زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
خافت من الضرَّة وتضررت
بيني وبين الدجالين ود مفقود، وأتمنى لو كانت عقوبة كل من يمارس الدجل -أي نوع من الدجل- هي السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، على أن يقول القاضي للدجال عند النطق بالحكم: كلك بركة ونشوف كيف تحول السجن الى فندق خمس نجوم، المهم، على مدى عقود كانت صحف منطقة الخليج، تعطي القارئ الانطباع بأن كل قوى الشر الخفية (الشياطين) جعلت من المنطقة «قيادة مركزية»، فلا يمر يوم من دون حكاية أو أكثر عن خادمة «سحرت» عائلة، أو عن شخص «طيب» وقع فريسة جني عنيد. المسألة وصلت مرتبة الفوبيا (الرهاب)، فقد صارت آلاف العائلات تعيش في رعب مقيم من القدرات الخارقة للخادمات الآسيويات، واي شخابيط يتم اكتشافها بين أشيائها لا بد ان تكون سحرا نافذ المفعول. وعندنا في السودان تفشى وباء الغباء حتى صار لبعض المسؤولين الحكوميين كتيبة من الاستشاريين في فنون الحل والربط، ثم تجد نفس المسؤول الكبير الذي يستعين بخبير في شؤون العالم السفلي ليضمن له البقاء في منصبه ويصيب الوزير بـ«العمى» كي لا يرى أخطاءه. وتجده يؤم الموظفين في الصلوات! ودي تيجي إزاي؟ أنت تعتقد ان آدميا مثلك يتحكم في مجريات القضاء والقدر ثم تقف أمام من بيده القضاء والقدر من دون إحساس بالذنب على الأقل؟ اللجوء الى الدجالين هو سبيل العاجزين عديمي الثقة بالنفس ومهما حوقلوا وبسملوا فهم ضعيفو الإيمان، لأن من يؤمن تماما بأن كل أموره بيد خالقه لا يجعل بينه وبين الخالق سمسارا. ومن يسلم رقبته لدجال يصبح كمدمن القمار الذي يخسر المرة تلو الأخرى ولكنه يعزي نفسه بأن ضربة الحظ الكبرى آتية فيواصل المقامرة حتى ينتهي به الأمر مدمنا للمخدرات والمسكرات وربما صار لصا ليوفر المال لمواصلة المقامرة ومطاردة حلم الثراء.. وهناك أناس يتفاخرون بأن لديهم «شيخا» خاصا بهم يضعون كامل ثقتهم فيه لفك العنوسة أو الرهن أو الدين أو «تحطيم الأعداء» أو ضمان نجاح العيال، ولا تنتبه الباحثة عن زوج عن طريق الشيخ المزعوم إلى أنها ظلت موعودة بالفرج طوال 15 سنة (مثلا) ويفوت على الغارق في الديون أن أوضاعه المالية على حافة الهاوية و«الشيخ» لا يزال يطالب بالرسوم على شكل هدايا له او كاش وحلي ذهبية للشياطين الذين ينفذون أوامره.. والعيال الذين زودهم الشيخ بترياق النجاح على شكل طلاسم تحمل بصاقه ولعابه «المبارك» يزدادون جهلا وأمية عاما تلو الآخر.. ليس لأنهم أغبياء ولكن لأن ذويهم أكدوا لهم ان الشيخ سيضمن لهم النجاح، ومن ثم توقفوا عن استذكار الدروس.
في لبنان لجأت سيدة الى مشعوذ أفاق طبقت شهرته الآفاق ليمنع زوجها أبو عين زائغة من الاقتران بأخرى. وأعطاها الشيخ الوصفة تلو الأخرى. وتكررت زياراتها له، لأن زوجها مازال عازما على الزيجة الجديدة، وهو يطلب منها التحلي بطول البال، الى ان اتي يوم نظر فيه الشيخ إليها نظرة ذات مغزى وقال لها: فُرِجت. أعددت لك وصفة ستضمن لك مائة في المائة ان زوجك لن يتزوج بغيرك. خذي هذه الخلطة وضعيها في مشروب وقدميه للزوج، «ولو تزوج فوقك آدي شنبي وذقني أحلقها بالحلاوة أو الملقاط». وعملت الزوجة بنصيحة الرجل وشرب الزوج عصيرا فيه الخلطة الواقية من الزواج الثاني، وبالفعل لم يعد بمقدوره ان يتزوج مرة أخرى، لأنه مات.. كانت الخلطة مبيدا حشريا شديد السمية.. وأثبتت التحقيقات ان المشعوذ أعجب بتلك السيدة وقرر ان يتخلص من زوجها لتصبح رهن إشارته.. وبمنطق المشعوذين فقد نجحت الوصفة بدليل ان الزوج المقصود لن يتمكن من الزواج بأخرى. وبالمقابل فقدت تلك السيدة الزوج الذي حرصت على الاحتفاظ به، وفقدت حريتها بعد أن أدانتها محكمة بالاشتراك في جريمة قتل، وصحيح انها نالت عقوبة مخففة، ولكن عقوبتها الكبرى هي أنها صارت أرملة بـ«مساعدة» الدجال الذي استعانت به.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك