العدد : ١٧٤٣٠ - الجمعة ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٣٠ - الجمعة ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

آيات.. في الحرب والسلام!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الخميس ١١ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

المحاولة‭ ‬اليائسة‭ ‬التي‭ ‬يحاولها‭ ‬العَلْمانيون‭ ‬في‭ ‬عزل‭ ‬السياسة‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬لن‭ ‬يكتب‭ ‬لها‭ ‬النجاح‭ ‬والتوفيق‭ ‬لأنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬العام‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬مصالح‭ ‬الناس،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تغول‭ ‬الأفراد،‭ ‬فإن‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الحكم‭ ‬العدل‭ ‬الذي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬البشرية‭ ‬لرعاية‭ ‬مصالحها،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقها،‭ ‬ولهذا‭ ‬فسوف‭ ‬نواجه‭ ‬العَلْمانيين‭ ‬بنصوص‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬نظهر‭ ‬فيه‭ ‬حقيقة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والعَلْمانية،‭ ‬سنورد‭ ‬بعض‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬التي‭ ‬تحسم‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬ودعاة‭ ‬العَلْمانية،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬العَلْمانيون‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬العَلْمانية،‭ ‬ونصوص‭ ‬القرآن‭ ‬الحكيم،‭ ‬وهذه‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬أنزله‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وتعهد‭ ‬بحفظه‭ ‬ورد‭ ‬الشبهات‭ ‬عنه،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إنّا‭ ‬نحن‭ ‬نزلنا‭ ‬الذكر‭ ‬وإنا‭ ‬له‭ ‬لحافظون‮»‬‭ (‬الحجر‭: ‬9‭) .‬

وقبل‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬القرآنية‭ ‬سوف‭ ‬نؤسس‭ ‬لذلك‭ ‬بذكر‭ ‬الآيات‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬الإسلام‭ ‬بالسياسة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬نثبت‭ ‬بها‭ ‬علاقة‭ ‬الإسلام‭ ‬بالسياسة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علاقة‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام،‭ ‬أو‭ ‬علاقة‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالأمم‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الممتحنة‭ ‬في‭ ‬الآيتين‭: (‬8‭ ‬و9‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬لا‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ولم‭ ‬يخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬أن‭ ‬تبروهم‭ ‬وتقسطوا‭ ‬إليهم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬المقسطين‭ (‬8‭) ‬إنما‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬قاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وأخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬وظاهروا‭ ‬على‭ ‬إخراجكم‭ ‬أن‭ ‬تولوهم‭ ‬ومن‭ ‬يتولهم‭ ‬فأولئك‭ ‬هم‭ ‬الظالمون‭ (‬9‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬الممتحنة‭.‬

هاتان‭ ‬الآيتان‭ ‬الجليلتان‭ (‬8‭ ‬و9‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الممتحنة‭ ‬ترسمان‭ ‬الحدود‭ ‬للدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬الهجرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضحت‭ ‬معالمها،‭ ‬صار‭ ‬لهما‭ ‬حاكم‭ ‬يتكلم‭ ‬ويفاوض‭ ‬بلسانها،‭ ‬وجيش‭ ‬يحميها،‭ ‬وسياسة‭ ‬ترعى‭ ‬مصالحها،‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬دينها‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬تم‭ ‬توثيق‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬وهذه‭ ‬الدول،‭ ‬وتم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصنيف‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬موالٍ‭ ‬ومعادٍ،‭ ‬فأما‭ ‬الدولة‭ ‬الموالية،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تقاتل‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولم‭ ‬تخرجهم‭ ‬من‭ ‬ديارهم،‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬تحكمه‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬أما‭ ‬الدولة‭ ‬المعادية،‭ ‬فهي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬قاتلت‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬دينهم‭ ‬وأخرجتهم‭ ‬من‭ ‬ديارهم،‭ ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬بهذا،‭ ‬بل‭ ‬ظاهرت‭ ‬أعداءهم‭ ‬عليهم،‭ ‬وهذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تتم‭ ‬مواجهتهم‭ ‬برد‭ ‬عدوانهم،‭ ‬كما‭ ‬نهى‭ ‬الإسلام‭ ‬وشدد‭ ‬في‭ ‬النهي‭ ‬عن‭ ‬مهادنتهم‭ ‬أو‭ ‬موالاتهم،‭ ‬ومن‭ ‬عدل‭ ‬الإسلام‭ ‬وبره‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يبدأ‭ ‬خصومه‭ ‬القتال،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وقاتلوا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلونكم‭ ‬ولا‭ ‬تعتدوا‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬المعتدين‮»‬‭ (‬البقرة‭: ‬190‭). ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬المسلمين‭ ‬ليس‭ ‬مسموحًا‭ ‬أو‭ ‬جائزًا‭ ‬لهم‭ ‬القتال‭ ‬إلا‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الصحابة‭ (‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنهم‭) ‬يستعجلون‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬الإذن‭ ‬لهم‭ ‬بالقتال،‭ ‬فكان‭ ‬يقول‭ ‬لهم‭: ‬لم‭ ‬يؤذن‭ ‬لي‭ ‬بعد،‭ ‬وهذا‭ ‬حق‭ ‬لأن‭ ‬حروب‭ ‬المسلمين‭ ‬مع‭ ‬خصومهم‭ ‬ليست‭ ‬للطغيان‭ ‬والعدوان‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحق،‭ ‬ولقد‭ ‬كانت‭ ‬وصايا‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬لقواد‭ ‬جيوشهم‭ ‬ألا‭ ‬يقتلوا‭ ‬امرأة‭ ‬أو‭ ‬شيخًا،‭ ‬أو‭ ‬طفلًا،‭ ‬وسيجدون‭ ‬أناسًا‭ ‬قد‭ ‬فرغوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬للعبادة‭ ‬فلا‭ ‬يمسوهم‭ ‬بسوء،‭ ‬وعليهم‭ ‬ألا‭ ‬يعقروا‭ ‬جملًا‭ ‬إلا‭ ‬لمأكلة،‭ ‬ولا‭ ‬يقطعوا‭ ‬شجرًا‭.. ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬وصايا‭ ‬قوم‭ ‬يفتعلون‭ ‬الحروب‭ ‬مع‭ ‬أعدائهم،‭ ‬ويسعون‭ ‬في‭ ‬الإفساد‭ ‬في‭ ‬الأرض؟‭!‬

ومن‭ ‬سماحة‭ ‬الإسلام‭ ‬ولينه‭ ‬ورفقه‭ ‬أنه‭ ‬ينهى‭ ‬المسلمين‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يسعوا‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ليفسدوا‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تضطرهم‭ ‬الظروف‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يؤذن‭ ‬لهم،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أُذن‭ ‬للذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬بأنهم‭ ‬ظلموا‭ ‬وإنّ‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬نصرهم‭ ‬لقدير‭ (‬39‭) ‬الذين‭ ‬أُخرجوا‭ ‬من‭ ‬ديارهم‭ ‬بغير‭ ‬حق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقولوا‭ ‬ربنا‭ ‬الله‭ ‬ولولا‭ ‬دفع‭ ‬الله‭ ‬الناس‭ ‬بعضهم‭ ‬ببعض‭ ‬لهدمت‭ ‬صوامع‭ ‬وبيع‭ ‬وصلوات‭ ‬ومساجد‭ ‬يذكر‭ ‬فيها‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬كثيرًا‭ ‬ولينصرن‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬ينصره‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لقوي‭ ‬عزيز‭ (‬40‭)‬‮»‬‭ (‬الحج‭).‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الآيات‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬الإسلام‭ ‬بالسياسة‭ ‬عمومًا،‭ ‬وبالعَلْمانية‭ ‬خصوصًا‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬كل‭ ‬همها‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬وإذا‭ ‬جاز‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬المسيحية‭ ‬واليهودية‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬مع‭ ‬الإسلام،‭ ‬لأن‭ ‬الإسلام‭ ‬جاء‭ ‬بمنهاج‭ ‬كامل‭ ‬للحياة،‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينا‮»‬‭ (‬المائدة‭: ‬3‭). ‬ومن‭ ‬كمال‭ ‬الدين،‭ ‬وتمام‭ ‬النعمة‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬استوعب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالحياة،‭ ‬وأساس‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬طاعة‭ ‬لمخلوق‭ ‬في‭ ‬معصية‭ ‬الخالق‭ ‬سبحانه،‭ ‬وأن‭ ‬الحلال‭ ‬بَيِّنْ‭ ‬والحرام‭ ‬بَيِّنْ‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬القرآن،‭ ‬وأنشأ‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬فجر‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭.. ‬وأنشأ‭ ‬حضارة‭ ‬عظيمة‭ ‬أشاد‭ ‬بها‭ ‬علماء‭ ‬الغرب‭ ‬ومفكروه،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬والإبداع،‭ ‬وأن‭ ‬بذرة‭ ‬الإصلاح‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قادرة‭ ‬وصالحة‭ ‬للإنبات‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا