حظيت بفرصة زيارة جمهورية تتارستان وهي إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي والتي تتمتع بحكم ذاتي ضمن كيان الدولة الروسية الاتحادية وزرت عاصمتها التاريخية مدينة «قازان» حيث حظيت بترحاب منقطع النظير فاجأني وبكرم غير مسبوق بالنسبة إلي كمواطن عربي مسلم يزور هذه المدينة التاريخية الأصيلة.
والحقيقة إن هذه الزيارة كانت لبضعة أيام فقط ورغم قصر مدتها إلا إنني تمكنت خلالها من التعرف على تاريخ وتراث وآثار هذا البلد الإسلامي الذي اعتنق أغلب سكانه الديانة الإسلامية قبل أكثر من ألف عام ولفت انتباهي في الحقيقة عدة جوانب أراها مهمة من أبرزها على وجه الخصوص بالنسبة إلى الزائر والسائح ما يلي:
أولا: إن الموقع الجغرافي لهذا البلد يقع في الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية على سفوح جبال الأورال الشهيرة تحدها جمهوريات أخرى تابعة للاتحاد الروسي أما سكانها فيبلغ نحو أربعة ملايين نسمة أغلبهم من التتار يدينون بالديانة الإسلامية كما أسلفنا ويتعايشون مع بقية المكونات العرقية الدينية والثقافية تعايشا سلميا وتكاملا منقطع النظير.
ثانيا: اللغة السائدة في هذه المنطقة من روسيا الاتحادية هي التتارية والروسية وقد أسهم ذلك في عنصر التعايش السلمي والتكامل الذي أشرنا إليه في النقطة السابقة فاللغتان الرسميتان متكاملتان في مختلف أوجه الحياة السياسية والإدارية والثقافية والاقتصادية وقد زاد من أهمية ذلك أن تتارستان هي نقطة التقاء حيوية بين الثقافات الأوروبية والثقافات الآسيوية.
ثالثا: على الصعيد الاجتماعي فإن تتارستان تتقاطع فيها عدة شعوب وثقافات مما يسهل دورها الحضاري في أن تكون جسرا للتواصل بين الشرق والغرب وبين روسيا وآسيا وهو أمر ساعد على ربط روسيا الاتحادية بأوروبا وتركيا.
رابعا: الأهمية الاقتصادية والصناعية بوجه خاص حيث كانت تتارستان منذ الاتحاد السوفيتي وحتى اليوم قاعدة اقتصادية وصناعية للصناعات الثقيلة التي تشمل اللوجستيات وطائرات الهليكوبتر والشاحنات الثقيلة والمجنزرات والسيارات الفخمة وغيرها من المعدات الثقيلة ذات الجودة العالية بل وحتى الأدوية الطبية حيث يتم في عاصمة الجمهورية إنتاج مستحضرات طبية متطورة جدا مخصصة لعلاج الأورام الخبيثة والبدء في إطلاق عمليات إنتاج هذه المستحضرات والتي سبق إعلانها قبل عدة أشهر بعد حصول هذه الصناعة على التراخيص الطبية والصيدلية الضرورية ولذلك أصبحت تتارستان قاعدة علمية وطبية مهمة في مجال الوقاية من الأمراض السرطانية وعلاجها من خلال تقنية روسية تؤدي بالضرورة على تقليل الاعتماد على الواردات وتحقيق الاكتفاء الذاتي الروسي في إنتاج الأدوية مثلما الاكتفاء الذاتي الروسي في عديد من المجالات الأخرى فقد كان واضحا أن العقوبات التي فرضت على روسيا الاتحادية من قبل الغرب والتي تزيد على 28 ألف عقوبة شملت كل أوجه الحياة مما دفع روسيا إلى توظيف مقدراتها العلمية والصناعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات.
خامسا: على صعيد فرص الاستثمار في هذا البلد المنفتح فهي كثيرة جدا لعدة أسباب منها وجود القاعدة العلمية والموارد البشرية المؤهلة ووجود بنية تحتية متطورة لا تقل مستوى عن البنية التحتية في الدول الغربية إضافة إلى وجود التسهيلات في القوانين والإجراءات التي تسهل عملية الاستثمار بشكل بسيط وسريع وسهل وقد لاحظنا خلال هذه الزيارة أن تركيا هي أكبر البلدان التي تستثمر في هذا البلد وإن استثماراتها تقارب 3 مليارات دولار وقد تم ذكر ذلك خلال فعاليات منتدى روسيا والعالم الإسلامي الذي احتضنته مدينة قازان.
سادسا: الثروة الثقافية والمعمارية التي تتميز بها جمهورية تتارستان وعاصمتها قازان بوجه خاص فتمتلك هذه المنطقة ثروة عجيبة كبيرة تجمع بين العمارة الأوروبية والآسيوية بوجه خاص العثمانية إضافة إلى العادات والتقاليد التتارية المعروفة والتي تتعايش وتتمازج في الثقافات الروسية والتركية والغربية.
إن الزائر لجمهورية تتارستان مهما كانت أهداف زيارته سياحية علمية استثمارية فإنه يستمتع بكل تأكيد بهذا التنوع الكبير وهذه الطيبة التي يتميز بها سكان هذا البلد والتعايش السلمي الكبير بين الأعراق والطوائف والثقافات والتي يعتبر مصدر قوة وفخر واعتزاز لهذه الجمهورية قيادة وشعبا.
إن جمهورية تتارستان سوف تبقى واحدة من أكثر جمهوريات الاتحاد الروسي تطورا اقتصاديا وعلميا وصناعيا فهي قاعدة للصناعات الثقيلة وسوف تظل قاعدة من قواعد استقطاب الاستثمارات والسياحة لما يسودها من تنوع وتعايش وأمن وأمان.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك