عندما نتناول موضوع إجازة الوضع، فإننا نتحدث عن واقع معيش لامرأة تسعى إلى الموازنة بين دورها كأم والتزاماتها الوظيفية، لا عن نصوص قانونية جامدة.
من بين المقترحات التي طرحها مجلس النواب مؤخرا، برز مقترح برغبة يدعو إلى رفع مدة إجازة الوضع للمرأة العاملة في القطاع الخاص من ستين إلى سبعين يوما بأجر كامل، ويفتح نقاشًا أوسع حول كيفية توازن الدولة بين متطلبات الأسرة واحتياجات سوق العمل.
فبحسب قانون العمل في القطاع الأهلي رقم (36) لسنة 2012، وتحديدًا المادة (32)، تستحق العاملة إجازة وضع مدتها ستون يوما بأجر كامل، مع إمكانية تمديدها خمسة عشر يوما من دون أجر إذا استدعت حالتها ذلك. وبعد عودتها إلى العمل، يمنحها القانون فترتين كل يوم عمل للرضاعة بأجر كامل حتى يتم الطفل عامه الأول، بينما تُمنح الموظفة الحكومية ساعتين يوميا حتى يتم عامه الثاني.
هذا المقترح لا يغير النص القانوني مباشرة، لكنه يُعيد النظر في آلية دعم الأم العاملة بما يضمن استمرار مشاركتها دون أن يتأثر سير العمل. فإجازة الوضع حق إنساني أساسي، يتصل بصحة المرأة الجسدية والنفسية، وبحاجة الطفل إلى وجود أمه في أشهره الأولى.
ومع ذلك، فإن أي تمديد في مدتها يحتاج إلى دراسة اقتصادية دقيقة توازن بين حماية الأسرة واستقرار سوق العمل، خاصة في القطاع الخاص الذي يضم النسبة الأكبر من العاملات البحرينيات.
من واقع عملي كقانونية تتعامل مع هذا النوع من القضايا، كثيرا ما لاحظت أن الخلافات تظهر حين تستنفد العاملة إجازة الوضع وتحاول دمجها مع إجازات أخرى، ما يضع بعض المؤسسات الصغيرة أمام غياب طويل يصعب تعويضه.
يقول أحد أصحاب هذه المؤسسات: «لا نعترض على حق الأم، لكن غياب موظف واحد قد يؤثر في سير العمل كله».
وهو واقع لا يُلام فيه أحد، لكنه يوضح الحاجة إلى حلول عملية تراعي الطرفين.
في المقابل، تقول إحدى العاملات في القطاع الخاص: «أعود إلى العمل وأنا ما زلت أعيش إرهاق الولادة، وطفلي لا يزال بحاجة إلي أكثر من أي وقت». بين هذين الصوتين يظهر جوهر الإشكالية: كيف نحمي حق الأم وطفلها من غير أن نضع صاحب العمل في مأزق مالي أو إداري؟
تشير بيانات سوق العمل إلى أن المرأة البحرينية تمثل نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص، ما يجعل أي تعديل في مدة الإجازة قضية تمس شريحة واسعة من المجتمع.
ورغم أن المقترحات التي تمنح المرأة امتيازات إضافية تنطلق من نية داعمة وعادلة، فإن أي خطوة تشريعية في هذا الاتجاه تحتاج إلى تحليل واقعي لتجنب آثار غير مقصودة على فرص التوظيف أو استقرار المؤسسات.
فتمديد الإجازة قد يُفيد المرأة وطفلها على المستوى الفردي، لكنه في المقابل قد يربك المؤسسات الصغيرة ويؤثر في قدرتها على التكيف.
لا أجادل في حق المرأة بهذه الميزة، فأنا أم وأدرك قيمة الأيام التي تقضيها الأم إلى جوار طفلها، لكن دعمها الحقيقي يكون بتشريعات تصون أمومتها وتُبقي أبواب العمل مفتوحة أمامها.
تُظهر الخبرات الدولية أن نجاح الدول في دعم الأم العاملة لا يرتبط بطول الإجازة، بل بقدرتها على إيجاد آليات تمويل وتنظيم مرنة تُوزّع المسؤوليات بعدل وتُحافظ على استقرار سوق العمل.
وفي بعض النماذج العالمية، جرى اعتماد أنظمة تمويل مشتركة بين الدولة وأصحاب العمل لتغطية فترات الإجازة، مما خفّف العبء على المؤسسات وحافظ على فرص النساء في التوظيف. وهي ممارسات يمكن الاستئناس بها عند مناقشة أي تطوير في منظومة العمل، مع مراعاة خصوصية كل مجتمع وظروفه الاقتصادية والاجتماعية.
في النهاية، دعم الأمومة ليس امتيازًا نمنحه للمرأة، بل هو استثمار في مستقبل أكثر إنصافا واستقرارًا للجميع.
rajabnabeela@gmail.com

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك