنطلونه فأطفأت النار ثم استدعت الإسعاف، وكان سبب الانفجار أن الزوجة استخدمت سوائل شديدة الاشتعال لتنظيف أرضية البيت من الدماء والأوساخ الناجمة عن الحادث الذي تعرض له زوجها وألقت بالأوراق التي استخدمتها في المسح والتنظيف في حوض دورة المياه. المهم جاء نفس الفريق الإسعافي الذي نقله إلى المستشفى في المرة الأولى وأثناء حمله على النقالة سأل أحد رجال الإسعاف الزوجة: ما سبب الحادث هذه المرة؟ فأبلغته بحقيقة ما حدث فانفجر الرجل ضاحكا فأفلتت النقالة من يده وسقط الرجل المصاب وكسرت يده!
هشّت لك الدنيا فما لك باكيا
وتبسّمت فعلام لا تتبسم؟

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك