يبدأ حبّ الوطن من شعورٍ بسيط يسكن القلب، ثم ينمو ليصبح انتماءً عميقًا يدفع كل فرد إلى أن يكون جزءًا من قوة هذا الوطن. فالمواطن الحقيقي هو من يدرك أن واجبه لا يقتصر على الكلمات، بل يتجسد في العمل والإسهام في رفعة بلده، مهما كان دوره صغيرًا أو كبيرًا. ومن هذا الإحساس تنطلق رؤية الجامعات الوطنية والخاصة التي تصنع المستقبل، التي تظهر وعي المجتمع ورغبته في التطور. وتؤمن بأن مستقبل البحرين يبدأ من التعليم، وأن الريادة الأكاديمية هي الطريق إلى مجتمعٍ قادر على المنافسة والتجديد. وهنا تتحول المسؤولية الفردية إلى فعلٍ مؤثر، من خلال الحرص على التعلم، ودعم الجهود التعليمية، والمشاركة في بناء جيل يتمتع بالمعرفة والقيم. وهكذا، تصبح مسؤولية المواطن جزءًا من رحلة الوطن نحو المستقبل، حيث تتكامل الجامعات مع طموح أبنائها الطلبة لصناعة وطن مزدهر وقادر على الريادة.
وفي ظل الرؤية الاقتصادية 2030 لمملكة البحرين، التي أرساها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم حفظه الله ورعاه، وبقيادة ودعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، يبرز التعليم العالي كإحدى الركائز الأساسية لبناء مجتمع قائم على اقتصاديات تعليمية تنافسية وفق المستويات العالمية؛ إذ شكل الاستثمار في المعرفة والمهارات جوهر التنمية المستدامة، ومحور الارتقاء بتنمية المواطن البحريني القادر على صناعة مستقبل وطنه.
ومن الحلم إلى الإنجاز، كيف يصنع مستقبل التعليم العالي؟ والربط قدر الإمكان بالواقع؛ لذا نرى أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو نظام تعليمي جامعي أكثر انفتاحًا ومرونة وبمواصفات ذات جودة عالية، حيث إن التعليم الجامعي لم يعد منفصًلا عن متطلبات الواقع؛ إضافة إلى ذلك، تعمل وزارة التربية والتعليم على دعم الجامعات والمؤسسات التعليمية في البحرين لتعزيز جودة التعليم العالي وتطوير التخصصات العلمية والتطبيقية بما يتماشى مع رؤية التنمية الوطنية. وتعكس هذه الجهود حرص الوزارة على مواءمة البرامج في مختلف المجالات، إلى جانب ذلك فقد تبنّت سياسات داعمة لإدماج المهارات الوظيفية والتدريب العملي ضمن البرامج الجامعية المعتمدة، والعمل على تشجيع البحث التطبيقي والابتكار الذي يسهم في رفد القطاعات الإنتاجية في البحرين.
وانطلاقًا من الرؤية الوطنية، أولت وزارة التربية والتعليم بقيادة وزير التربية والتعليم الدكتور محمد بن مبارك جمعة اهتمامًا بالغًا بدعم هذا القطاع الحيوي عبر سلسلة من المبادرات الوطنية النوعية التي تحقق أهداف الاستراتيجية التعليمية للمملكة، والرامية إلى تعزيز جودة التعليم، وربط المخرجات التعليمية بسوق العمل المحلي والعالمي عبر لجان استشارية من سوق العمل لتحديث المحتوى الأكاديمي وفق المنهجيات العلمية والعالمية الحديثة، وقد تمثلت هذه المبادرات النوعية الهادفة إلى بناء مستقبل أكاديمي واعد من خلال إطلاق الوزارة عددًا من المبادرات الرائدة من ضمنها: برامج البعثات والمنح الدراسية التي أسهمت في توسيع فرص التعليم الجامعي أمام الطلبة المتفوقين، إلى جانب التوسع في الشراكات الدولية مع جامعات ذات سمعة أكاديمية مرموقة، بهدف تعزيز التبادل الأكاديمي، وتنويع خيارات التعليم.
إلى جانب ذلك، وانسجامًا مع التوجهات العالمية مضت البحرين بسعي حثيث إلى العمل لتطوير سياسة تربوية قائمة على المواءمة بين التعليم واحتياجات سوق العمل، ومنها تحديث التخصصات الجامعية لتشمل المجالات الحيوية الحديثة كالذكاء الاصطناعي، وتوجيه الجامعات لتضمين مهارات التوظيف والتدريب العملي في مسارات الدراسة لتمكين الطلبة من المهارات اللغوية والتكنولوجية الضرورية للاندماج في سوق العمل العالمي، ولا يمكن أن نصل إلى هذه النهضة الجامعية إلا إذا كان التعليم الأساسي قائما على أساس ودعائم قوية، ومن هنا يبرز دور المؤسسات التعليمية التي استثمرت في تنمية العقول عبر تطوير المناهج الوطنية لتشمل مهارات التفكير العليا والاتجاهات الحديثة كالريادة والتعليم الأخضر، وبما تتماشي مع رؤية التنمية الوطنية، وتعزيز التعليم الرقمي والتفاعلي منذ الصفوف الأولى، واستحداث وتوسيع برامج الأنشطة الإثرائية والدعم للطلبة المتفوقين تمهيدًا للانتقال السلس إلى التعليم الجامعي، باعتبارها القاعدة التي تُبنى عليها الكفاءات الوطنية لإنتاج جيل واع، وقادر على النهوض بالوطن في جميع المجالات.
ومن منطلق حرص جميع أصحاب المصلحة من القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والمجتمع المحلي على الارتقاء بالتعليم في المملكة وتطوير منظومته؛ جاء منتدى التعليم العالي لجمعية رجال الأعمال البحرينية كمبادرة وطنية نحو نهضة جامعية مستدامة. وفي خطوة تعكس التزام القطاع الخاص بالشراكة الفاعلة والمساهمة في دعم منظومة التعليم العالي في مملكة البحرين؛ جاء منتدى جمعية رجال الأعمال البحرينية ليشكّل منصة تجمع الخبراء وصنّاع القرار، وتفتح آفاقًا جديدة للتطوير والابتكار في مسار التعليم الجامعي. الذي يركّز على الاستثمار في العقول كسبيل لتحقيق التنمية المعرفية والاقتصادية. وأكد المنتدى، بمشاركة عدد من الجامعات والشركات التعليمية، أن البحرين تستعد لتصميم مستقبل أكاديمي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطلعات الوطن والمنطقة، حيثُ إن الجامعات البحرينية تمثل رافدًا جوهريًا لاقتصاد المعرفة، وتحتاج إلى تكامل بين القطاع الأكاديمي والخاص لضمان الجودة العالمية وجذب الطلبة الدوليين إلى المملكة.
إن التنمية المستدامة في قطاع التعليم العالي تعدُ من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها مملكة البحرين لتحقيق مستقبل واعد لشبابها. فاستثمار البحرين في العقول هو استثمار في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد، وهو ما تتبناه وزارة التربية والتعليم بقيادة وزيرها الدكتور محمد بن مبارك جمعة، الذي يقود جهود التحديث والتطوير لضمان جودة التعليم وربطه بمتطلبات سوق العمل، ولترسيخ مكانة البحرين كوجهة جامعية إقليمية وعالمية، يمكن تبنّي مجموعة من الخطوات المتكاملة التي تعزز جذب الطلبة الدوليين وتكوين بيئة جامعية عالمية ومتنوعة. تبدأ هذه الخطوات بتطوير برامج أكاديمية حديثة ومطلوبة عالميًا، مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وريادة الأعمال الرقمية، مع ربطها بتجارب عملية وشراكات دولية تُكسب الطالب قيمة تنافسية عالية. كما يسهم إطلاق منح دولية تنافسية في استقطاب الطلبة الموهوبين عبر تقديم حوافز مالية وتسهيلات متنوعة.
ومن الممكن أن تدعم البحرين ذلك عبر حملات تسويقية خارجية أكثر فاعلية، والمشاركة في المعارض التعليمية العالمية، وبناء منصات تعريفية متعددة اللغات تجعل التعرف على الجامعات البحرينية أكثر سهولة. إلى جانب ذلك، فإن توسيع الشراكات الأكاديمية، من خلال برامج الشهادة المزدوجة وتبادل الطلبة والأساتذة، فإن ذلك يرسخ الثقة بالجودة التعليمية في البحرين. ولا يقلّ عن ذلك أهميةُ تطوير البنية التحتية والخدمات المخصصة للطلبة الدوليين، بما في ذلك السكن الجامعي الحديث، والخدمات الصحية، والدعم الأكاديمي، والأنشطة الطلابية المتنوعة، إضافةً إلى تسهيل إجراءات القبول والتأشيرات عبر منصات إلكترونية سريعة وواضحة، كما يمكن للهوية البحرينية أن تكون عنصر جذب مهما، عبر دمج الثقافة والتراث في الحياة الجامعية وتقديم برامج تعرّف الطلبة بالبيئة المحلية. وأخيرًا، فإن تعزيز البيئة البحثية والابتكارية من خلال مراكز متخصصة وفرص مشاركة الطلبة في مشاريع بحثية وابتكارات ممولة داخل البحرين سيمنح التجربة التعليمية عمقًا وجودة إضافية.
وهناك أمر مهم يجب علينا كمجتمع بحريني التركيز عليه في ظل الانفتاح الإعلامي واتساع دائرة التأثير الرقمي، فقد أصبح من الضروري مراقبة الخطاب المتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما حين يتعلّق الأمر بالحديث عن المنظومة التعليمية في مملكة البحرين. فكثير من الآراء تُنشر بحسن نية أو بغير قصد، لكنها قد تُسهم في نقل صورة غير دقيقة عن واقع التعليم أو التقليل من الجهود الوطنية المبذولة لتطوير الإمكانات التعليمية، لذا يُستحسن أن يُراعى المصداقية والمسؤولية عند تداول المعلومات، وأن تُسلّط الأضواء على المنجزات والمبادرات الرائدة التي تقوم بها المملكة، لضمان تعزيز الثقة بالمؤسسة التعليمية ودورها في بناء جيل واعٍ ومتعلم يفتخر بانتمائه.
وفي الختام: إن البحرين تعتمد في منظومتها الجامعية على رؤية شاملة تدمج بين أبعاد التنمية المستدامة الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، والأكاديمية. فعلى المستوى الاقتصادي يعزز قدرة المملكة على جذب الطلبة عبر تحفيز الاستثمار في التعليم العالي، وتقديم تسهيلات للمؤسسات الدولية، إلى جانب توفير برامج تمويلية وتعليمية منخفضة التكاليف تدعم الطلبة الإقليميين والدوليين في بداية الأمر، مع التركيز على تنمية اقتصاديات المعرفة بواسطة البحوث والابتكار. كما ينبغي أن تتضمن الخطط الأكاديمية دراسة دقيقة لاحتياجات سوق العمل للمجتمعات الإقليمية، خاصة دول الخليج، والعمل على تقويم هذه الاحتياجات باستمرار لضمان ملاءمة البرامج الأكاديمية مع متطلبات السوق الفعلية. وهذا التوجه يتيح فرصًا أفضل لخريجي الجامعات، ويعزز من دور البحرين كمركز تعليمي واقتصادي متقدم في الخليج العربي.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك