فيما استقبلت مملكة البحرين في الـ8 أشهر الأولى لعام 2025 استثمارات أجنبية مباشرة، بلغت قيمتها 1.52 مليار دولار، مثلت 75 مشروعًا، 43% منها مشروعات جديدة، و57% توسعة أعمال، قد استحوذ قطاع السياحة البحرينية على الحصة الأكبر من هذه الاستثمارات، وبما يعكس الترابط الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي، فقد جاءت أغلب هذه الاستثمارات من الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت، وفيما تضع السياسة الاقتصادية للمملكة قطاع السياحة كمحرك لنمو قطاعات عديدة أخرى، فقد حقق هذا القطاع في الربع الثاني لعام 2025 نموًا بنسبة 4.6%، فيما كان هذا النمو 5.9% لعام 2024، مصنفًا ضمن أعلى القطاعات الاقتصادية نموًا، والنمو المحقق في 2025 يضعه في صدارة القطاعات التي قادت النمو بعد الأنشطة المهنية والعلمية والفنية، وتجارة الجملة والتجزئة، والأنشطة العقارية، ما عزز تحول الاقتصاد البحريني إلى اقتصاد غير نفطي، تمثل القطاعات غير النفطية فيه أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفيما بلغ عدد الغرف الفندقية في المملكة نحو 20 ألف غرفة بإجمالي 140 فندقا يستهدف القطاع الوصول إلى 39 ألف غرفة في 2030، وتتوسع الطاقة الاستيعابية الفندقية بحسب خطة وزارة السياحة البحرينية 2024 – 2026 بافتتاح 16 فندقا جديدا، ما يضيف نحو 3000 غرفة إلى السعة الفندقية البحرينية، وتتجه المملكة إلى ترسيخ مكانتها كوجهة سياحية متعددة الخيارات على خارطة السياحة الخليجية، كما تتجه الجهود الترويجية إلى أسواق جديدة متنوعة، تشمل دولاً لم تكن ضمن مصادر السياح التقليدية، مثل دول أوروبا الشرقية وروسيا وأمريكا الشمالية.
ومع دخول النصف الثاني لعام2025 سجل قطاع السياحة البحريني أداءً لافتًا، وارتفاعا ملحوظا في عدد الزوار القادمين من خارج دول مجلس التعاون الخليجي، مع اقتراب موعد تطبيق التأشيرة الخليجية الموحدة التي تعزز السياحة الخليجية البينية، ورغم أن أرقام السياحة في السنوات الماضية تشير إلى أن أكثر من 97% من إجمالي الزوار قد قدموا من دول مجلس التعاون الخليجي خاصة السعودية التي يأتي منها وحدها نحو 86%، إلا أن مؤشرات السياحة في هذه السنوات أظهرت بعض التغير، في زيادة عدد الزوار القادمين من روسيا وبولندا والتشيك ولتوانيا، إلى جانب دول آسيوية، بفضل التسهيلات في التأشيرات وزيادة عدد الرحلات المباشرة والعروض السياحية المقدمة لأسواق هذه الدول، وفي سياق تعزيز هذا التنوع السياحي تأتي سياحة البواخر «الكروز»، إذ شهد موسم هذه البواخر 2024 – 2025 استقبال البحرين نحو 40 سفينة سياحية حاملة أكثر من 140 ألف زائر بزيادة 15% عن العام السابق، ويبدأ موسم البواخر في نوفمبر ويستمر حتى أبريل، ومن المتوقع أن يزيد الرقم في 2025 – 2026 إلى 50 سفينة، ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا النمو، يتم تطوير مرافق ساحلية لاستيعاب عدد أكبر من السفن، وتعزيز الاستفادة القصوى من تحالفات سياحية، إضافة إلى تنظيم فعاليات ثقافية وفنية لجذب المزيد من الزوار.
ومن أبرز الخطط المطورة لدور قطاع السياحة مسار اللؤلؤ في مدينة المحرق، الذي يدمج بين التراث البحريني والتصاميم المعمارية الحديثة، مع إنشاء مركز زوار عالمي المستوى ومتاحف تراثية، فيما شهدت المملكة في الشهور الأولى لعام 2025 تنظيم عدد من الفعاليات الثقافية والترفيهية الجاذبة للزوار، مثل مهرجان «ليالي المحرق« و «سوق المزارعين»، وهي تستهدف أيضًا تعزيز السياحة المحلية، وتنشيط المشاركة الشعبية، ويضاف إلى هذا العروض السياحية التنافسية التي تقدمها المملكة، إضافة إلى الرحلات الجوية المباشرة، ومرونة الإجراءات، ما يسهم في زيادة معدلات الإشغال الفندقي في بعض الفنادق الكبرى بنسبة 12 – 15% من الجنسيات غير الخليجية.
ومن المعلوم أن استراتيجية قطاع السياحة 2022 – 2026 تستهدف تعزيز دور قطاع السياحة ضمن القطاعات الواعدة التي تسهم في رفد الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل للمواطنين، فيما يصل الرقم المستهدف سنويًا لعدد الزوار إلى 14.1 مليون زائر في 2026، ومتوسط إنفاق الزائر 74.8 دولارا يوميًا، ومتوسط الليالي السياحية إلى 3.5 ليال، فضلاً عن جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والوصول بإسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 11.4% في 2026 بدلاً من 7% في 2022، وقد مثلت هذه الاستراتيجية خريطة طريق متكاملة لتنمية قطاع السياحة ودوره في الاقتصاد الوطني.
وشهد قطاع السياحة في العام الماضي نموًا كبيرًا في إيراداته بنسبة 13% وعدد الزوار بنسبة 20% عن عام 2023، وفيما يأتي قرابة 120 ألف زائر سنويًا لأغراض تتعلق بالرعاية الصحية أو الخدمات الطبية فقد أخذت المملكة تولي اهتمامًا كبيرًا بالسياحة العلاجية، في وقت يتزايد فيه الإقبال الإقليمي والعالمي على خدمات الرعاية الصحية المتقدمة، ولهذا جاءت السياحة العلاجية كعنصر محوري في استراتيجية قطاع السياحة 2022 – 2026، فيما عملت الخطة على توفير مجموعة مزايا تؤهل المملكة بأن تكون واجهة جاذبة للسياحة العلاجية فضلاً عن وجود هيئة تنظيمية نوعية كالهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، ومعايير اعتماد وطنية ودولية ترفع مستوى الثقة في الخدمات الصحية المقدمة، وتظهر تقارير دولية التزام البحرين بجودة الرعاية الصحية وتوفير كوادر طبية مؤهلة، كما توفر البحرين بنية تحتية سياحية متكاملة تدعم التكامل بين العلاج والترفيه، من خلال مرافق الاستشفاء والتعافي والسياحة الصحية الشاملة.
وقد تجاوزت منجزات قطاع السياحة بعض أهداف استراتيجية القطاع 2022 – 2026، حيث بلغ عدد الزوار 14.9 مليون زائر في 2024 بزيادة 19.9% عن العام السابق، بينما المستهدف 14.1 مليون زائر في 2026، وبلغ عدد الليالي السياحية 19.2 مليون ليلة بزيادة 16% عن 2023، وبلغت مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي 7%، وحقق قطاع السياحة إيرادات بلغت 1.9 مليار دينار بزيادة 13.4% عن العام السابق، كما تم إنجاز مشروع شاطئ خليج البحرين، وواجهة الغوص البحرية، وإطلاق تطبيق رقمي شامل للترويج السياحي يهدف إلى توفير تجربة رقمية متكاملة للزوار، وعقدت هيئة البحرين للسياحة والمعارض شراكات استراتيجية مع شركات سياحية عالمية لزيادة عدد الزوار، كما تعد الهيئة مبادرات لتعزيز الاستدامة لنمو قطاع السياحة، وفيما يعد التحول الرقمي ركيزة أساسية في تطوير القطاع، فإن الهيئة تعمل على تسخير التكنولوجيا لتحقيق التكامل بين الترويج الرقمي والخدمات المقدمة على الأرض، ويتماشى هذا التوجه مع رؤية البحرين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، من خلال تطوير سياحة مستدامة تحافظ على البيئة، وتعزز استثمار موارد البحرين الثقافية، فيما أخذت جهود الترويج تركز على أسواق الخليج والصين والهند وألمانيا والمملكة المتحدة، وتوظف في هذا الترويج مؤهلاتها السياحية المتنوعة، ومبادرات تعزيز تنافسيتها.
وفي البنية التحتية السياحية يستهدف قطاع السياحة توسعًا في الاستثمارات الفندقية، وبنهاية عام 2024 بلغ عدد المؤسسات الفندقية 146، إضافة إلى مشاريع قيد التنفيذ يتم إنجازها في 2025، كما بلغ عدد المطاعم السياحية 155 مطعمًا، وساهمت كلية «فاتل« للضيافة في تقديم برامج أكاديمية متنوعة، وفرص تدريب عملية، فيما أخذ إقبال الشباب البحريني يزيد عليها، ما يرفع مساهمة العمالة الوطنية في هذا القطاع، كما يضيف سباق الفورمولا 1 الذي تستضيفه البحرين سنويًا الكثير إلى قطاع السياحة البحريني، حيث يجذب عشاق رياضة سباق السيارات من مختلف أنحاء العالم، فيما تنظم هيئة البحرين للسياحة والمعارض الكثير من الفعاليات الداعمة، مثل ليالي المحرق وأمسيات المنامة وأعياد البحرين، وساهمت الزيادة الكبيرة في عدد المنشآت السياحية في توفير فرص عمل نوعية، فيما أسفرت الجهود الترويجية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض عن تزايد قدوم الزائرين من دول أوروبا الشرقية في الفترة من نوفمبر 2024 حتى أبريل 2025، فبلغ نحو 40 ألف سائح، وقدرت الإيرادات السياحية الناتجة عن هذا النمو بنحو 70 مليون دولار، وبلغ متوسط إنفاق السائح أكثر من 73 دولارا يوميًا ومتوسط إقامة السائح أكثر من ثلاثة ليال، وعزز ذلك التوسع في الربط الجوي بين البحرين والدول القادم منها هؤلاء الزوار.
وبرغم ما حققه قطاع السياحة البحريني منذ إطلاق استراتيجية 2022 – 2026 من إنجازات على صعيد تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية، أكدتها أرقام 2024، وما تحقق في 2025، ووقوفه بين القطاعات التي تقود الاقتصاد البحريني العام الحالي، إلا أن الآمال المعقودة عليه كبيرة خاصة في زيادة التشغيل، وتوطين العمالة، حيث إن هذا القطاع يتسع لفرص عمل عديدة واعدة للمواطن البحريني سهلت الدخول إليها زيادات الإقبال على كلية «فاتل»، فيما لا تمثل العمالة البحرينية في هذا القطاع حتى الآن أكثر من 25%.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك