رغم مرور حوالي سنتين على حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وبالأخص أخوتنا من سكان غزة، وعلى الرغم من التدمير الواسع الذي مارسته حكومة الإرهابي نتنياهو اليمينية المتطرفة، وعلى الرغم من عمليات التهجير المتواصلة والتجويع الذي فاق كل تصور، وبالرغم من الاستنكار العالمي الواسع دولا وشعوبا للجرائم الإسرائيلية المتواصلة بدون رادع فإن هذه الحكومة المتطرفة تواصل صم سمعها عن كل النداءات الإنسانية والقانونية والمضي قدما بدعم مطلق من الإدارة الأمريكية لمسح الشعب الفلسطيني في غزة من الوجود.
ومع مضي الأيام تتوالى المجازر والاعتداءات الوحشية والغرور غير المسبوق في تاريخ الحروب في العالم، فإن الخرافات الإسرائيلية التي حاولت إسرائيل نشرها في العالم عن الدولة المحاصرة والمهددة في وجودها فإن العالم كشف هذه الألاعيب وثار على هذا الكيان المحتل وهذه الحكومة التي تمارس أبشع أشكال الفاشية التي لم يشهد العالم مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية.
ولعل الموقف المحرج والمهين الذي تعرض له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال إلقائه كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كان صفعة قوية وموجعة في وجه إسرائيل ورسالة غاضبة من المجتمع الدولي ضد حرب الإبادة وضد التجويع والقتل المنهجي اليومي وتدمير البيوت والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة والروضات والكنائس والجسور والطرقات ووحدات تحليله المياه ووحدات الكهرباء فهذه صرخة أممية كبيرة في وجه هذا النظام العنصري الذي يمارس الإبادة الجماعية التي تصنف في القانون الدولي بجريمة حرب من الدرجة الأولى.
إن مغادرة الأغلبية الساحقة من الوفود الدولية لقاعة الأمم المتحدة التي يزيد عددها على 150 وفدا يؤشر بشكل واضح وصريح الى أن العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه قد ضاق ذرعا بهذا الكيان الغاصب وبتصرفاته الإجرامية التي لم يعد أحد يتحملها من ذوي الضمير الإنساني وأصبحت تشكل ضغطا على الحكومات التي كانت تدعم إسرائيل بشكل أعمى أو مترددة إزاء جرائمها فها هي جموع الشعب في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وغيرهم من الدول الأوروبية تخرج بمئات الآلاف منددة بهذه الجرائم الإسرائيلية ومنددة بمواقف حكوماتهم المساندة لإسرائيل أو الساكتة عن جرائمها التي فاقت كل تصور ولم يشهد لها العالم مثيلا إلا إبان الحقبة الهتلرية النازية التي كان يقتل فيها الانسان على الهوية وكان اليهود أول ضحايا هذه النازية من خلال الهلوكوست، ولكن للأسف ها هي إسرائيل تعيد صناعة هولوكست جديد ضد الشعب الفلسطيني الذي لا ذنب له إلا أنه يناضل من أجل حريته واستقلاله وإيصال صوته إلى العالم.
وإذا ما أضفنا إلى هذه الصفعة وهذه الرسالة التي تلقاها نتنياهو وهو يلقي خطابه المغرور والمتطرف أمام قاعة شبه فارغة هنالك صفعة ثانية لا تقل أهمية عن هذه الصفعة وهي اعتراف 157 دولة في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية على أرضها المحتلة في الضفة الغربية والقطاع وهذه صفعة وإن كانت متوقعة فإنها فاجأته لقوتها وحدتها حيث إن أغلب الدول الغربية كانت من ضمن الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية وهذا بحد ذاته رسالة أخرى للدولة الإسرائيلية وحكومتها العنصرية المتطرفة بأنه لا حل ولا سلام ولا استقرار إلا بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية وأنه لا فائدة من العناد وإضاعة المزيد من الوقت واهدار المزيد من الدماء وسقوط المزيد من الضحايا لأن السلام ممكن تحقيقه بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية لإنقاذ الشعب الإسرائيلي والفلسطيني معا وإنه لم يحدث في أي مرحلة من مراحل التاريخ المعاصر أن فرض الاحتلال بالقوة على الشعب محل القبول بالسلام ونسيان الحقوق المشروعة، ولذلك فإن الشعب الفلسطيني قد أظهر منذ عام 1948 وحتى اليوم تمسكه بأرضه وحقوقه المشروعة واستعداده الدائم لدفع ثمن الحرية والاستقلال والسيادة غاليا من دمه ولحمه وحياته.
وإذا ما أضفنا إلى ما تقدم هزيمة إسرائيل في غزة أمام مجموعة مقاتلين بأسلحة خفيفة وانها لم تستطع تحقيق أهدافها العسكرية خلال سنتين كاملتين بالرغم مما استخدمته من أسلحة ثقيلة وصواريخ فها هي اليوم تتجرع الهزيمة تلو الهزيمة إلا إذا كانت تعتبر الإبادة الجماعية والتهجير والتدمير في غزة انتصارا مطلقا مثلما صورته الدعاية الإسرائيلية فقد بينت التجربة على الأرض أن الجيش الإسرائيلي لم يستطع حتى تاريخه كسر الإرادة الفلسطينية أو يحقق ما يسميه نتنياهو بالنصر المطلق!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك