العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

تتارستان بلد التعايش والسلام

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

حظيت‭ ‬بفرصة‭ ‬زيارة‭ ‬جمهورية‭ ‬تتارستان‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬جمهوريات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬والتي‭ ‬تتمتع‭ ‬بحكم‭ ‬ذاتي‭ ‬ضمن‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬الاتحادية‭ ‬وزرت‭ ‬عاصمتها‭ ‬التاريخية‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬قازان‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬حظيت‭ ‬بترحاب‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬فاجأني‭ ‬وبكرم‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬كمواطن‭ ‬عربي‭ ‬مسلم‭ ‬يزور‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬التاريخية‭ ‬الأصيلة‭.‬

والحقيقة‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬كانت‭ ‬لبضعة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬ورغم‭ ‬قصر‭ ‬مدتها‭ ‬إلا‭ ‬إنني‭ ‬تمكنت‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬وآثار‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬اعتنق‭ ‬أغلب‭ ‬سكانه‭ ‬الديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬ولفت‭ ‬انتباهي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬عدة‭ ‬جوانب‭ ‬أراها‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الزائر‭ ‬والسائح‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬على‭ ‬سفوح‭ ‬جبال‭ ‬الأورال‭ ‬الشهيرة‭ ‬تحدها‭ ‬جمهوريات‭ ‬أخرى‭ ‬تابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬أما‭ ‬سكانها‭ ‬فيبلغ‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬التتار‭ ‬يدينون‭ ‬بالديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬ويتعايشون‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬المكونات‭ ‬العرقية‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬تعايشا‭ ‬سلميا‭ ‬وتكاملا‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭.‬

ثانيا‭: ‬اللغة‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬هي‭ ‬التتارية‭ ‬والروسية‭ ‬وقد‭ ‬أسهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عنصر‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬والتكامل‭ ‬الذي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬النقطة‭ ‬السابقة‭ ‬فاللغتان‭ ‬الرسميتان‭ ‬متكاملتان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والإدارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تتارستان‭ ‬هي‭ ‬نقطة‭ ‬التقاء‭ ‬حيوية‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والثقافات‭ ‬الآسيوية‭.‬

ثالثا‭: ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فإن‭ ‬تتارستان‭ ‬تتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬شعوب‭ ‬وثقافات‭ ‬مما‭ ‬يسهل‭ ‬دورها‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جسرا‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬وبين‭ ‬روسيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بأوروبا‭ ‬وتركيا‭.‬

رابعا‭: ‬الأهمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والصناعية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تتارستان‭ ‬منذ‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬قاعدة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وصناعية‭ ‬للصناعات‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬اللوجستيات‭ ‬وطائرات‭ ‬الهليكوبتر‭ ‬والشاحنات‭ ‬الثقيلة‭ ‬والمجنزرات‭ ‬والسيارات‭ ‬الفخمة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬الثقيلة‭ ‬ذات‭ ‬الجودة‭ ‬العالية‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الأدوية‭ ‬الطبية‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬الجمهورية‭ ‬إنتاج‭ ‬مستحضرات‭ ‬طبية‭ ‬متطورة‭ ‬جدا‭ ‬مخصصة‭ ‬لعلاج‭ ‬الأورام‭ ‬الخبيثة‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬عمليات‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬المستحضرات‭ ‬والتي‭ ‬سبق‭ ‬إعلانها‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬بعد‭ ‬حصول‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬على‭ ‬التراخيص‭ ‬الطبية‭ ‬والصيدلية‭ ‬الضرورية‭ ‬ولذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬تتارستان‭ ‬قاعدة‭ ‬علمية‭ ‬وطبية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬السرطانية‭ ‬وعلاجها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقنية‭ ‬روسية‭ ‬تؤدي‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الأدوية‭ ‬مثلما‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الغرب‭ ‬والتي‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬28‭ ‬ألف‭ ‬عقوبة‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬مقدراتها‭ ‬العلمية‭ ‬والصناعية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬

خامسا‭: ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬فرص‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬المنفتح‭ ‬فهي‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬منها‭ ‬وجود‭ ‬القاعدة‭ ‬العلمية‭ ‬والموارد‭ ‬البشرية‭ ‬المؤهلة‭ ‬ووجود‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬متطورة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬مستوى‭ ‬عن‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬التسهيلات‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬والإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تسهل‭ ‬عملية‭ ‬الاستثمار‭ ‬بشكل‭ ‬بسيط‭ ‬وسريع‭ ‬وسهل‭ ‬وقد‭ ‬لاحظنا‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬وإن‭ ‬استثماراتها‭ ‬تقارب‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬فعاليات‭ ‬منتدى‭ ‬روسيا‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬احتضنته‭ ‬مدينة‭ ‬قازان‭.‬

سادسا‭: ‬الثروة‭ ‬الثقافية‭ ‬والمعمارية‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬جمهورية‭ ‬تتارستان‭ ‬وعاصمتها‭ ‬قازان‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬فتمتلك‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬ثروة‭ ‬عجيبة‭ ‬كبيرة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬العمارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬والآسيوية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬العثمانية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التتارية‭ ‬المعروفة‭ ‬والتي‭ ‬تتعايش‭ ‬وتتمازج‭ ‬في‭ ‬الثقافات‭ ‬الروسية‭ ‬والتركية‭ ‬والغربية‭.‬

إن‭ ‬الزائر‭ ‬لجمهورية‭ ‬تتارستان‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أهداف‭ ‬زيارته‭ ‬سياحية‭ ‬علمية‭ ‬استثمارية‭ ‬فإنه‭ ‬يستمتع‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬بهذا‭ ‬التنوع‭ ‬الكبير‭ ‬وهذه‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬سكان‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬والتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬الأعراق‭ ‬والطوائف‭ ‬والثقافات‭ ‬والتي‭ ‬يعتبر‭ ‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬وفخر‭ ‬واعتزاز‭ ‬لهذه‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيادة‭ ‬وشعبا‭.‬

إن‭ ‬جمهورية‭ ‬تتارستان‭ ‬سوف‭ ‬تبقى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬جمهوريات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬تطورا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وعلميا‭ ‬وصناعيا‭ ‬فهي‭ ‬قاعدة‭ ‬للصناعات‭ ‬الثقيلة‭ ‬وسوف‭ ‬تظل‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬استقطاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والسياحة‭ ‬لما‭ ‬يسودها‭ ‬من‭ ‬تنوع‭ ‬وتعايش‭ ‬وأمن‭ ‬وأمان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا