كشفت تصنيفات الجامعات العالمية الصادرة حديثًا عن تحول نوعي في مستوى التعليم العالي في جامعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والعالم العربي ككل. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدلّ على تنامي جودة التعليم، وتطور المناهج، والارتقاء بالأداء الأكاديمي والبحثي.
لقد برزت نماذج ريادية عديدة في غضون الأيام القليلة الماضية في تصنيف التايمز العالمي للجامعات لعام 2026، إذ كانت الجامعات الخليجية والعربية حاضرة ضمن قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم. وهو ما يُعد مؤشرًا واضحًا على وجود خطوات تسير بثقة نحو التأثير العالمي؛ فالبِيئات الأكاديمية المحفِّزة، والتخصصات النادرة التي يحتاج إليها سوق العمل في المستقبل، والمضي قدمًا في الاستثمار في البحث العلمي، والتحول الرقمي، وتعزيز الحوكمة الأكاديمية، إلى جانب وجود استراتيجية واضحة ترتكز على البحث التطبيقي والابتكار، والتكامل مع أولويات التنمية المستدامة في المنطقة، والانفتاح على الشراكات الدولية، وتنوع نماذج التعليم؛ كلها تُعد مرتكزات للبناء القائم على اقتصاد المعرفة، ودفع مسيرة التعليم العالي نحو الصدارة، ومزيد من التنافسية العالمية.
وقد أظهر التصنيف الأحدث أن أكثر من 70% من الجامعات العربية الداخلة في التصنيف هي جامعات تقع في منطقة الخليج العربي، وهو ما يؤكد أن الحضور الخليجي لم يعُد مجرد مشاركة رمزية أو دخول عابر جاء نتيجة أجندات واعتبارات بعيدة عن العدالة والأمانة والموضوعية؛ بل هي شواهد تعكس تحولًا ثقافيًا عميقًا في الأداء الأكاديمي، والجودة المؤسسية، ونجاعة الحوكمة، وجودة المخرجات.
وهذا الحراك النوعي يدفع الجامعات إلى بذل المزيد من الجهد لتبني استراتيجيات تدعم تمويل البحث العلمي، وتطوير الكفاءات، وتعزيز التعاون، بما يضمن انتقالًا حقيقيًا من «مجرد الوجود» إلى «التأثير المستدام».
ورغم هذا التقدّم اللافت الذي حققته الجامعات الخليجية في التصنيفات العالمية، فإن هذا النجاح لا يعني غياب العقبات أو التحديات التي مازالت تعترض مسيرتها نحو العالمية؛ فالمشهد العام يُظهر جملةً من التحديات التي تتطلب سياسات أكثر جرأة تدعم الاستقلال المؤسسي، وتعزز الشراكات الحقيقية مع القطاع الخاص، وتُحفّز التنافسية القائمة على التميّز النوعي والتجديد المستدام. ولضمان استمرار هذا الزخم وعدم تحوّله إلى محطةٍ عابرة، لا بد أن تُبنى هذه الإنجازات على رؤية بعيدة المدى تُكرّس للاستثمار في البحث العلمي، وتشجّع الابتكار وريادة الأعمال بين الطلبة والباحثين، لتظل الجامعات الخليجية مؤسساتٍ تعليميةً منافسةً عالميًا لا محليًا فحسب.
والقفزة التي حققتها جامعة الخليج العربي، التي جعلتها من الجامعات المتصدرة في تصنيف التايمز العالمي لعام 2026 للعام الثاني على التوالي، لا تُمثّل فقط قفزة في الأرقام والترتيب، بل تعكس واقعًا يتطور نحو مستقبل مدروس، حيث العمل الدؤوب على التميز المؤسسي، والاستثمار في البنية التحتية للبحث العلمي، وضمان الجودة الداخلية والخارجية، والمساهمة بقوة في رسم مستقبل التعليم العالي خليجيًا وعربيًا وإقليميًا، وفق معايير الابتكار والاستدامة والتنافسية والتأثير.
{ صحفية بحرينية

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك