العدد : ١٧٣٩٥ - الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩٥ - الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

العدالة لا تسقط بالتقادم

بقلم: نبيلة رجب

الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

ما‭ ‬يكشف‭ ‬حقيقة‭ ‬العدالة‭ ‬هو‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭. ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬نوفمبر،‭ ‬يُحيي‭ ‬العالم‭ ‬يوما‭ ‬دوليا‭ ‬مخصصا‭ ‬لهذه‭ ‬القضية،‭ ‬تأكيدا‭ ‬لأن‭ ‬احترام‭ ‬الكلمة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬عدالة‭ ‬أي‭ ‬دولة،‭ ‬وأن‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬ينقلون‭ ‬الحقيقة‭ ‬واجب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التهاون‭ ‬فيه‭.‬

لم‭ ‬يسعَ‭ ‬أولئك‭ ‬إلى‭ ‬بطولة‭. ‬كانوا‭ ‬يؤدون‭ ‬عملهم‭ ‬كما‭ ‬يفعلون‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتخيلوا‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬قد‭ ‬تكلفهم‭ ‬حياتهم‭.‬

في‭ ‬غزة‭ ‬تحديدا،‭ ‬وبحسب‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والمكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬الحكومي‭ ‬هناك،‭ ‬فقد‭ ‬المئات‭ ‬حياتهم‭ ‬وهم‭ ‬يحاولون‭ ‬توثيق‭ ‬ما‭ ‬يجري‭.‬

هذا‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يخص‭ ‬الصحفيين‭ ‬وحدهم‭. ‬فكل‭ ‬من‭ ‬يحترم‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬موقعه،‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬معناها‭ ‬واستمرارها‭.‬

أحيانا‭ ‬تكون‭ ‬الكلمة‭ ‬‮«‬بنت‭ ‬اللحظة‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬أثرها‭ ‬يدوم‭ ‬سنوات،‭ ‬الآن‭ ‬الجميع‭ ‬يتكلم،‭ ‬والمنابر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬المشكلة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الكثرة،‭ ‬بل‭ ‬فيمن‭ ‬يتكلم‭ ‬بأمانة‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬الأمر‭.‬

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬تمر‭ ‬بنا‭ ‬مواقف‭ ‬تبدو‭ ‬بسيطة،‭ ‬لكنها‭ ‬تختبر‭ ‬شجاعتنا‭ ‬في‭ ‬التعبير‭.. ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل،‭ ‬وحتى‭ ‬بين‭ ‬الأصدقاء‭. ‬نرى‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يُقال،‭ ‬ثم‭ ‬نصمت‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الإحراج‭ ‬أو‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬الود‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المكانة‭. ‬نؤجل‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬نراه‭ ‬أنسب،‭ ‬لكن‭ ‬الأنسب‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭.‬

وما‭ ‬نسكت‭ ‬عنه‭ ‬لا‭ ‬يزول،‭ ‬يبقى‭ ‬مثل‭ ‬الغبار‭ ‬الخفيف‭ ‬يتراكم‭ ‬بين‭ ‬القلوب‭. ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ما‭ ‬يلفظ‭ ‬من‭ ‬قولٍ‭ ‬إلا‭ ‬لديه‭ ‬رقيب‭ ‬عتيد‮»‬،‭ ‬لندرك‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬تترك‭ ‬أثرها‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬بسيطا،‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬تخرج‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬غضب‭ ‬أو‭ ‬حماس‭.‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قوله‭: ‬‮«‬وهل‭ ‬يُكب‭ ‬الناسَ‭ ‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬في‭ ‬النار‭ ‬إلا‭ ‬حصائد‭ ‬ألسنتهم‮»‬‭.‬

تختلف‭ ‬الأزمنة‭ ‬والميادين،‭ ‬لكن‭ ‬الهاجس‭ ‬واحد‭: ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬ممكنة،‭ ‬وألا‭ ‬يُخنق‭ ‬الصدق‭ ‬بالخوف‭.‬

في‭ ‬البحرين،‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬جاءت‭ ‬التعديلات‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬الصحافة‭ ‬لتفتح‭ ‬صفحة‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الكلمة‭ ‬بالقانون‭. ‬فقد‭ ‬ألغت‭ ‬عقوبة‭ ‬الحبس‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬النشر،‭ ‬ونظّمت‭ ‬واقع‭ ‬الإعلام‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬اليومية‭.‬

تعد‭ ‬تلك‭ ‬خطوة‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬وعيا‭ ‬بأهمية‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وإدراكا‭ ‬لدور‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المجتمع‭ ‬ومؤسساته‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تبقى‭ ‬الطموحات‭ ‬دائما‭ ‬مفتوحة‭ ‬نحو‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬للتعبير‭ ‬المسؤول،‭ ‬لتُرسخ‭ ‬مبدأ‭ ‬المشاركة‭ ‬وتقوية‭ ‬الإيمان‭ ‬بالعدالة‭ ‬والنزاهة‭.‬

فالقانون،‭ ‬مهما‭ ‬اتسع‭ ‬نصه،‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬أثره‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تُمارَس‭ ‬الحرية‭ ‬بوعي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والواجب،‭ ‬وعندها‭ ‬فقط‭ ‬تتقوى‭ ‬المجتمعات‭ ‬وتستقر‭. ‬فلا‭ ‬تنمية‭ ‬بلا‭ ‬وعي‭.‬

وحين‭ ‬تتكامل‭ ‬جهود‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬مساحات‭ ‬للحوار‭ ‬وقبول‭ ‬الاختلاف،‭ ‬يصبح‭ ‬الإصغاء‭ ‬طريقا‭ ‬للفهم،‭ ‬والبصيرة‭ ‬سبيلا‭ ‬للاستقرار‭.‬

ككاتبة،‭ ‬أعرف‭ ‬ثقل‭ ‬القلم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُخطّ‭. ‬أعترف‭ ‬أنني‭ ‬مازلت‭ ‬أتردد‭ ‬أحيانا‭ ‬قبل‭ ‬نشر‭ ‬ما‭ ‬أكتب،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُفهم‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬اريد‭ ‬ايصالها‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬وجهها،‭ ‬أو‭ ‬يُغلق‭ ‬باب‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬مفتوحا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬بقاء‭ ‬الصوت‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬بلادي‭ ‬ضرورة؛‭ ‬لأنه‭ ‬مساحة‭ ‬للنور‭ ‬والصدق،‭ ‬يقرب‭ ‬بين‭ ‬العقول‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يباعد‭ ‬بينها،‭ ‬ويمنح‭ ‬كل‭ ‬صوت‭ ‬نزيه‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يُسمع‭ ‬بلا‭ ‬رهبة‭. ‬ومن‭ ‬يختار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رسولا‭ ‬للحقيقة،‭ ‬إنما‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ضوء‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭.‬

في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬نوفمبر،‭ ‬نتذكر‭ ‬من‭ ‬دفعوا‭ ‬حياتهم‭ ‬ثمنا‭ ‬للحقيقة‭. ‬ونتذكر‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تأخرت‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا