العدد : ١٧٣٩٥ - الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩٥ - الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الصهيونية العالمية.. التاريخ والأيديولوجيا

بقلم: د. زكريا خنجي

الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لا‭ ‬يعرف‭ ‬بالتحديد‭ ‬متى‭ ‬جاءت‭ ‬فكرة‭ ‬تكوين‭ ‬مجموعة‭ ‬تسمى‭ (‬الصهيونية‭)‬،‭ ‬فالإطار‭ ‬التاريخي‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬بالضبط،‭ ‬فالغموض‭ ‬يحيط‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذه‭ ‬المنظومة،‭ ‬ولكن‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬المراجع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬الحقيقي‭ ‬لها‭ ‬هو‭ (‬تيودور‭ ‬هرتزل‭) ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬الأب‭ ‬المؤسس‭ ‬للصهيونية‭ ‬السياسية،‭ ‬وقد‭ ‬دعا‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬الدولة‭ ‬اليهودية‭) ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1896،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬غير‭ ‬ممكن،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬العداء‭ ‬المتوغل‭ ‬للسامية‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬وأن‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬مستقلة‭. ‬وقد‭ ‬اقترح‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬منها‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬الأرجنتين‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬كموقع‭ ‬محتمل‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة،‭ ‬لكنه‭ ‬لاحقًا‭ ‬ركّز‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬باعتبارها‭ (‬أرض‭ ‬الآباء‭).‬

ثم‭ ‬قام‭ ‬هرتزل‭ ‬بتأطير‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بازل‭ ‬السويسرية‭ ‬عام‭ ‬1897،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬المنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية،‭ ‬وتم‭ ‬اعتماد‭ ‬هدف‭ ‬إقامة‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

ومصطلح‭ ‬الصهيونية‭ (‬Zionism‭) ‬يُشير‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وتستمد‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ (‬صهيون‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬اسم‭ ‬تلمودي‭ ‬وتوراتي‭ ‬يُطلق‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬ويُستخدم‭ ‬رمزيًا‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬القدس‭ ‬تحديدًا‭.‬

وتُعدّ‭ ‬الصهيونية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الحركات‭ ‬السياسية‭ ‬والفكرية‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬إذ‭ ‬ارتبطت‭ ‬بتأسيس‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وبالتحولات‭ ‬الجذرية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬الدلائل‭ ‬أنها‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬أوروبي‭ ‬مضطرب،‭ ‬وتطورت‭ ‬لتصبح‭ ‬أيديولوجيا‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬عالمي‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تُعدّ‭ ‬ظاهرة‭ ‬مركبة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والقومية‭ ‬والسياسة،‭ ‬وقد‭ ‬أثرت‭ ‬بشكل‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم‭. ‬وبينما‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬فيها‭ ‬حركة‭ ‬تحرر‭ ‬قومي،‭ ‬يعتبرها‭ ‬آخرون‭ ‬مشروعًا‭ ‬استعماريًا‭ ‬توسعيًا‭. ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬فهم‭ ‬الصهيونية‭ ‬يتطلب‭ ‬تحليلًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬ونقدًا‭ ‬فكريًا‭ ‬عميقًا،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التبسيط‭ ‬أو‭ ‬الانحياز،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬رؤية‭ ‬أكثر‭ ‬شمولًا‭ ‬للواقع‭ ‬السياسي‭ ‬المعاصر‭.‬

وما‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬هنا‭ ‬تسليط‭ ‬بعض‭ ‬الأضواء‭ ‬على‭ ‬الجذور‭ ‬التاريخية‭ ‬للصهيونية،‭ ‬وتفكيك‭ ‬بنيتها‭ ‬الفكرية،‭ ‬واستعراض‭ ‬آثارها‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬مع‭ ‬تقديم‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬لموقعها‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان‭.‬

أولاً‭: ‬التيارات‭ ‬الصهيونية‭ ‬المعاصرة

1‭. ‬الصهيونية‭ ‬الدينية؛‭ ‬تُعدّ‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬التيارات‭ ‬نفوذًا‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬اليوم،‭ ‬وتستند‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬لوعد‭ ‬إلهي،‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬يدعم‭ ‬الاستيطان‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ويعارض‭ ‬أي‭ ‬تنازل‭ ‬عن‭ (‬أرض‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬ازداد‭ ‬تأثيره‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬أحزاب‭ ‬دينية‭ ‬متشددة‭ ‬إلى‭ ‬الائتلافات‭ ‬الحكومية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬السياسات‭ ‬التوسعية‭.‬

2‭. ‬الصهيونية‭ ‬العلمانية؛‭ ‬تمثل‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬ويقوم‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬قومية‭ ‬يهودية‭ ‬غير‭ ‬دينية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي،‭ ‬فإنها‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬سلام‭ ‬إقليمي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التعايش‭.‬

3‭. ‬الصهيونية‭ ‬الليبرالية؛‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الهوية‭ ‬اليهودية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬الدينية‭ ‬والقومية،‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬الوسطية‭.‬

4‭. ‬الصهيونية‭ ‬التصحيحية؛‭ ‬تتبنى‭ ‬نهجًا‭ ‬قوميًا‭ ‬متشددًا،‭ ‬وتؤمن‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وهذا‭ ‬التيار‭ ‬له‭ ‬جذور‭ ‬في‭ ‬فكر‭ (‬زئيف‭ ‬جابوتنسكي‭)‬،‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

ثانيًا‭: ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية

يشير‭ ‬مصطلح‭ ‬الأيديولوجيا‭ (‬Ideology‭) ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تُشكّل‭ ‬رؤية‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬فرد‭ ‬للعالم،‭ ‬وتُوجّه‭ ‬سلوكهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬أنها‭ ‬طريقة‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬تُفسّر‭ ‬الواقع‭ ‬وتُقدّم‭ ‬تصورًا‭ ‬لكيف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمشروع‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭.‬

أما‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬دعوة‭ ‬لتأسيس‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬متكاملة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الدين،‭ ‬القومية،‭ ‬والسياسة،‭ ‬وتُشكّل‭ ‬الأساس‭ ‬النظري‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭. ‬ولقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أنها‭ ‬تبنى‭ ‬على‭:‬

1‭. ‬اعتبار‭ ‬اليهود‭ ‬شعبًا‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭ ‬مشترك،‭ ‬وثقافة،‭ ‬ولغة‭ (‬العبرية‭)‬،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬وطن‭ ‬وهوية‭ ‬قومية‭ ‬محددة‭.‬

2‭. ‬وبسبب‭ ‬العداء‭ ‬الأوروبي‭ ‬للسامية،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬جماعي‭.‬

3‭. ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬التوراتية‭ ‬والتاريخ‭ ‬اليهودي‭ ‬القديم،‭ ‬فإن‭ ‬لهم‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

4‭. ‬تعكس‭ ‬الطابع‭ ‬القومي‭ ‬اليهودي،‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ (‬الدولة‭ ‬القومية‭) ‬الذي‭ ‬يُعرّف‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬فقط‭.‬

5‭. ‬يُعدّ‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬تطبيقات‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

6‭. ‬تُهمّش‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬الحقوق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وكل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فتُبرر‭ ‬التوسع‭ ‬والهيمنة‭ ‬والقتل‭ ‬والتهجير،‭ ‬فكل‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬بعض‭ ‬الضروريات‭ ‬لتمكين‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬الأرض‭.‬

7‭. ‬ضرورة‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬تضمن‭ ‬أمن‭ ‬اليهود‭ ‬وتحميهم‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭.‬

8‭. ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬اللغة‭ ‬العبرية‭ ‬كلغة‭ ‬قومية‭.‬

ثالثًا‭: ‬الموقف‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬الصهيونية

1‭. ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية؛‭ ‬تدعم‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وتعتبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬حليفًا‭ ‬استراتيجيًا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬بدأت‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬‭ ‬تنتقد‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحروب‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

2‭. ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تطبيع‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬فإن‭ ‬الصهيونية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬بريبة‭ ‬وعداء‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأوساط‭ ‬الشعبية‭ ‬والثقافية‭ ‬العربية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬حركة‭ ‬استعمارية‭ ‬توسعية‭.‬

رابعًا‭: ‬الصهيونية‭ ‬المسيحية

الصهيونية‭ ‬المسيحية‭ ‬هي‭ ‬تيار‭ ‬ديني‭ ‬وسياسي‭ ‬نشأ‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬الأوساط‭ ‬البروتستانتية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ويقوم‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬غير‭ ‬مشروط‭ ‬لدولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬معتقدات‭ ‬دينية‭ ‬تتعلق‭ ‬بنبوءات‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭. ‬وهذا‭ ‬التيار‭ ‬لا‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬رؤية‭ ‬مسيحية‭ ‬خاصة‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬خطوة‭ ‬ضرورية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الخلاص‭ ‬وعودة‭ ‬المسيح‭.‬

وترتكز‭ ‬الصهيونية‭ ‬المسيحية‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬حرفي‭ ‬لبعض‭ ‬النصوص‭ ‬الإنجيلية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬وسفر‭ ‬الرؤيا،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬أفكار‭ ‬رئيسية،‭ ‬منها‭:‬

1‭. ‬وعد‭ ‬الله‭ ‬لإبراهيم؛‭ ‬يُعتقد‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬وعد‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأرض‭ ‬كنعان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬دعم‭ ‬لخطة‭ ‬إلهية‭.‬

2‭. ‬عودة‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين؛‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ (‬أرض‭ ‬الميعاد‭) ‬كشرط‭ ‬مسبق‭ ‬لعودة‭ ‬المسيح‭.‬

3‭. ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الهيكل‭ ‬الثالث؛‭ ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬الصهاينة‭ ‬المسيحيين‭ ‬أن‭ ‬بناء‭ ‬الهيكل‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬سيُمهّد‭ ‬لنهاية‭ ‬الزمان‭ ‬وظهور‭ ‬المسيح‭.‬

4‭. ‬معركة‭ ‬هرمجدون؛‭ ‬يُعتقد‭ ‬أن‭ ‬صراعًا‭ ‬عالميًا‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وستكون‭ ‬إسرائيل‭ ‬مركزه،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬المسيح‭ ‬ليحكم‭ ‬العالم‭.‬

وتنتشر‭ ‬الصهيونية‭ ‬المسيحية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬أنه‭:‬

*‭ ‬يُقدّر‭ ‬عدد‭ ‬الصهاينة‭ ‬المسيحيين‭ ‬بالملايين،‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬الإنجيليين‭ ‬البيض‭.‬

*‭ ‬يُشكلون‭ ‬قاعدة‭ ‬انتخابية‭ ‬قوية‭ ‬للحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬ويؤثرون‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭.‬

*‭ ‬يدعمون‭ ‬إسرائيل‭ ‬ماليًا‭ ‬وسياسيًا،‭ ‬ويعارضون‭ ‬أي‭ ‬ضغط‭ ‬دولي‭ ‬عليها‭ ‬بشأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬فإنها‭:‬

*‭ ‬تستفيد‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدعم،‭ ‬وتُشجع‭ ‬السياحة‭ ‬الدينية‭ ‬المسيحية‭.‬

*‭ ‬تُقيم‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬صهيونية‭ ‬مسيحية،‭ ‬مثل‭ (‬أصدقاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬المسيحيين‭).‬

*‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ينظر‭ ‬بعض‭ ‬اليهود‭ ‬بتحفظ‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التيار،‭ ‬نظرًا‭ ‬لارتباطه‭ ‬بنبوءات‭ ‬مسيحية‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬العقيدة‭ ‬اليهودية‭.‬

خامسًا‭: ‬بروتوكولات‭ ‬حكماء‭ ‬صهيون

تحاول‭ ‬الصهيونية‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬أن‭ ‬تنفي‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬بينها‭ ‬وهذه‭ ‬البروتوكولات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬واضح،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذها‭ ‬اليوم‭ ‬بمنهجية‭ ‬احترافية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬لنتعرف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البروتوكولات‭.‬

بروتوكولات‭ ‬حكماء‭ ‬صهيون‮ ‬أو قواعد‭ ‬حكماء‭ ‬صهيون هي‭ ‬وثيقة،‮ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬خطة‭ ‬صهيونية‭ ‬لغزو‭ ‬العالم،‭ ‬أُنشِئت‭ ‬من‭ ‬قِبَل اليهود،‭ ‬وهي‭ ‬تتضمن‭ ‬24‭ ‬بروتوكولاً‭. ‬ويُعتقد‭ ‬‭ ‬حسب‭ ‬الرواية‭ ‬الصهيونية‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬ماثيو‭ ‬جولوفينسكي‮ ‬مُخبر‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬السياسية القيصرية كتَبَ‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1901،‭ ‬وكانت‭ ‬مُستوحاة‭ ‬من‭ ‬كتاب‮ ‬حوار‭ ‬في‭ ‬الجحيم‭ ‬بين‭ ‬مونتسكيو‭ ‬وميكافيلي‭ ‬للمؤلف موريس‭ ‬جولي‮ ‬الذي‭ ‬يُشير‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬خطة‭ ‬زائفة‭ ‬ومُسبقة‭ ‬لغزو‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬قِبَل نابليون‭ ‬الثالث،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تطويرها‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬حكماء اليهود بهدف‭ ‬تدمير المسيحية والهيمنة‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

يحتوي‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬عدّة‭ ‬تقارير‭ ‬تكشف‭ ‬خطة‭ ‬سرية‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬تعتمد‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والحِيَل‭ ‬والحروب‭ ‬والثورات‭ ‬وترتَكز‭ ‬على‭ ‬التحديث‭ ‬الصناعي‭ ‬والرأسمالية‭ ‬لتثبيت‭ ‬السلطة‭ ‬اليهودية‭. ‬وفي‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬واجهت ألمانيا صعوبات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬مما‭ ‬جعل أدولف‭ ‬هتلر‮ ‬يربط‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬مخطط‭ ‬اليهود‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وقد‭ ‬تبين‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتابه‭ (‬كفاحي‭) ‬الذي‭ ‬فسر‭ ‬فيه‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬اليهودية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭.‬

وإن‭ ‬كنا‭ ‬هنا‭ ‬لسنا‭ ‬معنيين‭ ‬بتحقيق‭ ‬صدق‭ ‬أو‭ ‬كذب‭ ‬هذه‭ ‬البروتوكولات‭ ‬ومدى‭ ‬انتسابها‭ ‬للصهيونية‭ ‬العالمية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بنودها‭ ‬تنطبق‭ ‬تمامًا‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬دعونا‭ ‬نلقي‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬البروتوكولات،‭ ‬وهي‭: ‬

1‭. ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬لنشر‭ ‬الدعاية‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والإشاعات‭ ‬وتغييب‭ ‬وعي‭ ‬الجماهير‭ ‬ونشر‭ ‬العملاء،‭ ‬والحث‭ ‬على‭ ‬الانقلابات‭ ‬ونشر‭ ‬الخلايا‭ ‬السرّيّة،‭ ‬وإشاعة‭ ‬التمرّد

2‭. ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البنوك‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية،‭ ‬إغراق‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الديون،‭ ‬والقروض‭ ‬الداخليّة‭.‬

3‭. ‬إضعاف‭ ‬الحكومات‭ ‬الوطنية‭ ‬لإفساح‭ ‬المجال‭ ‬للصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬الدول‭. ‬

4‭. ‬نشر‭ ‬الفوضى‭ ‬والانحلال‭ ‬الأخلاقي‭ ‬وتدمير‭ ‬الدين‭ ‬لتفكيك‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وأضعاف‭ ‬السلطة‭ ‬الدينية،‭ ‬وتدمير‭ ‬الأخلاق‭ ‬ونشر‭ ‬الرذيلة‭ ‬ونشر‭ ‬الإلحاد‭ ‬والأدب‭ ‬المرّضي‭.‬

5‭. ‬استخدام‭ ‬الثورات‭ ‬والحروب‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتغيير‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية،‭ ‬وإشعال‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬

6‭. ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والإعلام‭ ‬لتوجيه‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬وفقًا‭ ‬للأهداف‭ ‬الصهيونية‭. ‬

7‭. ‬نشر‭ ‬الفوضى‭ ‬والتحرّريّة‭ ‬والثورات‭ ‬والحروب‭.‬

8‭. ‬تفريغ‭ ‬السياسة‭ ‬والقوانين‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭.‬

9‭. ‬نشر‭ ‬البطالة،‭ ‬حتى‭ ‬يجد‭ ‬الشباب‭ ‬أنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬فيلجؤون‭ ‬للمخدرات‭ ‬والرقص‭ ‬والفنون‭. ‬

قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬تضخيم‭ ‬وربما‭ ‬دعاية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تضخيم‭ ‬هذا‭ ‬الأخطبوط،‭ ‬ولكننا‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬حقائق‭ ‬أو‭ ‬أمور‭ ‬مزيفة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كوطن‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأمور،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬الزيف‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬والتافه‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬فكرية‭ ‬تقود‭ ‬شباب‭ ‬اليوم‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا