العدد : ١٧٣٧٧ - الاثنين ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧٧ - الاثنين ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

قراءة في مضامين خطاب ترامب أمام الكنيست وانعكاساته الإقليمية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

السبت ١٨ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬لحظة‭ ‬سياسية‭ ‬مشحونة‭ ‬بالتوترات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والتحولات‭ ‬العالمية،‭ ‬جاء‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬أمام‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ليكشف‭ ‬بصورة‭ ‬أوضح‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب،‭ ‬ومدى‭ ‬انخراط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬المستمرة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الخطاب‭ ‬مجرد‭ ‬زيارة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬رمزي،‭ ‬بل‭ ‬تجسيدًا‭ ‬لتحالفٍ‭ ‬سياسي‭ ‬وعسكري‭ ‬يرسّخ‭ ‬هيمنة‭ ‬القوة‭ ‬وازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬العدالة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تحدّث‭ ‬فيليب‭ ‬كولينز‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الأوبزيرفر‭ ‬عن‭ ‬أقوال‭ ‬وأفعال‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬لأي‭ ‬سلطة‭ ‬سوى‭ ‬صوته‭ ‬الداخلي‮»‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬تجلى‭ ‬مجددًا‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025‭. ‬وجاءت‭ ‬زيارته‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المراسلين‭ ‬الغربيين،‭ ‬ومنهم‭ ‬كيث‭ ‬جونسون‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬بـ«جولة‭ ‬النصر‮»‬‭ ‬عقب‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بين‭ ‬نظام‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرف‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭.‬

ألقى‭ ‬ترامب‭ ‬خطابًا‭ ‬استمر‭ ‬ساعة‭ ‬كاملة،‭ ‬امتلأ‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬بالتفاخر‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬التمهيد‭ ‬لما‭ ‬وصفه‭ ‬بـ«فجر‭ ‬تاريخي‭ ‬لشرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‮»‬،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬وازدهار‭ ‬شامل‮»‬‭ ‬للمنطقة‭. ‬وجوهر‭ ‬كلمته‭ ‬وظهوره‭ ‬أمام‭ ‬الكنيست‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬سوى‭ ‬تأكيد‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬تواطؤ‭ ‬واشنطن‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭.‬

لقد‭ ‬أقرت‭ ‬لجنة‭ ‬التحقيق‭ ‬الدولية‭ ‬المستقلة‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025‭ ‬بأن‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬تمثل‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬استمرارها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬لولا‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والعسكري‭ ‬الأمريكي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اختيار‭ ‬ترامب‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المقربين‭ ‬لتولي‭ ‬مفاصل‭ ‬القرار‭ -‬من‭ ‬بينهم‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو،‭ ‬ووزير‭ ‬الحرب‭ ‬بيت‭ ‬هيجسيث،‭ ‬ومستشاره‭ ‬الخاص‭ ‬ومبعوثه‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ستيف‭ ‬ويتكوف،‭ ‬والجنرال‭ ‬دان‭ ‬كين‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬المشتركة،‭ ‬وصهره‭ ‬جاريد‭ ‬كوشنر‭- ‬سيُذكر‭ ‬تاريخيًا‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬الحلقة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬دعمت‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬إبادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

إن‭ ‬الاستقبال‭ ‬الحافل‭ ‬الذي‭ ‬ناله‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬أعضاء‭ ‬الكنيست،‭ ‬والذي‭ ‬تخلله‭ ‬تصفيق‭ ‬متكرر‭ ‬وهتافات‭ ‬باسمه‭ ‬عقب‭ ‬كل‭ ‬جملة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬أعاد‭ ‬للأذهان‭ ‬ما‭ ‬لقيه‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬ترحيب‭ ‬مماثل‭ ‬عندما‭ ‬ألقى‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2024،‭ ‬وهو‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬قد‭ ‬طلب‭ ‬فيه‭ ‬بالفعل‭ ‬إصدار‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيف‭ ‬دولية‭ ‬بحقه‭ ‬بتهم‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭.‬

ورغم‭ ‬أهمية‭ ‬الحدث،‭ ‬اختارت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬تجنب‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬ترامب‭ ‬لإسرائيل‭ ‬تمثل‭ ‬تعاونًا‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬مطلوب‭ ‬للعدالة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭. ‬فقد‭ ‬قللت‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬لصالح‭ ‬تغطية‭ ‬مقتضبة‭ ‬لتصريحاته‭ ‬المثيرة،‭ ‬واهتمت‭ ‬بإبراز‭ ‬واقعة‭ ‬طرد‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬اليساريين‭ ‬الذين‭ ‬احتجوا‭ ‬على‭ ‬خطابه‭ ‬داخل‭ ‬الكنيست‭.‬

لكن‭ ‬التمعن‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬ترامب‭ ‬يُظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬تورط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إشارته‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬محددة‭ ‬تبرز‭ ‬المسؤولين‭ ‬المباشرين‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬المروعة‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬كيث‭ ‬جونسون‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬خطاب‭ ‬متشعب‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬ترامب‭ ‬المعتاد‮»‬،‭ ‬لاحظت‭ ‬كارين‭ ‬دي‭ ‬يونغ‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬تجنب‭ ‬توجيه‭ ‬إهاناته‭ ‬المعتادة‭ ‬لأسلافه‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬مفضلًا‭ ‬الإشادة‭ ‬بـ«انتصار‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بمساعدتنا،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬السلاح‮»‬‭.‬

كشف‭ ‬معهد‭ ‬واتسون‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬والعامة‭ ‬بجامعة‭ ‬براون‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬هذا‭ ‬الدعم،‭ ‬موثقًا‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أنفقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬21‭.‬7‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬كمساعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬مباشرة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬12‭.‬07‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أخرى‭ ‬لتمويل‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬إيران،‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬مصالح‭ ‬واشنطن‭ ‬وحليفتها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

كما‭ ‬وثقت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية،‭ ‬أبرزها‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش،‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬والقنابل‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصنع‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمدارس‭. ‬وأدان‭ ‬جيري‭ ‬سيمبسون،‭ ‬المدير‭ ‬المساعد‭ ‬لقسم‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬المنظمة،‭ ‬الحكومات‭ ‬الممولة‭ ‬والمسلحة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬دولة‭ ‬تستطيع‭ ‬الادعاء‭ ‬بجهلها‭ ‬بما‭ ‬تُستخدم‭ ‬أسلحتها‭ ‬من‭ ‬أجله‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تجاهلت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحذيرات،‭ ‬إذ‭ ‬أبلغت‭ ‬الكونجرس‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025‭ ‬نيتها‭ ‬بيع‭ ‬أسلحة‭ ‬جديدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بقيمة‭ ‬6‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬تشمل‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬لمروحيات‭ ‬أباتشي‭ ‬هجومية‭ ‬و3200‭ ‬مركبة‭ ‬قتال‭ ‬مشاة‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬الداعم‭ ‬عسكريًا‭ ‬وسياسيًا‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬المدنيين‭. ‬فقبل‭ ‬خطابه‭ ‬بالكنيست،‭ ‬لم‭ ‬يُشر‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬المعاناة‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ووصف‭ ‬القصف‭ ‬والتجويع‭ ‬المتواصلين‭ ‬للأطفال‭ ‬بأنهما‭ ‬مجرد‭ ‬أمرين‭ ‬‮«‬سيئين‮»‬‭ ‬و«قاسيين‮»‬‭. ‬كما‭ ‬قلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬واعتبره‭ ‬‮«‬سيئًا‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬أشاد‭ ‬بما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬شجاعة‮»‬‭ ‬نتنياهو‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬ذكراها‭ ‬الثانية‭.‬

وتفاقم‭ ‬المشهد‭ ‬داخل‭ ‬الكنيست‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬ترامب‭ ‬بذكر‭ ‬مستشاريه‭ ‬الرئيسيين‭ ‬الذين‭ ‬دعموا‭ ‬بلا‭ ‬مبرر‭ ‬استمرار‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وتصعيده‭ ‬ضد‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬شركاء‭ ‬مباشرين‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬عانى‭ ‬منها‭ ‬المدنيون‭ ‬الفلسطينيون‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬33‭ ‬تصفيقًا‭ ‬حارًا‭ ‬لخطاب‭ ‬ترامب،‭ ‬حضر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ويتكوف‭ ‬وكوشنر‭ ‬وميريام‭ ‬أديلسون،‭ ‬صاحبة‭ ‬كازينو‭ ‬في‭ ‬لاس‭ ‬فيغاس‭ ‬وأحد‭ ‬كبار‭ ‬الداعمين‭ ‬الماليين‭ ‬المؤيدين‭ ‬لإسرائيل‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬والتي‭ ‬أقرّ‭ ‬ترامب‭ ‬بتأثيره‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬الخارجية‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

أما‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬عليه‭ ‬الانزعاج‭ ‬من‭ ‬إشادة‭ ‬ترامب‭ ‬به،‭ ‬فكان‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬المشتركة‭ ‬الجنرال‭ ‬رازين‭ ‬كين،‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬الكاتب‭ ‬مارك‭ ‬بودين‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬أتلانتيك‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬الجنرال‭ ‬المفضل‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬الجمهوريين،‭ ‬حتى‭ ‬تمت‭ ‬ترقيته‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬متجاوزًا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬38‭ ‬مسؤولًا‭ ‬أعلى‭ ‬رتبة‭ ‬منه‭. ‬وقد‭ ‬جلس‭ ‬كين،‭ ‬مع‭ ‬مئات‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين،‭ ‬صامتًا‭ ‬بينما‭ ‬أعلن‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬سبتمبر‭ ‬2025‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬تتعرض‭ ‬لهجوم‭ ‬من‭ ‬الداخل‮»‬،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وخاصة‭ ‬قصف‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2025‭. ‬

وبدلًا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬قال‭ ‬ترامب‭ ‬إن‭ ‬كين‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬الجنرالات‭ ‬الإعلاميين‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬اعتادوا‭ ‬الظهور‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬لتوجيه‭ ‬النصائح‭ ‬إلى‭ ‬قادة‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬السابقين‭ ‬بعدم‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وأثناء‭ ‬كلمته‭ ‬أمام‭ ‬الكنيست،‭ ‬ركّز‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬على‭ ‬نتنياهو‭ ‬إذ‭ ‬أظهر‭ ‬دعمه‭ ‬الكامل‭ ‬له‭ ‬باعتباره‭ ‬حليفًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬مقربًا‭ ‬وشريكًا‭ ‬في‭ ‬التوجهات‭ ‬المشتركة‭ ‬بينهما‭. ‬ومع‭ ‬إعلان‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬رأت‭ ‬كسينيا‭ ‬سفيتلوفا،‭ ‬الزميلة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بتشاتام‭ ‬هاوس،‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬نتنياهو‭ ‬‮«‬انهارت‭ ‬واحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬احتمال‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬مبكرة‭ ‬كبير،‭ ‬وهزيمته‭ ‬قد‭ ‬تجبره‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬نتائج‭ ‬محاكمته‭ ‬بتهم‭ ‬الفساد‭ ‬المؤجلة‭ ‬مرارًا‭. ‬

ولأن‭ ‬نتنياهو‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حاول‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬سابق‭ ‬كسب‭ ‬ودّ‭ ‬ترامب‭ ‬بتأييده‭ ‬لترشيحه‭ ‬لجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬فقد‭ ‬ردّ‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بطلبٍ‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إسحاق‭ ‬هرتسوغ،‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬عفوًا‭ ‬من‭ ‬تهم‭ ‬الفساد‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه،‭ ‬معتبرًا‭ ‬تلك‭ ‬الاتهامات‭ ‬بسيطة‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬الاهتمام،‭ ‬ووصفها‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬‮«‬قضية‭ ‬سيجار‭ ‬وزجاجات‭ ‬شمبانيا‮»‬،‭ ‬متسائلًا‭ ‬باستخفاف‭: ‬‮«‬ومن‭ ‬يهتم‭ ‬بذلك‭ ‬أصلًا؟‮»‬‭.‬

وصف‭ ‬كولينز‭ ‬الموقف‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لحظة‭ ‬مسرحية‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬اعتبر‭ ‬جيمي‭ ‬ديتمر‭ ‬من‭ ‬بوليتيكو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬تدخل‭ ‬الجمهوريين‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬بطريقة‭ ‬‮«‬استفزازية‭ ‬وغير‭ ‬دبلوماسية‮»‬‭ ‬لمساندة‭ ‬حليف‭. ‬أما‭ ‬داليا‭ ‬شيندلين،‭ ‬الزميلة‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬سينشري‭ ‬فاونديشن‭ ‬بنيويورك،‭ ‬فنددت‭ ‬بخطاب‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الكنيست،‭ ‬قائلة‭ ‬إنه‭ ‬أظهر‭ ‬‮«‬غياب‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬عملياتها‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أشاد‭ ‬الجمهوريون‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬واستمرار‭ ‬دعمهم‭ ‬الكامل‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬أشارت‭ ‬دي‭ ‬يونغ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬‮«‬تجنب‭ ‬تمامًا‭ ‬ذكر‭ ‬الانقسامات‭ ‬العميقة‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬،‭ ‬مثل‭ ‬مستقبل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬وإقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭. ‬ووفقًا‭ ‬لتحليل‭ ‬حسين‭ ‬آغا‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أكسفورد‭ ‬وروبرت‭ ‬مالي‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬ييل،‭ ‬فإن‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬ذات‭ ‬النقاط‭ ‬العشرين‭ ‬‮«‬تُلزم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالتكفير‭ ‬عن‭ ‬أفعال‭ ‬حماس‮»‬‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تطالب‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمحاسبة‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬‮«‬الوحشية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬عامين‭ ‬متتاليين‭. ‬

وأعربت‭ ‬دي‭ ‬يونغ‭ ‬عن‭ ‬أسفها‭ ‬لأن‭ ‬واشنطن‭ ‬لم‭ ‬تمارس‭ ‬ضغطًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬تضمن‭ ‬سلامًا‭ ‬دائمًا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬ترامب‭ ‬أثناء‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ - ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬حاليًا‭ ‬بخيار‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬أو‭ ‬الدولتين‭ ‬وسيتخذ‭ ‬قراره‭ ‬‮«‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‮»‬‭ ‬لاحقًا‭ - ‬عمّقت‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ستظل‭ ‬خاضعة‭ ‬لمطالب‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬واللوبي‭ ‬المؤيد‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بما‭ ‬ينكر‭ ‬عمليًا‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭.‬

خلصت‭ ‬سفيتلوفا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضغط‭ ‬السياسي‭ ‬المتزايد‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أجبر‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬عندما‭ ‬خاطب‭ ‬ترامب‭ ‬السياسيين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬أكتوبر‭. ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬لمستقبل‭ ‬غزة،‭ ‬جاءت‭ ‬خطته‭ ‬‮«‬غامضة،‭ ‬بلا‭ ‬جداول‭ ‬زمنية‭ ‬أو‭ ‬آليات‭ ‬تنفيذ‭ ‬أو‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬الانتهاكات‭ ‬المتوقعة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬آغا‭ ‬ومالي‭. ‬وقد‭ ‬عكست‭ ‬تصريحاته‭ ‬تواطؤ‭ ‬إدارته‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وكشفت‭ ‬عن‭ ‬الشخصيات‭ ‬الرئيسية‭ ‬المسؤولة‭ ‬عنها‭. ‬

ورغم‭ ‬تشتت‭ ‬أفكاره‭ ‬في‭ ‬الخطاب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كلماته‭ ‬أكدت‭ ‬مدى‭ ‬انسجام‭ ‬واشنطن‭ ‬مع‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو،‭ ‬كما‭ ‬أظهر‭ ‬تدخله‭ ‬العلني‭ ‬لطلب‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الفساد‭ ‬الداخلي‭ ‬التزام‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬بالإبقاء‭ ‬على‭ ‬حليفه‭ ‬في‭ ‬السلطة‭.‬

وهكذا،‭ ‬يظهر‭ ‬خطاب‭ ‬ترامب‭ ‬أمام‭ ‬الكنيست‭ ‬بوصفه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬موقف‭ ‬سياسي‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬وثيقة‭ ‬تُدين‭ ‬النهج‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتبرير‭ ‬جرائمه،‭ ‬وتجاهل‭ ‬معاناة‭ ‬ملايين‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وبينما‭ ‬يواصل‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬تغطية‭ ‬سياسات‭ ‬حلفائه‭ ‬تحت‭ ‬شعارات‭ ‬‮«‬الأمن‮»‬‭ ‬و«الاستقرار‮»‬،‭ ‬تتكشف‭ ‬الحقيقة‭ ‬المرة‭: ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬العادل‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬تضع‭ ‬حساباتها‭ ‬السياسية‭ ‬فوق‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وتغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا