يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
المتحف الكبير وروح الحضارة
العالم كله تابع بانبهار شديد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير. الحدث يستحق بالفعل هذا الاهتمام العالمي الواسع.
المتحف الكبير إنجاز حضاري ضخم. هو ليس مجرد أكبر متحف في العالم يعرض ويوثق تاريخ وآثار الحضارة المصرية في مبنى واحد.
قيمة المتحف ليست مجرد قيمة أثرية أو سياحية من شأنه أن يجذب ملايين السياح من العالم.
المتحف قيمته أكبر وأبعد من هذا بكثير.
المتحف هو رسالة حضارية من مصر ومن الوطن العربي إلى العالم.
حضارة مصر ليست مجرد قطع أثرية خالدة يضمها المتحف ومئات المتاحف في العالم كله. حضارة مصر هي قبل هذا حضارة شعب وقيادة بنت أقدم دولة قوية راسخة الأركان.. هي حضارة علم وثقافة وفكر وفن وعقيدة وقيم إنسانية نبيلة.
هي حضارة قوة وبناء وسلام.
كل ثقافة فكر وأدب وفنون وعقيدة وقيم الحضارة المصرية موثقة في ملايين البرديات التي يوجد العدد الأكبر منها للأسف في متاحف الغرب بعد أن سرقوها، ولم يفصحوا عنها.
حين يقف ملك مصر العظيم رمسيس الثاني في مدخل المتحف الكبير يستقبل الزوَّار، فهو يذكر العالم كله بجوهر حضارة مصر.
رمسيس الثاني أعظم القادة في تاريخ مصر. كان المصريون قديما يسمونه «الجد الأعظم».. قاد حروبًا ضارية كثيرة دفاعًا عن مصر واستقلالها ودحرا لأعدائها. وقاد نهضة مدنية كبرى في بناء المدن والإنجازات المشهودة الأخرى الكثيرة. وهو أول من وقَّع معاهدة سلام في التاريخ قبل نحو 3 آلاف عام مع الحيثيين نصها موثق وموجود.
عهد رمسيس الثاني تجسيد لجوهر وروح الحضارة المصرية الذي يتلخص في: قوة ودفاع عن الوطن.. بناء ونهضة.. سلام وتعايش. هذا الجوهر وهذه الروح نتاج إرث عميق من الفكر والعلم والثقافة والفنون.
هناك معانٍ ودلالات كثيرة للمتحف الكبير يجب أن ننوه بها.
أول ما يجب أن نتوقف عنده هو الإنجاز في حد ذاته. من أول طرح فكرة إنشاء المتحف قبل أكثر من 20 عاما وحتى افتتاحه، وراء هذا عمل شاق دؤوب شارك فيه الآلاف من الأثريين والعلماء، والفنانين والعلماء وغيرهم. كانت نتيجة هذه الجهود بناء هذا الصرح العظيم.
تقتضي الأمانة هنا أن نسجل بالتقدير الكبير الدور الريادي الذي لعبه وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، صاحب فكرة إنشاء المتحف والذي بذل جهدا هائلا حتى تم وضع حجر أساسه، وتم إنجازه أخيرا.
والمتحف الكبير فجَّر لدى المصريين روح مصر الوطنية.. روح حب الوطن والفخر والاعتزاز به وبتاريخه وحضارته.. روح الولاء الوطني. علينا أن نتأمل فقط مشاهد عشرات الملايين من المصرين الذين احتشدوا في كل مدن وقرى مصر لمتابعة افتتاح المتحف وما عبروا عنه من حب وفخر واعتزاز وولاء.
يجب أن يذكرنا هذا بأن ترسيخ الوطنية وروح الانتماء والولاء الوطني لا يتم بالعبارات الإنشائية والشعارات، وإنما بالعمل والإنجازات الملموسة.
وللمتحف المصري الكبير بالمعاني الحضارية والإنسانية التي يجسدها بعد عربي يجب ألا يغيب عنا.
هذا الإنجاز الحضاري هو تذكير للعالم بأننا هنا في منطقتنا العربية صنَّاع التاريخ وصنَّاع الحضارة. نحن الذين علَّمنا العالم كله وفي مقدمته الغرب، العلوم والثقافة والفكر والفنون والتقدم وقيم العدل والإنصاف وكل القيم الإنسانية النبيلة.
لهذا يجب أن يكون حدث افتتاح المتحف الكبير تنبيها لنا بأننا يجب أن نعيد تقديم حضارتنا العربية الإسلامية إلى العالم. يجب أن نعيد تقديم حضارتنا إلى العالم في مواجهة الهمجية ومجرمي الإبادة الذين يتحكمون في مقادير العالم اليوم.
يجب أن نفعل هذا ليس على سبيل التفاخر، ولكن لأن العالم أحوج ما يكون اليوم إلى قيم احترام الإنسان والحياة والتحضر التي تجسدها حضارتنا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك