المحاولة اليائسة التي يحاولها العَلْمانيون في عزل السياسة عن الإسلام لن يكتب لها النجاح والتوفيق لأنه إذا كانت السياسة في معناها العام هي في رعاية مصالح الناس، والحد من تغول الأفراد، فإن الإسلام هو الحكم العدل الذي تحتاج إليه البشرية لرعاية مصالحها، والدفاع عن حقوقها، ولهذا فسوف نواجه العَلْمانيين بنصوص من القرآن العظيم نظهر فيه حقيقة العلاقة بين الإسلام والعَلْمانية، سنورد بعض الآيات القرآنية التي تحسم الخلاف بين الإسلام ودعاة العَلْمانية، هذا إذا أراد العَلْمانيون المصالحة بين العَلْمانية، ونصوص القرآن الحكيم، وهذه النصوص من كتاب أنزله الله تعالى، وتعهد بحفظه ورد الشبهات عنه، قال تعالى: «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر: 9) .
وقبل الخوض في النصوص القرآنية سوف نؤسس لذلك بذكر الآيات الدالة على علاقة الإسلام بالسياسة في مجال العلاقات الدولية التي سوف نثبت بها علاقة الإسلام بالسياسة من خلال علاقة دولة الإسلام، أو علاقة الدولة الإسلامية بالأمم الأخرى، في سورة الممتحنة في الآيتين: (8 و9)، يقول تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9)» سورة الممتحنة.
هاتان الآيتان الجليلتان (8 و9) من سورة الممتحنة ترسمان الحدود للدولة الإسلامية مع غيرها من الدول التي لها علاقات مع دولة الإسلام التي أنشأها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة بعد الهجرة بعد أن اتضحت معالمها، صار لهما حاكم يتكلم ويفاوض بلسانها، وجيش يحميها، وسياسة ترعى مصالحها، وتدافع عن دينها.
وبناء على موقف هذه الدول من دولة الإسلام تم توثيق العلاقات بين دولة الإسلام وهذه الدول، وتم ذلك من خلال تصنيف هذه الدول إلى موالٍ ومعادٍ، فأما الدولة الموالية، فهي التي لم تقاتل المسلمين، ولم تخرجهم من ديارهم، هذا الصنف الأول الذي تحكمه المواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، أما الدولة المعادية، فهي الدولة التي قاتلت المسلمين في دينهم وأخرجتهم من ديارهم، ولم تكتف بهذا، بل ظاهرت أعداءهم عليهم، وهذا الصنف من الدول تتم مواجهتهم برد عدوانهم، كما نهى الإسلام وشدد في النهي عن مهادنتهم أو موالاتهم، ومن عدل الإسلام وبره أنه لا يبدأ خصومه القتال، يقول تعالى: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» (البقرة: 190). ثم إن المسلمين ليس مسموحًا أو جائزًا لهم القتال إلا بإذن الله تعالى، فقد كان الصحابة (رضوان الله تعالى عنهم) يستعجلون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإذن لهم بالقتال، فكان يقول لهم: لم يؤذن لي بعد، وهذا حق لأن حروب المسلمين مع خصومهم ليست للطغيان والعدوان وإنما هي من أجل الدفاع عن الحق، ولقد كانت وصايا الخلفاء الراشدين لقواد جيوشهم ألا يقتلوا امرأة أو شيخًا، أو طفلًا، وسيجدون أناسًا قد فرغوا أنفسهم للعبادة فلا يمسوهم بسوء، وعليهم ألا يعقروا جملًا إلا لمأكلة، ولا يقطعوا شجرًا.. هل هذه وصايا قوم يفتعلون الحروب مع أعدائهم، ويسعون في الإفساد في الأرض؟!
ومن سماحة الإسلام ولينه ورفقه أنه ينهى المسلمين عن أن يسعوا في الأرض ليفسدوا فيها، بل حتى عندما تضطرهم الظروف إلى الحرب لا بد أن يؤذن لهم، يقول تعالى: «أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير (39) الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40)» (الحج).
هذه بعض الآيات حول علاقة الإسلام بالسياسة عمومًا، وبالعَلْمانية خصوصًا التي جعلت كل همها فصل الدين عن السياسة، وإذا جاز هذا مع المسيحية واليهودية فإنه لا يجوز مع الإسلام، لأن الإسلام جاء بمنهاج كامل للحياة، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة: 3). ومن كمال الدين، وتمام النعمة أن الإسلام استوعب كل ما له علاقة بالمجتمع الإسلامي من قضايا لها علاقة بالحياة، وأساس هذه العلاقة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه، وأن الحلال بَيِّنْ والحرام بَيِّنْ.
هذا هو الإسلام الذي يدعو إليه القرآن، وأنشأ الدولة الإسلامية في فجر الدعوة الإسلامية.. وأنشأ حضارة عظيمة أشاد بها علماء الغرب ومفكروه، ولا يزال قادرًا على العطاء والإبداع، وأن بذرة الإصلاح فيه لا تزال قادرة وصالحة للإنبات من جديد.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك