برزت مشكلة سرقة وتهريب المجوهرات بشكل متزايد في الآونة الاخيرة، مما يهدد الأسواق والمستهلكين على حد سواء. ولحماية هذا القطاع الحساس، بدأ الخبراء بتجربة جدوى تطبيق تقنية متقدمة تُعرف بالبصمات الكيميائية للمعادن، والتي من المفترض أن تساعد في التأكد من أصالة القطع وكشف ما إذا كانت مسروقة أو مزيفة بطريقة علمية دقيقة. وبالرغم من أن فكرة البصمة ترتبط عادة بالبشر، إلا أن المعادن تمتلك «بصمة» خاصة تميزها وتحدد مكان منشأها.
كل معدن طبيعي يحتوي على مجموعة فريدة من العناصر الكيميائية والنسب الدقيقة بينها، وهذه التركيبة لا تتكرر او تتطابق مع اي معدن آخر، مثل بصمة الإنسان. فعلى سبيل المثال، ذهب مستخرج من منجم في أفريقيا يحتوي على نسب مختلفة من المعادن مثل الفضة أو النحاس مقارنة بالذهب المستخرج من منجم في أمريكا الجنوبية. وعندما تُصنع قطعة المجوهرات، تحافظ المعادن على هذه التركيبة الكيميائية، وبالتالي يمكن للعلماء تحليلها واستخدامها لمعرفة مصدر المعدن الأصلي.
ويتم ذلك باستخدام أجهزة متطورة في المختبرات، لكنها لا تحتاج لأخذ أجزاء كبيرة من المجوهرات ولا تلحق ضررًا بها، بل تُستخدم طرق غير متلفة أو تكتفي بفحص عينة صغيرة جدًا من المعدن. ومن هذه الطرق التحليل الطيفي بالأشعة السينية الذي يوجه أشعة نحو المعدن لتتفاعل ذراته وتكشف عن تركيبته بدون اتلاف القطعة، كما يُستخدم التحليل الطيفي بالكتلة لتحديد أدق الشوائب التي تشكل «بصمة» فريدة لكل معدن، إلى جانب المجهر الإلكتروني الذي يسمح بفحص السطح بدقة للكشف عن طبقات معدنية مختلفة قد تدل على التزييف. كما تستعين المختبرات أحيانًا بتحليل الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء لفحص الأحجار الكريمة وغيرها من المواد التي تدخل في تصنيع المجوهرات.
ثم تُقارن النتائج التي تحصل عليها هذه الأجهزة مع قواعد بيانات عالمية تضم تركيبات معادن من مناجم مختلفة، مما يتيح معرفة مكان استخراج المعدن وتاريخه، ويُساعد في التأكد مما إذا كانت القطعة أصلية أو مزيفة، أو حتى مسروقة تم إعادة تصنيعها. ولا تقتصر أهمية هذه التقنية على كشف السرقة فحسب، بل تلعب دورًا مهمًا في ضمان أن المجوهرات لا تُصنع من معادن مأخوذة من مصادر غير قانونية أو صراعات مسلحة، وهو أمر بالغ الأهمية في عالم اليوم الذي يولي أهمية متزايدة للأخلاقيات والاستدامة.كما يمكن لهذه الطريقة اكتشاف المجوهرات المزيفة التي تستخدم معادن رخيصة مختلطة بمواد تبدو كالذهب أو الفضة، حيث تظهر البصمة الكيميائية اختلافات واضحة عن المعادن النفيسة.
ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت هذه التحاليل أكثر سرعة ودقة، ما يمكن الأسواق والمتاجر والمشترين من الاعتماد عليها في التحقق من أصالة المجوهرات دون الحاجة لفحصها بشكل يدوي أو الإضرار بها. وبالتالي، تحمي هذه التقنية قيمة القطع وأصالة مصدرها وقانونية امتلاكها.ويبقى التساؤل حول إمكانية إلزام أصحاب المحلات بفحص البصمات الكيميائية لكل معدن ثمين مسبقا وجمعها في قاعدة بيانات شاملة!؟ ومن وجهة نظري المتواضعة أرى بأن هذه الفكرة مثالية من الناحية النظرية لتعزيز الشفافية، لكنها تبدو صعبة التطبيق عمليًا بسبب تعقيد التقنية وتنوع المعادن والتكاليف المرتفعة.
في النهاية، تبقى البصمات الكيميائية للمعادن أداة علمية متقدمة، وحارس نزيه يحمي سوق المجوهرات من الاحتيال والسرقة، ويمنح المشترين الثقة في استثمارهم، مؤكدًا أن كل قطعة تحمل تاريخًا حقيقيًا وموثوقًا، ويضيف إلى بريقها سحرًا من الأمان والمصداقية، مع العلم بأنني لست متأكدة إن كانت هذه التقنية تُستخدم فعليًا أو تعتمد عليها السلطات والمختصون في الكشف عن السرقات، لكنها تظل ميزة رائعة تستحق الإشارة سواء كانت مطبقة على أرض الواقع أو مجرد تجربة علمية .
هل تعتقدون بأن فحص البصمات الكيميائية للمعادن ضرورة أم تكلفة اضافية ؟ شاركونا بآرائكم ونتطلع إلى مقترحاتكم للمواضيع القادمة والاجابة على تساؤلاتكم على البريد الالكتروني:
seemajewelsbh@gmail.com

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك