استوعب المسلمون ما جاء في الحضارات العالمية من قيم رفيعة، ووسائل وقيم سامية ارتقت بالبشرية حتى تقدموا على غيرهم، ونالوا سبق القصب في كل مجال من المجالات حتى صاروا ميزانًا توزن به الأقوال، والأفعال، والأحوال، وأصبح إطلاق وصف المتقدم، والمتحضر لا يجوز إطلاقه على أي إنسان، بل لا بد أن يكون هذا الإنسان هو من اكتملت فيه وصف الحضارة ومقوماته، ولذلك وضعوا لهم قوانينهم الخاصة بهم، والتي لم يشاركهم فيها أحد، فصار الإنسان الحضاري في نظرهم هو من حاز عندهم شيئا من هذه الصفات قليلها أو كثيرها، وصار ميزانهم الخاص بهم هو المعيار الذي يزنون به أحوالهم، وأحوال الأمم التي سبقتهم في مجال التقدم حتى وإن كان هذا الميزان فاسدًا لفساد بعض قيمه ومبادئه.
والإسلام لا يقبل هذا ولا يرتضيه، بل إنه لا يرتضيه لغيره فضلًا عن أن يرتضيه ويقبله لنفسه، بل إنه لا يشجع عليه لأحد من الناس لأنه يساعد على استشراء الفساد، وهو لا ينحو نحوه، رضي من رضى، وأبى من أبى، والأمة الإسلامية لها موازينها الخاصة بها المستمدة من دينها ومن كتاب ربها سبحانه وتعالى، ومن قيم الإسلام وموازينه التي أسسها على الإسلام فيما يأخذ، وفيما يدع. وتبدأ بالقيم الأخلاقية التي لا يرضى الإسلام بديلًا عنها، ولا يرضى بغيرها، فلقد بُعِثَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خاتمًا ليتمم مكارم الأخلاق، ويؤسس تلك الدوحة العظيمة التي جاءت بقيم الإسلام، يقول (صلى الله وسلم عليه): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» الإمام مالك.
لم يزعم صلوات ربي وسلامه عليه أنه بُعِثَ لابتداع أخلاق جديدة لم يسبق للبشرية عهد بها إنما هو باعتباره خاتم الأنبياء، فإن الله تعالى اختاره، واصطفاه ليقوم بإكمال ما بدأه إخوانه الأنبياء السابقون – وحاشاه أن يفعل غير ذلك -، فلقد أثبت ما كان موجودًا منها، وتسامت حتى أصبحت قيمًا في القمة في عظمتها وفي رقيها، وأكد دوره الفاصل، والفاعل في إعلاء شأن هذه القيم الموجودة والمعروفة للناس، ثم أثبت أنه يعترف بها ولا يقلل من شأنها، ولنستمع إليه وهو يؤكد أهمية هذه القيم ومدى تأثيرها حين اعتبرها قيمًا ثابتة في حياة الإنسان تعلو بشأن الإنسان، وها هو رسول الإسلام العظيم يحمل راية الدعوة إليها، ويؤكد مكانتها ومحلها في المسلمين وقيمهم الخلقية.
يقول صلى الله عليه سلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم الكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» رواه مسلم].
إن ملازمة الصدق والإصرار عليه تمنح هذه الصفة العظيمة المؤمن قوة على قوته، وتجعله قادرًا على حسن الاختيار. وليس عجيبًا ولا مستغربًا أن يقف الإسلام هذا الموقف من القيم ويرتقي بها هذه المنزلة بعد أن اكتملت عظمة الإسلام وبعد أن اكتملت عناصر القوة وصارت الأمة الإسلامية أمة تستحق أن تحمل عن جدارة وصف الأمة الإسلامية، قال تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل...) الحج / 78.
إن الكمال لا ينتج إلا كمالا والتمام لا يظهر إلا تماما، ولقد ختم الله تعالى الأديان بدين الإسلام، وختم النبوات بنبوة محمد بن عبدلله (صلى الله عليه وسلم)،. وختم المعجزات بمعجزة القرآن، وأيضا ختم الأمم بالأمة الإسلامية، فقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا..) المائدة / 3.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك