لم أسمع، قبل ترامب، رئيسا أمريكيا يعترف علنا أنه خضع لضغوط لوبي إسرائيل. ولم أسمع رئيسا أمريكيا يعلن أن أحد مواطنيه يحب دولة أجنبية أكثر مما يحب الولايات المتحدة دون أن يعتبر ذلك فضيحة أو حتى انتقاصا من ذلك الشخص.
ففي خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، ذكر ترامب الملياردير شيلدون أدلسون وزوجته مريام، وكيف مارسا ضغوطهما أثناء فترة رئاسته الأولى. والثنائي أدلسون يهوديان أمريكيان مولا حملة ترامب الأولى ولم تتوان مريام عن تمويل حملته الثانية بعد رحيل زوجها.
 وترامب قال بوضوح إن الثنائي كانا في فترته الأولى يقحمان نفسيهما على جدول أعماله كرئيس بمجرد مكالمة هاتفية يطلبان فيها مقابلته. وقال علنا إنهما كانا مسؤولين عن قراري نقل السفارة الأمريكية للقدس، وإعلان «اعتراف» أمريكا بضم إسرائيل للجولان السورية!.
أكثر من ذلك، حكى ترامب أنه سأل مريام ذات مرة ما إذا كانت تحب إسرائيل أكثر أم الولايات المتحدة فرفضت الإجابة، وأضاف: «وينبغي أن أقول إن هذا قد يعني أن الإجابة هي إسرائيل!».
لكن الأهم أن الخطاب تضمن واحدا من سببين كانا وراء سعى الإدارة إلى وقف إبادة غزة، وهو يتعلق مباشرة بما أصبح ملحوظا من حقيقة أن الحركة العالمية المتنامية لدعم فلسطين هي الإنجاز الأهم على الإطلاق لطوفان الأقصى.
الواضح أن سعى ترامب إلى وقف الإبادة وراءه حتمية إنقاذ إسرائيل من نفسها! فرغم القيود التي فرضتها حكومات الغرب، خرج مئات الآلاف في شوارع شتى المدن الأوروبية والأمريكية دعما لغزة واحتجاجا على تورط حكوماتهم في دعم الإبادة.
 وقد شكلت تلك الاحتجاجات ضغوطا هائلة على تلك الحكومات عبّر عنها ترامب صراحة بقوله: «لقد ساءت الأمور حول العالم. والعالم هو من يفوز في النهاية، وأنت لا يمكنك أن تهزم العالم، أو كما قلت لبيبي «نتنياهو»، لقد آن الأوان» لوقف الإبادة.
 لكن الطريف أن ترامب يتصور أن الرأي العام العالمي تغير لصالح إسرائيل بمجرد وقف إطلاق النار! فهو أضاف أن «العالم عاد ليحب إسرائيل من جديد»(!!). بعبارة أخرى، تجد إدارة ترامب في وقف الحرب ضرورة لكسر عزلة إسرائيل وإنقاذها، لا لإنقاذ أهل غزة أو لوقف حرب الإبادة!
أما السبب الثاني الذي لم يأت الخطاب على ذكره، والأهم في تقديري، في دفع ترامب للسعي لوقف الإبادة، فهو أن الانقلاب في الرأي العام امتد داخل أمريكا حتى وصل إلى جمهور ترامب ذاته.
 فكل من اليمين الأصولي المسيحي وتيار القومية المسيحية انقسما على نفسيهما، وبات قطاع معتبر فيهما، خصوصا بين الشباب، مناهضا لإسرائيل ولدعم أمريكا لها دون أن يؤيد غزة بالضرورة.
 أما اليمين الأصولي، فالآلاف من الشهداء والجرحى في فلسطين مثلوا انتهاكا صارخا لمبادئ المسيحية دفع الكثير من الرموز المهمة إلى إجراء مراجعات ترفض الإبادة وتناهض إسرائيل، خصوصا مع انتشار فيديوهات لهدم الكنائس، ولمسيحيين فلسطينيين يشرحون القهر الذى يتعرضون له والذى لا يميز بين مسلم ومسيحي فلسطيني. 
أما تيار القومية البيضاء، والذي يعادي المسلمين ولم يُغير بالمناسبة موقفه منهم، فكانت القشة بالنسبة إليه هي القصف الأمريكي لإيران. 
فهم اعتبروا أن ترامب يحنث بتعهد «أمريكا أولا»، إذ «استغلته إسرائيل لخوض حرب لحسابها» يدفع تكلفتها المواطن الأمريكي. فراحوا يفتشون عن الأموال التي تنفقها بلادهم لحساب إسرائيل ويفتحون أعينهم على نفوذ الأخيرة داخل بلادهم فاكتشفوا ما لا يعجبهم. 
وترامب عينه على جمهوره طوال الوقت ولا يقبل أن تأتى انتخابات الكونجرس 2026 بأغلبية ديمقراطية تحاسبه وتعرقله لأجل عيون إسرائيل!
{ باحثة مختصة في الشؤون الأمريكية
 
  
  
  
 
 
 
                	
                	
                	





 
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك