العدد : ١٧٣٨٢ - السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٢ - السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الغرب يسعى إلى تغيير الشرق الأوسط

بقلم: د. زكريا خنجي

السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

شهدت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬تحولات‭ ‬جوهرية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬اتسمت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مراحلها‭ ‬بمحاولات‭ ‬الغرب‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الشرق‭ ‬وفقًا‭ ‬لنماذجه‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭. ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متكافئة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬اتخذت‭ ‬طابعًا‭ ‬أحاديًا،‭ ‬حيث‭ ‬سعى‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬رؤيته‭ ‬للعالم‭ ‬على‭ ‬الشرق،‭ ‬مستخدمًا‭ ‬بذلك‭ ‬كل‭ ‬الأدوات‭ ‬المتوفرة‭ ‬والمستحدثة‭ ‬والتي‭ ‬تتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والتأثير‭ ‬الثقافي‭ ‬الناعم،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬

وقد‭ ‬يجد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬إطار‭ ‬التفاعلات‭ ‬الحضارية،‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬اتخذت‭ ‬طابعًا‭ ‬تغييريًا،‭ ‬سعى‭ ‬فيها‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفقًا‭ ‬لنماذجه‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬الغربية،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬يحدث‭ ‬الصدام‭ ‬والتصادم،‭ ‬بين‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬عمقها‭ ‬التاريخي‭ ‬والروحي‭ ‬والفكري‭ ‬والعلمي‭ ‬وحضارة‭ ‬وليدة‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الحضارة‭ ‬إلا‭ ‬الفكر‭ ‬التقني‭ ‬المادي‭ ‬الحديث‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والقوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬حينئذ‭ ‬يحدث‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬هذا‭ ‬يرضى‭ ‬بالخنوع‭ ‬ولا‭ ‬ذلك‭ ‬يرضى‭ ‬بالانسحاب‭.‬

وبعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬يجدون‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬وهذه‭ ‬المحاولات‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬حينما‭ ‬حاولت‭ ‬القوة‭ ‬الأوروبية‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الرغبة‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬أكثر‭ ‬تبكيرًا،‭ ‬ولكنها‭ ‬غدت‭ ‬واضحة‭ ‬تمامًا‭ ‬وكشر‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬أنيابه‭ ‬قبل‭ ‬حقبة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬احتلال‭ ‬للأرض،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مشروعًا‭ ‬حضاريًا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الغرب،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ (‬تمدين‭) ‬الشعوب‭ ‬الشرقية‭ ‬وفق‭ ‬النموذج‭ ‬الأوروبي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تبعية‭ ‬الشرق‭ ‬بأكمله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مسح‭ ‬الدين،‭ ‬وسرقة‭ ‬خيرات‭ ‬الأرض‭ ‬والتوسع‭ ‬الاستعماري‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انتهاء‭ ‬حقبة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬رسميًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬آثاره‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والفكرية‭ ‬والتشريعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭. ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نستعرض‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الطرق‭ ‬والأساليب،‭ ‬منها‭:‬

أولاً‭: ‬الدين‭ ‬والهوية؛‭ ‬يحاول‭ ‬الغرب‭ ‬تقديم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الفكرية‭ ‬والليبرالية‭ ‬الحديثة‭ ‬والتقدم‭ ‬الحديث،‭ ‬فهذا‭ ‬الدين‭ ‬‭ ‬بنظرهم‭ ‬جاء‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬1400‭ ‬سنة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬‭ ‬ربما‭ ‬‭ ‬كان‭ ‬صالحًا‭ ‬لذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬فإنه‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬والأزمات‭ ‬والتطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬ويتمثلون‭ ‬بذلك‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتطور‭ ‬إلا‭ ‬حينما‭ ‬ترك‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الكنائس‭ ‬وتحرر‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬القيود‭. ‬لذلك‭ ‬قاموا‭ ‬بالتشكيك‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬النبوية‭ ‬وفي‭ ‬السيرة‭ ‬وفي‭ ‬القيادات‭ ‬والغزوات‭ ‬الإسلامية‭ ‬وأخيرًا‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ولم‭ ‬يكتفوا‭ ‬بذلك‭ ‬وإنما‭ ‬طرحوا‭ ‬المبادرات‭ ‬المناسبة‭ ‬والتي‭ ‬منها‭:‬

{‭ ‬محاولات‭ ‬إصلاح‭ ‬الإسلام‭ ‬عبر‭ ‬دعم‭ ‬خطابات‭ ‬دينية‭ (‬معتدلة‭)‬،‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬الغربية،‭ ‬مثل‭ ‬مبادرات‭ (‬إسلام‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تُثير‭ ‬جدلًا‭ ‬واسعًا‭ ‬حول‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭.‬

{ الجدل‭ ‬حول‭ ‬الحجاب،‭ ‬ففي‭ ‬أوروبا‭ ‬تجاوز‭ ‬كونها‭ ‬قضية‭ ‬داخلية،‭ ‬لتصبح‭ ‬أداة‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬إقصائي‭.‬

{‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬المحلي،‭ ‬تحت‭ ‬شعارات‭ ‬مثل‭ (‬مكافحة‭ ‬التطرف‭) ‬أو‭ (‬تعزيز‭ ‬التسامح‭)‬،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬أجندات‭ ‬سياسية،‭ ‬وتُعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الدين‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعايير‭ ‬خارجية‭.‬

ثانيًا‭: ‬العولمة‭ ‬والوجه‭ ‬الجديد‭ ‬للتأثير؛‭ ‬يلاحظ‭ ‬المتتبع‭ ‬للأحداث‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وربما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بقليل‭ ‬وبداية‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬ظهرت‭ ‬فكرة‭ (‬العولمة‭) ‬كقوة‭ ‬جديدة‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬العالم‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬فتحت‭ ‬آفاقًا‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتقنية‭ ‬واسعة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬أيضًا‭ ‬وسيلة‭ ‬لنشر‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬عبر‭ ‬الإعلام،‭ ‬والسينما،‭ ‬والموضة،‭ ‬ومنصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهذا‭ ‬التأثير‭ ‬الثقافي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الشرقية‭ ‬التقليدية،‭ ‬ويخلق‭ ‬صراعًا‭ ‬داخليًا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والانفتاح‭. ‬فأصحبت‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬مهيمنة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬والسينما،‭ ‬والموضة،‭ ‬وأنماط‭ ‬الحياة،‭ ‬مما‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬الحياة،‭ ‬والذوق‭ ‬العام،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭:‬

{‭ ‬الهيمنة‭ ‬السينمائية‭ ‬الأمريكية‭ ‬عبر‭ ‬هوليوود،‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬الشرق‭ ‬غالبًا‭ ‬بصورة‭ ‬نمطية،‭ ‬إما‭ ‬كمنطقة‭ ‬نزاع‭ ‬أو‭ ‬كبيئة‭ ‬متخلفة،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬الشعوب‭ ‬لأنفسها‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭.‬

{‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمناسبات‭ ‬غير‭ ‬محلية‭ ‬مثل‭ (‬الهالوين‭) ‬و‭(‬الفالنتاين‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬اختراقًا‭ ‬ثقافيًا‭ ‬عميقًا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الشباب،‭ ‬ويثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬والانتماء‭.‬

ثالثًا‭: ‬التعليم‭ ‬والإعلام،‭ ‬أدوات‭ ‬التغيير‭ ‬الناعمة؛‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تتبنى‭ ‬نماذج‭ ‬تعليمية‭ ‬غربية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬أو‭ ‬طرق‭ ‬التفكير‭ ‬والتحليل‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الإعلامية‭ ‬العالمية،‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭. ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬تُستخدم‭ ‬لنقل‭ ‬قيم‭ ‬مثل‭ ‬الفردانية،‭ ‬والحرية‭ ‬المطلقة،‭ ‬ونمط‭ ‬الحياة‭ ‬الاستهلاكي،‭ ‬وهي‭ ‬قيم‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬السياقات‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬ويمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬ذلك‭ ‬في‭:‬

{‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬بالتدريس‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وتتبنى‭ ‬مناهج‭ ‬غربية،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬نخب‭ ‬فكرية‭ ‬ذات‭ ‬توجهات‭ ‬ليبرالية،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬السياق‭ ‬المحلي‭.‬

{‭ ‬البرامج‭ ‬والمناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬الممولة‭ ‬غربيًا‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ (‬تكوين‭ ‬قادة‭ ‬المستقبل‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬وفقًا‭ ‬لرؤية‭ ‬غربية‭ ‬للقيادة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نشوء‭ ‬طبقة‭ ‬نخبوية‭ ‬ذات‭ ‬ولاء‭ ‬معرفي‭ ‬للغرب‭.‬

{‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولي‭ ‬الناطق‭ ‬بالعربية‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬الأخبار‭ ‬والأطروحات‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬غربي،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية،‭ ‬ويُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬سرديات‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭.‬

رابعًا‭: ‬التكنولوجيا‭ ‬والسيطرة‭ ‬الرقمية؛‭ ‬هذه‭ ‬السيطرة‭ ‬الرقمية‭ ‬تُعد‭ ‬شكلًا‭ ‬جديدًا‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاحتلال،‭ ‬لكنه‭ ‬غير‭ ‬مرئي،‭ ‬وأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬واستمرارية،‭ ‬ويُعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬مؤسسات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الكبرى‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية‭ ‬للعالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وهذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بتقديم‭ ‬خدمات‭ ‬تقنية،‭ ‬بل‭ ‬تفرض‭ ‬سياسات‭ ‬وقيمًا‭ ‬معينة،‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬المستخدمين‭. ‬وهكذا،‭ ‬يتحول‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬جديدة‭ ‬للصراع‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭:‬

{‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬عبر‭ ‬الخوارزميات،‭ ‬فبعض‭ ‬المنصات‭ ‬تروّج‭ ‬لمحتوى‭ ‬معين‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬الشركة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهميش‭ ‬المحتوى‭ ‬المحلي‭ ‬أو‭ ‬الديني،‭ ‬ويُعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الذوق‭ ‬العام،‭ ‬وهذا‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬

{‭ ‬الرقابة‭ ‬الرقمية،‭ ‬التي‭ ‬تحذف‭ ‬المحتويات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬الإسلامية‭ ‬أو‭ ‬المناهضة‭ ‬للسياسات‭ ‬الغربية،‭ ‬ويُعد‭ ‬هذا‭ ‬شكلًا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الرقابة‭ ‬الثقافية‭.‬

{‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الغربية،‭ ‬فمعظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬المنصات‭ ‬الغربية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتعليم‭ ‬والإدارة‭ ‬وغيرها،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬السيادة‭ ‬الرقمية،‭ ‬ويجعلها‭ ‬عرضة‭ ‬للتأثير‭ ‬الخارجي‭.‬

خامسًا‭: ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان؛‭ ‬يروج‭ ‬الغرب‭ ‬لنموذج‭ ‬محدد‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الشرقية‭ ‬لتبنيه‭. ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬يُقدَّم‭ ‬كقالب‭ ‬عالمي،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يحمل‭ ‬خصوصيات‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية‭ ‬غربية،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعميمها‭ ‬دون‭ ‬تعديل،‭ ‬ويُثير‭ ‬مقاومة‭ ‬ثقافية‭ ‬وسياسية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭. ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬لا‭ ‬ترفض‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬تطبيقها‭ ‬بشكل‭ ‬نمطي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬السياقات‭ ‬المحلية،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬توترًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬واجتماعيًا‭. ‬فالديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬ليست‭ ‬قالبًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬بل‭ ‬تجربة‭ ‬تتشكل‭ ‬وفقًا‭ ‬للخصوصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬لكل‭ ‬مجتمع‭. ‬وحتى‭ ‬نبين‭ ‬ذلك‭ ‬نضرب‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭:‬

{‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والعربية‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬مثل‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يُستخدم‭ ‬كأداة‭ ‬سياسية،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬إنساني‭ ‬بحت،‭ ‬مما‭ ‬يُثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬النيات‭ ‬الحقيقية‭.‬

{‭ ‬الازدواجية‭ ‬في‭ ‬المعايير،‭ ‬فالغرب‭ ‬يتغاضى‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬حليفة‭ ‬له‭ ‬كدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بينما‭ ‬يُسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية،‭ ‬مما‭ ‬يُضعف‭ ‬مصداقية‭ ‬الخطاب‭ ‬الحقوقي‭ ‬الغربي‭.‬

سادسًا‭: ‬الاقتصاد‭ ‬والنظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬تشير‭ ‬الدراسات‭ ‬والمراجع‭ ‬أن‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية،‭ ‬مثل‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي،‭ ‬تفرض‭ ‬شروطًا‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الشرقية‭ ‬مقابل‭ ‬الدعم‭ ‬المالي،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬ويُنظر‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬النموذج‭ ‬السائد‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يسود،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬نماذج‭ ‬أخرى‭ ‬ومنها‭ ‬نظام‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬بديلا‭ ‬قويا‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستبعد،‭ ‬لذلك‭ ‬قامت‭ ‬القوة‭ ‬الغربية‭ ‬بعمل‭ ‬التالي‭:‬

{‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬فرض‭ ‬شروطًا‭ ‬تقشفية‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬واحتجاجات‭ ‬شعبية‭ ‬واسعة،‭ ‬وأضعف‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الفئات‭ ‬الهشة‭.‬

{‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مثل‭ ‬الشراكة‭ ‬الأوروبية‭ ‬المتوسطية،‭ ‬فتحت‭ ‬الأسواق‭ ‬الشرقية‭ ‬أمام‭ ‬المنتجات‭ ‬الغربية،‭ ‬وأضعفت‭ ‬الصناعات‭ ‬المحلية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭.‬

{‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬تمنح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وتوجيه‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬مما‭ ‬يُقيد‭ ‬استقلالية‭ ‬القرار‭ ‬الاقتصادي‭.‬

هذا‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬يُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ويحدّ‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬الشرقية‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬سياسات‭ ‬مستقلة،‭ ‬ويُكرّس‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬المركز‭ (‬الغرب‭) ‬والهامش‭ (‬الشرق‭).‬

وختامًا،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬متشائمين‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬الدرجات‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬الشرق‭ ‬مستسلمًا،‭ ‬وإنما‭ ‬ظهرت‭ ‬حركات‭ ‬فكرية‭ ‬وثقافية‭ ‬تسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية،‭ ‬وإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬التراث،‭ ‬وتقديم‭ ‬نماذج‭ ‬بديلة‭ ‬للتنمية‭ ‬والتقدم‭. ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬لغاتها‭ ‬وثقافاتها‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والإعلام،‭ ‬كمحاولة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية،‭ ‬واستعادة‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭. ‬وهذه‭ ‬الحركات‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬الصناعات‭ ‬المحلية‭ ‬والوطنية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬واستعادة‭ ‬المحتوى‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي‭ ‬كلها‭ ‬محاولات‭ ‬لتعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬طمس‭ ‬الهوية‭ ‬والغربة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬الغرب‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا