زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
جاهل بن جاهل *
على مدى عدة أشهر متتالية تناقلت وسائل الإعلام، وبكل اللغات والكاميرات صورَ الإندونيسي أدري ريزال، وكان عاريا تماما في معظم تلك الصور، وكل من رأى تلك الصور والتعليقات المكتوبة تحتها لم يتهم ريزال بقلة الأدب والحياء، بل أحس نحوه بالرثاء، وربما راودت البعض الرغبة في البكاء عندما قرأوا حكاية ريزال الذي صار من المشاهير، رغم أنه غلبان ومن عائلة فقيرة وليس له أي إنجاز يجعله يستحق الشهرة، بل إن ظهور صور كثيرة له وهو عريان تماما، كان بسبب أن والديه لا يملكان النقود لكسوته حتى بعد أن صار هدفا لكاميرات الصحف والتلفزيون.
ربما رأى بعضكم صور ريزال إما في الصحف أو التلفزيون أو الإنترنت وهو ممسك بسيجارة ويدخن بطريقة احترافية، تؤكد أنه صاحب خبرة طويلة في مجال تعاطي التبغ. وصورته وهو يضرب رأسه بالحائط بعنف كلما حرموه من التدخين. وكما يعرف كل من تابع حكاية هذا المواطن الإندونيسي فقد صار «نجما» لكونه يدخن 40 سيجارة يوميا. لا داعي لأن تحس بالغيرة لأنك تدخن 65 سيجارة يوميا ولم تنجح في لفت انتباه أي كاميرا! بس أنت فين وريزال فين؟ لن تستطيع أن تحقق واحدا على الألف من شهرته حتى لو أصبحت تدخن 487 سيجارة في اليوم الواحد، فريزال يدخن 40 سيجارة وعمره الآن 18 شهرا، فريزال نال الشهرة بعد أن رآه سائح يقف أمام بيت بائس وهو ممسك بسيجارة وينفث دخانها بمهارة «كِييف حريف» أي محترف «كيف» يدخن بمزاج، وبعدها تبارت وسائل الإعلام المحلية والدولية لنشر صوره وحكايته، وتبرع أبوه بمعلومة مهمة: ريزال بدأ التدخين وعمره سنة واحدة.. رآني أدخن فطلب سيجارة، وأعطيته واحدة وشيئا فشيئا صار مدمن تدخين وأوفر له يوميا 40 سيجارة
أحست السلطات في إندونيسيا بالحرج ونقلت ريزال إلى مستشفى لعلاج المدمنين ويقول الأطباء إنهم نجحوا في خفض عدد السيجارات التي يدخنها إلى عشرين يوميا.. ما شاء الله.. تبارك الله، ولماذا لم تفطموه نهائيا عن التدخين بحرمانه منه كلياً؟ يقول الأطباء إن الحرمان الفوري الكامل كان سيسبب له متاعب صحية عضوية ونفسية كبيرة وبالتالي كان لا بد من التدرج في حرمانه من التدخين بشغله باللعب واللهو والأكل.. واتضح أن هناك أطفالا كثيرين في إندونيسيا يدمنون التدخين وهم دون الخامسة، والأمر الذي لا شك فيه أن آباء هؤلاء الأطفال من فئة «أبو جهل» المعاصر الذي ينطبق عليه المثل «الجاهل عدو نفسه».
كثيرون يحسبون أن العنف ضد الأطفال يتمثل في الضرب والعقاب الجسدي، في حين أن العنف ضد الأطفال والنساء يكون في غالب الأحوال باللسان أي بالتجريح والإساءة والإذلال.. وأن تقدم لطفلك سيجارة أو كأس خمر يمثل أبشع درجات العنف، بل إن السكوت على السلوك الفالت للطفل نوع من العنف لأن الطفل غير مسؤول عن تصرفاته ويفترض أن والديه يحرصان على كل ما هو في مصلحته، والأب الإندونيسي الغبي الذي علم طفله ابن الـ18 شهرا التدخين فعل ذلك من باب حرصه على تلبية رغباته، فهناك نوع من الأمهات والآباء يعتقدون أن الاستجابة لطلبات العيال بلغت ما بلغت من الشطط تدخل السرور في نفوسهم، في حين أن الاستجابة لكل طلبات الأطفال هو ما يفسدهم ويعرضهم للانكسار عندما يتعاملون مع العالم الخارجي في المدرسة او بيئة العمل.. على مسؤوليتي تعمَّد أن ترفض ولو 20% من طلبات عيالك مهما كانت بسيطة وسيتعلمون أن الدنيا لا تدور حسب رغبات البشر وإلا لما كنا نحن الكبار نذهب إلى أماكن عملنا يوميا ووجوهنا تلعن أقفيتنا.
* جاهل في منطقة الخليج والسودان تعني الطفل صغير السن.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك