العدد : ١٧٣٨٢ - السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٢ - السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

دعوة إلى إنصاف المساهمات الزوجية غير الموثقة في حياتنا

بقلم: نبيلة رجب

السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

كم‭ ‬امرأة‭ ‬قضت‭ ‬عمرها‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬تربي‭ ‬وتدبّر‭ ‬وتتعب،‭ ‬وما‭ ‬خطر‭ ‬ببالها‭ ‬يوما‭ ‬أنها‭ ‬تحتاج‭ ‬ورقة‭ ‬تثبت‭ ‬هذا‭ ‬كله‭. ‬ما‭ ‬كتبت‭ ‬اسمها‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬ولا‭ ‬احتفظت‭ ‬بإيصال‭. ‬ظنت‭ ‬البيت‭ ‬نفسه‭ ‬شاهدا‭ ‬كافيا‭. ‬لكن‭ ‬لما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬النهاية،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشاهد‭ ‬صامت‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬أعطى‭ ‬الزوجة‭ ‬حقوقا‭ ‬أساسية‭ ‬مثل‭ ‬النفقة،‭ ‬السكن‭ ‬والحضانة‭. ‬هذه‭ ‬مكاسب‭ ‬مهمة،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تقول‭ ‬القصة‭ ‬كاملة‭. ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬النصوص‭.‬

فالزواج‭ ‬ليس‭ ‬توقيعا‭ ‬يُحفظ‭ ‬في‭ ‬ملف‭. ‬هو‭ ‬تفاصيل‭ ‬تثقل‭ ‬الكتف‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ينفق‭ ‬المال‭ ‬وفيها‭ ‬من‭ ‬ينفق‭ ‬العمر‭. ‬والعدالة‭ ‬تضعف‭ ‬حين‭ ‬نُظهر‭ ‬وجها‭ ‬ونخفي‭ ‬آخر‭.‬

قد‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تلتحق‭ ‬بوظيفة‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تعمل،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬هي‭ ‬من‭ ‬تتابع‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬دروسهم،‭ ‬وتدير‭ ‬تفاصيل‭ ‬البيت‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة،‭ ‬وتحفظ‭ ‬توازنه‭ ‬بصبر‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬أحد‭. ‬لو‭ ‬غابت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬ليوم‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬لاختلت‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬وظهرت‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭. ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬صمت،‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬كامل‭ ‬الأركان‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬وظيفة‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭.‬

وهناك‭ ‬زوجات‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬دورهن‭ ‬على‭ ‬البيت،‭ ‬بل‭ ‬ساهمن‭ ‬من‭ ‬رواتبهن‭ ‬في‭ ‬أقساط‭ ‬السكن،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬أرض،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬بيت‭ ‬العائلة‭. ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬وقع‭ ‬الانفصال،‭ ‬وجدن‭ ‬أنفسهن‭ ‬بلا‭ ‬ورقة‭ ‬تثبت‭ ‬ما‭ ‬قدمنه،‭ ‬وكأن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬من‭ ‬الدفع‭ ‬والمشاركة‭ ‬تبخرت‭ ‬في‭ ‬لحظة‭.‬

أتذكر‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬سيدة‭ ‬أعرفها‭ ‬روت‭ ‬لي‭ ‬قصتها‭. ‬تعذر‭ ‬استمرار‭ ‬زواجها‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لذكرها‭ ‬الآن‭. ‬لكنها‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬جملة‭ ‬لم‭ ‬أنسها،‭ ‬‮«‬خرجت‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬الزوجية‭ ‬خالية‭ ‬الوفاض،‭ ‬وكأن‭ ‬ما‭ ‬دفعته‭ ‬بيدي‭ ‬وبجهدي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودًا‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬مصاريف‭ ‬البيت‭ ‬سنوات،‭ ‬دفعت‭ ‬أقساط‭ ‬الأثاث‭ ‬وساعدت‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬منزل‭ ‬الأسرة‭. ‬لكنها‭ ‬وقفت‭ ‬عند‭ ‬النهاية‭ ‬بلا‭ ‬سند‭ ‬قانوني‭ ‬يحفظ‭ ‬حقها‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحكي‭ ‬بمرارة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بدهشة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العمر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتبخر‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة‭.‬

الطلاق‭ ‬لحظة‭ ‬قاسية،‭ ‬لا‭ ‬تختصرها‭ ‬أوراق‭ ‬المحكمة‭. ‬هو‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تجد‭ ‬المرأة‭ ‬نفسها‭ ‬خارجه‭ ‬بلا‭ ‬بيت‭ ‬ولا‭ ‬سند،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬شبابها‭ ‬مضى‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬الأبناء‭ ‬وحماية‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭. ‬القانون‭ ‬يُلزم‭ ‬الأب‭ ‬بالنفقة،‭ ‬لكن‭ ‬الأبناء‭ ‬يحتاجون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المال؛‭ ‬يحتاجون‭ ‬الأمان‭. ‬وهذا‭ ‬الأمان‭ ‬يضعف‭ ‬حين‭ ‬تعيش‭ ‬الأم‭ ‬قلق‭ ‬السكن‭ ‬وتدبير‭ ‬شؤون‭ ‬حياتها‭. ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أمه‭ ‬مرهقة‭ ‬أو‭ ‬خائفة‭ ‬من‭ ‬الغد،‭ ‬يحمل‭ ‬عبئًا‭ ‬مضاعفًا‭ ‬لا‭ ‬يعوّضه‭ ‬أي‭ ‬مصروف‭ ‬شهري‭.‬

هذه‭ ‬القضية‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬جدران‭ ‬البيوت‭ ‬وتجاوزت‭ ‬أحاديث‭ ‬المجالس‭. ‬أصبحت‭ ‬مطروحة‭ ‬في‭ ‬ندوات‭ ‬ولقاءات‭ ‬جمعت‭ ‬جمعيات‭ ‬نسائية‭ ‬بمحامين‭ ‬ومختصين‭ ‬بالشأن‭ ‬الأسري‭. ‬صار‭ ‬واضحا‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مساهمات‭ ‬حقيقية‭ ‬لم‭ ‬تُوثق‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬سجل،‭ ‬وأن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تجاهلها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولا‭ ‬ولا‭ ‬عادلا‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الجهود،‭ ‬عقد‭ ‬الاتحاد‭ ‬النسائي‭ ‬البحريني‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مركز‭ ‬تفوّق‭ ‬للاستشارات‭ ‬ندوة‭ ‬ناقشت‭ ‬دراسة‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬الأموال‭ ‬الزوجية‭ ‬من‭ ‬الكد‭ ‬والسعاية‭ ‬إلى‭ ‬قسمة‭ ‬الأموال‭ ‬المشتركة‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هما‭ ‬شخصيا،‭ ‬إنما‭ ‬قضية‭ ‬عامة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭. ‬وما‭ ‬يميز‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬خصومة‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬قناعة‭ ‬مشتركة‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬هي‭ ‬الضمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬لاستقرار‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬وُجدت‭ ‬مقاربات‭ ‬مختلفة‭. ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يتاح‭ ‬للزوجين‭ ‬أن‭ ‬يحددا‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬كيف‭ ‬سيتعاملان‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يُكتسب‭ ‬أثناء‭ ‬الزواج‭. ‬تونس‭ ‬اعترفت‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬المكاسب‭ ‬المشتركة‮»‬‭. ‬بينما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬يُساوى‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُبنى‭ ‬خلال‭ ‬العلاقة‭.‬

هذه‭ ‬التجارب‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لافتة،‭ ‬لكنها‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تناسبنا‭. ‬كون‭ ‬مجتمعنا‭ ‬له‭ ‬خصوصيته،‭ ‬وديننا‭ ‬جعل‭ ‬النفقة‭ ‬مسؤولية‭ ‬الرجل‭. ‬ما‭ ‬نحتاجه‭ ‬هو‭ ‬صياغة‭ ‬بحرينية‭ ‬واضحة،‭ ‬تحترم‭ ‬قيمنا‭ ‬وتمنح‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬حقه‭ ‬بإنصاف‭. ‬ويكفينا‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ولهن‭ ‬مثل‭ ‬الذي‭ ‬عليهن‭ ‬بالمعروف‭) ‬وهو‭ ‬أساس‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭ ‬لأي‭ ‬إصلاح‭ ‬عادل‭.‬

ولكي‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬معلقا‭ ‬بلا‭ ‬حلول،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُتاح‭ ‬للزوجين‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬يضعا‭ ‬اتفاقات‭ ‬واضحة‭ ‬تحدد‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يُكتسب‭ ‬مستقبلا‭. ‬خطوة‭ ‬كهذه‭ ‬لا‭ ‬تحمي‭ ‬الحقوق‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تقي‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬نزاعات‭ ‬مؤلمة،‭ ‬وتجعل‭ ‬الطريق‭ ‬أوضح‭ ‬إذا‭ ‬انتهت‭ ‬العلاقة،‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله،‭ ‬بالانفصال‭.‬

وقد‭ ‬بدأ‭ ‬بعض‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والمنطقة‭ ‬يصيغون‭ ‬نماذج‭ ‬قانونية‭ ‬تُتيح‭ ‬للزوجين‭ ‬تنظيم‭ ‬ما‭ ‬يُكتسب‭ ‬أثناء‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬ممتلكات‭ ‬أو‭ ‬مساهمات‭ ‬مالية‭. ‬هذه‭ ‬المبادرات،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬محدودة،‭ ‬تُشير‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬مهني‭ ‬متزايد‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬الجهد‭ ‬غير‭ ‬المرئي‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭. ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تُطالب‭ ‬بتغيير‭ ‬جوهر‭ ‬العلاقة،‭ ‬بل‭ ‬تُمهّد‭ ‬لتفاهمات‭ ‬واضحة‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬التراضي،‭ ‬وتُحترم‭ ‬فيها‭ ‬خصوصية‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭. ‬إدراج‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقات‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬اختياري،‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يُحصّن‭ ‬العلاقة‭ ‬من‭ ‬النزاعات‭ ‬المؤلمة،‭ ‬ويمنح‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬حقه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُضعف‭ ‬روح‭ ‬الشراكة‭.‬

الأسرة‭ ‬ليست‭ ‬ساحة‭ ‬غلبة،‭ ‬هي‭ ‬مساحة‭ ‬شراكة‭. ‬وإذا‭ ‬شعرت‭ ‬المرأة‭ ‬بإنصاف‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الانفصال،‭ ‬عاش‭ ‬الأبناء‭ ‬بطمأنينة‭ ‬أكبر،‭ ‬وظل‭ ‬المجتمع‭ ‬متماسكا‭. ‬فالبيت‭ ‬حين‭ ‬يُبنى‭ ‬على‭ ‬الإنصاف،‭ ‬يبقى‭ ‬أثره‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جدار‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا