العدد : ١٧٣٩١ - الاثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩١ - الاثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

المتحف الكبير وروح الحضارة

العالم‭ ‬كله‭ ‬تابع‭ ‬بانبهار‭ ‬شديد‭ ‬حفل‭ ‬افتتاح‭ ‬المتحف‭ ‬المصري‭ ‬الكبير‭. ‬الحدث‭ ‬يستحق‭ ‬بالفعل‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬الواسع‭.‬

المتحف‭ ‬الكبير‭ ‬إنجاز‭ ‬حضاري‭ ‬ضخم‭. ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬أكبر‭ ‬متحف‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يعرض‭ ‬ويوثق‭ ‬تاريخ‭ ‬وآثار‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬واحد‭.‬

قيمة‭ ‬المتحف‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬قيمة‭ ‬أثرية‭ ‬أو‭ ‬سياحية‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجذب‭ ‬ملايين‭ ‬السياح‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

المتحف‭ ‬قيمته‭ ‬أكبر‭ ‬وأبعد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬بكثير‭.‬

المتحف‭ ‬هو‭ ‬رسالة‭ ‬حضارية‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬ومن‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭.‬

حضارة‭ ‬مصر‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬قطع‭ ‬أثرية‭ ‬خالدة‭ ‬يضمها‭ ‬المتحف‭ ‬ومئات‭ ‬المتاحف‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭. ‬حضارة‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬حضارة‭ ‬شعب‭ ‬وقيادة‭ ‬بنت‭ ‬أقدم‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬راسخة‭ ‬الأركان‭.. ‬هي‭ ‬حضارة‭ ‬علم‭ ‬وثقافة‭ ‬وفكر‭ ‬وفن‭ ‬وعقيدة‭ ‬وقيم‭ ‬إنسانية‭ ‬نبيلة‭. ‬

هي‭ ‬حضارة‭ ‬قوة‭ ‬وبناء‭ ‬وسلام‭.‬

كل‭ ‬ثقافة‭ ‬فكر‭ ‬وأدب‭ ‬وفنون‭ ‬وعقيدة‭ ‬وقيم‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬موثقة‭ ‬في‭ ‬ملايين‭ ‬البرديات‭ ‬التي‭ ‬يوجد‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر‭ ‬منها‭ ‬للأسف‭ ‬في‭ ‬متاحف‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سرقوها،‭ ‬ولم‭ ‬يفصحوا‭ ‬عنها‭.‬

حين‭ ‬يقف‭ ‬ملك‭ ‬مصر‭ ‬العظيم‭ ‬رمسيس‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬المتحف‭ ‬الكبير‭ ‬يستقبل‭ ‬الزوَّار،‭ ‬فهو‭ ‬يذكر‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬بجوهر‭ ‬حضارة‭ ‬مصر‭.‬

رمسيس‭ ‬الثاني‭ ‬أعظم‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭. ‬كان‭ ‬المصريون‭ ‬قديما‭ ‬يسمونه‭ ‬‮«‬الجد‭ ‬الأعظم‮»‬‭.. ‬قاد‭ ‬حروبًا‭ ‬ضارية‭ ‬كثيرة‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬واستقلالها‭ ‬ودحرا‭ ‬لأعدائها‭. ‬وقاد‭ ‬نهضة‭ ‬مدنية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المدن‭ ‬والإنجازات‭ ‬المشهودة‭ ‬الأخرى‭ ‬الكثيرة‭. ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وقَّع‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬عام‭ ‬مع‭ ‬الحيثيين‭ ‬نصها‭ ‬موثق‭ ‬وموجود‭.‬

عهد‭ ‬رمسيس‭ ‬الثاني‭ ‬تجسيد‭ ‬لجوهر‭ ‬وروح‭ ‬الحضارة‭ ‬المصرية‭ ‬الذي‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭: ‬قوة‭ ‬ودفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭.. ‬بناء‭ ‬ونهضة‭.. ‬سلام‭ ‬وتعايش‭. ‬هذا‭ ‬الجوهر‭ ‬وهذه‭ ‬الروح‭ ‬نتاج‭ ‬إرث‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬والعلم‭ ‬والثقافة‭ ‬والفنون‭.‬

هناك‭ ‬معانٍ‭ ‬ودلالات‭ ‬كثيرة‭ ‬للمتحف‭ ‬الكبير‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننوه‭ ‬بها‭.‬

أول‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عنده‭ ‬هو‭ ‬الإنجاز‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭. ‬من‭ ‬أول‭ ‬طرح‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬المتحف‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬وحتى‭ ‬افتتاحه،‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬عمل‭ ‬شاق‭ ‬دؤوب‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأثريين‭ ‬والعلماء،‭ ‬والفنانين‭ ‬والعلماء‭ ‬وغيرهم‭. ‬كانت‭ ‬نتيجة‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬العظيم‭.‬

تقتضي‭ ‬الأمانة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نسجل‭ ‬بالتقدير‭ ‬الكبير‭ ‬الدور‭ ‬الريادي‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق‭ ‬فاروق‭ ‬حسني،‭ ‬صاحب‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬المتحف‭ ‬والذي‭ ‬بذل‭ ‬جهدا‭ ‬هائلا‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬أساسه،‭ ‬وتم‭ ‬إنجازه‭ ‬أخيرا‭.‬

والمتحف‭ ‬الكبير‭ ‬فجَّر‭ ‬لدى‭ ‬المصريين‭ ‬روح‭ ‬مصر‭ ‬الوطنية‭.. ‬روح‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬والفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬به‭ ‬وبتاريخه‭ ‬وحضارته‭.. ‬روح‭ ‬الولاء‭ ‬الوطني‭.  ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬فقط‭ ‬مشاهد‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المصرين‭ ‬الذين‭ ‬احتشدوا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬مصر‭ ‬لمتابعة‭ ‬افتتاح‭ ‬المتحف‭ ‬وما‭ ‬عبروا‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬وفخر‭ ‬واعتزاز‭ ‬وولاء‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬يذكرنا‭ ‬هذا‭ ‬بأن‭ ‬ترسيخ‭ ‬الوطنية‭ ‬وروح‭ ‬الانتماء‭ ‬والولاء‭ ‬الوطني‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬بالعبارات‭ ‬الإنشائية‭ ‬والشعارات،‭ ‬وإنما‭ ‬بالعمل‭ ‬والإنجازات‭ ‬الملموسة‭.‬

وللمتحف‭ ‬المصري‭ ‬الكبير‭ ‬بالمعاني‭ ‬الحضارية‭ ‬والإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يجسدها‭ ‬بعد‭ ‬عربي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يغيب‭ ‬عنا‭.‬

هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬الحضاري‭ ‬هو‭ ‬تذكير‭ ‬للعالم‭ ‬بأننا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬صنَّاع‭ ‬التاريخ‭ ‬وصنَّاع‭ ‬الحضارة‭. ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬علَّمنا‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وفي‭ ‬مقدمته‭ ‬الغرب،‭ ‬العلوم‭ ‬والثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬والفنون‭ ‬والتقدم‭ ‬وقيم‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬وكل‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬النبيلة‭.‬

لهذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حدث‭ ‬افتتاح‭ ‬المتحف‭ ‬الكبير‭ ‬تنبيها‭ ‬لنا‭ ‬بأننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تقديم‭ ‬حضارتنا‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تقديم‭ ‬حضارتنا‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الهمجية‭ ‬ومجرمي‭ ‬الإبادة‭ ‬الذين‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬مقادير‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التفاخر،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬العالم‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬احترام‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬والتحضر‭ ‬التي‭ ‬تجسدها‭ ‬حضارتنا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا