تاريخ الرئيس الأمريكي ترامب مع قضية التغير المناخي وسخونة الأرض مظلم وأسود منذ الفترة الأولى من رئاسته. فهو في حالة حرب وعداء مزمن مع هذه القضية الدولية العامة والمشتركة التي تؤثر في جميع دول العالم من دون استثناء، الغنية منها والفقيرة، المتقدمة منها والمتأخرة، فالجميع يقف سواسية كأسنان المشط أمام تداعياتها التي لا تُبقي ولا تذر.
وبالرغم من ذلك فإن ترامب يقف ضدها كليًّا، بل ويعرقل ويبعثر جهود دول العالم الساعية نحو مواجهتها، ومكافحتها تحت سقف تشريعي واحد هو المعاهدات والتفاهمات الدولية حول التغير المناخي، والتي بدأت أولاً بـ«الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخي». وهذه الاتفاقية الإطارية هي التي وضعت قاعدة التفاوض الدولية حول بنود معاهدة دولية مشتركة يلتزم بها الجميع.
فترامب عمل على عدة جبهات منذ توليه السلطة ودخوله البيت الأبيض في الفترة الأولى من حكمه، واليوم في الفترة الثانية عمل على إضعاف وإفشال هذه الجهود الدولية، وتصفية قضية التغير المناخي برمتها من خلال توجيه ضربات قاضية تُسقط هذه القضية كليا من على جدول أعمال المجتمع الدولي واجتماعات الأمم المتحدة المناخية. ومن أجل ذلك يعمل ترامب جاهداً على تهميش هذه القضية على المستوى الأمريكي القومي، ويحاول اجتثاثها من هموم وشؤون المواطن الأمريكي، وإحداث تغيير جذري بشكلٍ منهجي مدروس في الرأي العام الأمريكي حول واقعية هذه القضية الدولية التي تواجه كوكبنا عامة في كل شبرٍ منه، وإقناع الشعب الأمريكي بأن التغير المناخي ظاهرة طبيعية تحدث في كل دول العالم، ولا دور لبرامج الإنسان التنموية في وقوعها، إضافة إلى نشر المفهوم الخاطئ والمضلل بأن تداعيات التغير المناخي لا تضر بصحة الإنسان، ولا تمس حياته العامة بسوء.
فالجبهة الأولى كانت ثقافية وتوعوية من ناحية عدم الاعتراف بنزول واقعة التغير المناخي، والتشكيك في وجود أي دور للإنسان وأنشطته التنموية في نزول تداعيات التغير المناخي، وبخاصة ارتفاع حرارة الأرض وزيادة سخونتها والكوارث المناخية التي تنجم عنها. فبدأ أولاً بإدخال البعد الأجنبي في هذه الظاهرة، فقال عدة مرات واصفاً قضية التغير المناخي بأنها حيلة وخدعة صينية تهدف إلى وقف عجلة التنمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعرقلة العملية الإنتاجية في أمريكا. كما وصفها في مناسبات أخرى بأنها «أسطورية»، و«غير موجودة» و«خدعة غالية». وأخيراً قال وبكل وضوح مخالفاً الإجماع الدولي وأمام الملأ في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2025 إن: «هذا التغير المناخي هو أعظم عملية احتيال تم ارتكابها على الإطلاق في العالم، وفي رأيي كل التنبؤات التي قدَّمَتها الأمم المتحدة كانت خاطئة»، كما أضاف قائلاً: «إذا لم تَتَخَلصْ من هذه الخدعة، فإن بلدك سوف يفشل». 
كما أن ترامب من ناحية تحويل الرأي العام الأمريكي وتصفية واستئصال القضية برمتها من المجتمع الأمريكي، كلَّف وزير الطاقة «كريس رايت» (Chris Wright) الذي كان يعمل في مجال النفط ويعادي التغير المناخي، بتعيين خبراء مرتزقة ينشرون تقريراً جديداً يقدم رؤيته وسياسته حول التغير المناخي، مخالفاً بذلك سياسة الحكومات الأمريكية السابقة، وأُطلق على هذا الفريق من الخبراء «مجموعة العمل المناخية». وقد جاء تقرير وزارة الطاقة المناخي في 23 يوليو 2025 في 140 صفحة تحت عنوان: «مراجعة نقدية لتأثيرات غازات الاحتباس الحراري على مناخ الولايات المتحدة». وهذا التقرير احتوى على أكثر من مائة بيان خاطئ ومضلل للرأي العام، وأحدث زلزالاً علمياً لدى علماء المناخ في أمريكا خاصة، ونشروا تقارير كثيرة رداً على هذا التقرير غير الدقيق والانتقائي وغير المستقل. وفي الوقت نفسه يعمل ترامب على تغييب وإلغاء المصطلحات الخاصة بالتغير المناخي في التقارير الرسمية الصادرة من الوزارات والوكالات الحكومية حتى ينساها الناس وتنتهي مع الزمن. فقد نشرت صحيفة «بوليتيكو» مقالاً في 28 سبتمبر 2025 تحت عنوان: «وزارة الطاقة تضيف «التغير المناخي»، وكلمة «الانبعاثات»، و«الأخضر» ضمن قائمة الكلمات الممنوع تداولها، وعلى المعنيين في الحكومة تجنب استخدامها.
ومن جانب آخر تعمد ترامب تهميش علماء المناخ محلياً ودولياً، وتشويه سمعتهم، وخبرتهم، وعلمهم حتى يشكك الناس في مصداقيتهم ومصداقية الاستنتاجات التي توصلوا إليها حول التغير المناخي. وفي بعض التصريحات والتي لا تليق برئيس دولة عظمى، سخر واستهزأ ترامب وأمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 بعلماء المناخ حول العالم، وقال إنهم «ناس أغبياء»، وأن النتائج التي تمخضت عن أبحاثهم حول التغير المناخي ليست لها علاقة بالواقع، وأنها غير صحيحة، ولا تستند إلى الأدلة العلمية الدامغة.
والجبهة الثانية لاجتثاث قضية التغير المناخي قومياً ودوليا كانت من الناحية التشريعية المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية الهادفة إلى المواجهة الدولية المشتركة لخفض انبعاث الملوثات المتهمة بوقوع التغير المناخي، وفي مقدمتهم غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان. أما على المستوى الدولي فقد انسحب ترامب مرتين من تفاهمات باريس لعام 2015، فالمرة الأولى كانت خلال الفترة الأولى من حكمه، والثانية في يناير 2025 عند توليه السلطة للمرة الثانية، مما أدى إلى تأخر وبطء الجهود الدولية لخفض الانبعاث وإيقاف سخونة الأرض. فوجود الولايات المتحدة في مثل هذه المعاهدات الدولية مهم جداً لنجاح أي عمل دولي مشترك لحماية ارتفاع حرارة كوكبنا، فأمريكا تُعد تاريخياً الدولة الأولى المسؤولة عن وقوع التغير المناخي، ولذلك من الناحية الأخلاقية يجب أن تؤدي دورها في خفض انطلاق الملوثات المتهمة بسخونة الأرض.
وأما على المستوى القومي فقد ألغى ترامب أكثر من مائة قانون قومي أمريكي له علاقة بإلزام المصانع ومحطات توليد الكهرباء وعمليات استخراج النفط والفحم والغاز الطبيعي في خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة والاحتباس الحراري. فهذه الشركات غير ملزمة في عهد ترامب باتخاذ أي إجراء لخفض انبعاثاتها. كذلك في هذا الإطار فإن ترامب يحارب استخدام مصادر الطاقة المتجددة البديلة والنظيفة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغيرهما، ويشجع في الوقت نفسه استخراج وحرق الوقود الأحفوري، وبخاصة الفحم في توليد الكهرباء لأمريكا. بل وإن ترامب أرسل مبعوثيه إلى أوروبا ودول كثيرة أخرى ليحثهم على استخدام الفحم والنفط، والتخلي عن مصادر الطاقة المتجددة غير الملوثة للهواء وغير المؤدية لوقوع ظاهرة التغير المناخي.
لذلك من الواضح من جميع الممارسات والقوانين والأوامر التنفيذية التي أقرها ترامب منذ دخوله البيت الأبيض لأول مرة أنها جميعها تصب في هدفٍ واحدٍ كبير، وهو تصفية قضية التغير المناخي على المستويين القومي الأمريكي والدولي.
فهل ستنجح دول العالم بزعامة الصين في قيادة دفة سفينة التغير المناخي دون ركوب أمريكا على متنها، ومنع تصفية هذه القضية الوجودية لنا ولكوكبنا؟
ismail.almadany@gmail.com
 
  
  
  
 
 
 
                	
                	
                	





 
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك