العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الجمل ضحية النجاح

من‭ ‬غرائب‭ ‬مفاهيمنا‭ ‬أننا‭ ‬نشيد‭ ‬بالرجولة‭ ‬والمرجلة،‭ ‬وليس‭ ‬بـ«الأنوثة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬مدح‭ ‬امرأة‭ ‬قلنا‭ ‬إنها‭ ‬بعشرة‭ ‬أو‭ ‬مائة‭ ‬رجل‭. ‬وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬إليكم‭ ‬حكاية‭ ‬حقيقية‭ ‬تعود‭ ‬وقائعها‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭: ‬امرأة‭ ‬كويتية‭ ‬حُرمت‭ ‬من‭ ‬الذرية‭ ‬دهراً‭ ‬طويلاً،‭ ‬ثم‭ ‬حدثت‭ ‬المعجزة‭ ‬وأنجبت‭ ‬طفلاً‭ ‬جميلاً،‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ولداً،‭ ‬نقول‭ ‬هذا‭ ‬ونحن‭ ‬نتذكر‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬عندما‭ ‬يرزق‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬بولد‭ ‬تنهال‭ ‬عليه‭ ‬التهاني‭: ‬ألف‭ ‬مبروك‭. ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬تبارك‭ ‬الله،‭ ‬أما‭ ‬عندما‭ ‬تخبر‭ ‬الناس‭ ‬أنك‭ ‬رزقت‭ ‬ببنت‭ ‬فإن‭ ‬رد‭ ‬فعلهم‭ ‬اللفظي‭ ‬يكون‭: ‬اللي‭ ‬يجيبوا‭ ‬ربنا‭ ‬كله‭ ‬كويس،‭ ‬والله‭ ‬البنات‭ ‬فيهن‭ ‬بركة،‭ ‬خيرها‭ ‬في‭ ‬غيرها،‭ ‬‮«‬وقل‭ ‬لن‭ ‬يصيبنا‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬لنا‮»‬‭!. ‬المهم‭. ‬كانت‭ ‬فرحة‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬الكويتية‭ ‬عارمة‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬وليدها‭ ‬البكر‭ ‬ذكراً،‭  ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬نذرت‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬رزقت‭ ‬بولد‭ ‬ستذبح‭ ‬جملاً‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬يلتحق‭ ‬بها‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬ثم‭ ‬ظهرت‭ ‬نتائج‭ ‬امتحانات‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬واتضح‭ ‬أن‭ ‬المجموع‭ ‬الذي‭ ‬أحرزه‭ ‬ابن‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬لا‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬الالتحاق‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬فأحست‭ ‬الأم‭ ‬الحنون‭ ‬بأنها‭ ‬في‭ ‬مأزق،‭ ‬لأن‭ ‬الخيار‭ ‬الوحيد‭ ‬الباقي‭ ‬كان‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬ابنها‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ولابد‭ ‬بالتالي‭ ‬من‭ ‬تدبير‭ ‬طريقة‭ ‬لذبح‭ ‬الجمل‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬أحدهم‭ ‬أفتى‭ ‬السيدة‭ ‬بأن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تفي‭ ‬بالنذر‭ ‬‮«‬حرفياً‮»‬،‭ ‬وفات‭ ‬على‭ ‬صاحبنا‭ ‬المفتي‭ ‬أن‭ ‬نذرها‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬‮«‬المشروط‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أصلاً‭ ‬لأنها‭ ‬نذرت‭ ‬أن‭ ‬تذبح‭ ‬جملاً‭ ‬‮«‬إذا‮»‬‭ ‬دخل‭ ‬ابنها‭ ‬الجامعة‭!!.. ‬تخيل‭ ‬ان‭ ‬تقف‭ ‬امرأة‭ ‬أمام‭ ‬جامعة‭ ‬لندن‭ ‬او‭ ‬السوربون‭ ‬مصطحبة‭ ‬جملا‭ ‬ومعها‭ ‬جزار‭ ‬من‭ ‬البتان‭ ‬الباكستانيين،‭ ‬مسلح‭ ‬بالسكاكين‭ ‬والسواطير‭.. ‬تخيل‭ ‬الهرج‭ ‬والمرج‭.. ‬وعمليات‭ ‬إنزال‭ ‬مظليين‭.. ‬وإعلان‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬ثم‭ ‬اجتماع‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬للناتو‭ ‬لبحث‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬جمل‭ ‬طروادة‮»‬‭ ‬ولأنها‭ ‬سيدة‭ ‬طيبة،‭ ‬فقد‭ ‬وقف‭ ‬الحظ‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬وحدثت‭ ‬ملابسات‭ ‬وتعديلات‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬القبول،‭ ‬وتم‭ ‬قبول‭ ‬الابن‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬وأبدت‭ ‬إدارة‭ ‬الجامعة‭ ‬تفهماً‭ ‬كاملاً‭ ‬للموقف،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الابن‭ ‬جاهد‭ ‬كثيراً‭ ‬لإقناع‭ ‬أمه‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مسألة‭ ‬الذبح‭ ‬برمتها،‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالتصدق‭ ‬ببعض‭ ‬المال،‭ ‬ولكن‭ ‬انتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بأن‭ ‬اصطحبت‭ ‬الأم‭ ‬جملاً‭ ‬وجزاراً‭ ‬إلى‭ ‬مدخل‭ ‬الجامعة،‭ ‬وخلال‭ ‬بضع‭ ‬ثوان‭ ‬كان‭ ‬الجمل‭ ‬يتخبط‭ ‬في‭ ‬دمائه،‭ ‬وأغمي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الطالبات‭ ‬اللائي‭ ‬راعهن‭ ‬مشهد‭ ‬الدماء‭ ‬المتدفقة‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الجمل،‭ ‬وماتت‭ ‬بريجيت‭ ‬باردو،‭ ‬أو‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تموت‭ ‬بغيظها،‭ ‬لأنها‭ ‬نصبت‭ ‬نفسها‭ ‬‮«‬الأم‭ ‬الروحية‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬الدواب‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬فرحت‭ ‬كثيراً‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬متعاطفاً‭ ‬مع‭ ‬الأم،‭ ‬ولأنني‭ ‬أخاف‭ ‬الجمال‭ ‬والنوق‭ ‬والإبل‭ ‬والبعير‭ ‬والهجن‭ ‬لأنها‭ ‬تسبب‭ ‬لي‭ ‬حالة‭ ‬فوبيا‭/ ‬رهاب‭. ‬المهم‭ ‬أتفهم‭ ‬تماماً‭ ‬مشاعر‭ ‬تلك‭ ‬الأم،‭ ‬واستشعر‭ ‬مدى‭ ‬سعادتها،‭ ‬وقد‭ ‬انتظرت‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬لتفي‭ ‬بالنذر،‭ ‬وسعيد‭ ‬لأن‭ ‬الأقدار‭ ‬لم‭ ‬تُحرجها‭!! ‬فماذا‭ ‬كانت‭ ‬ستفعل‭ ‬إذا‭ ‬التحق‭ ‬ابنها‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬بمدرسة‭ ‬أجنبية‭ ‬وتعين‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬الجامعي‭ ‬‭ ‬مثلا‭ ‬‭ ‬في‭ ‬أوكسفورد‭ ‬أو‭ ‬هارفارد‭ ‬أو‭ ‬تورنتو،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬السلطات‭ ‬للأفراد‭ ‬حتى‭ ‬بذبح‭ ‬الدجاج‭ ‬في‭ ‬الحدائق‭ ‬الخلفية‭ ‬للبيوت؟‭ ‬دعك‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجامعات،‭ ‬وهب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬مكاناً‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت‭ ‬واضطر‭ ‬إلى‭ ‬الالتحاق‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬مثلاً،‭ ‬وهب‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬المصرية‭ ‬تفهمت‭ ‬المسألة‭ ‬وسمحت‭ ‬لها‭ ‬بذبح‭ ‬الجمل‭ ‬أمام‭ ‬الجامعة؟‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لتوصيل‭ ‬جمل‭ ‬إلى‭ ‬مدخل‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الرافعة‮»‬،‭ ‬والرافعة‭ ‬الوحيدة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بمثل‭ ‬تلك‭ ‬المهمة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬حفر‭ ‬أنفاق‭ ‬المترو‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ولكن‭ ‬أحدهم‭ ‬سرق‭ ‬تلك‭ ‬الرافعة‭ ‬التي‭ ‬يعادل‭ ‬ارتفاعها‭ ‬عمارة‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬طبقة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬‮«‬الدبان‭ ‬الأزرق‮»‬‭ ‬يعرف‭ ‬لها‭ ‬مكانا‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬الناس‭ ‬هذا‭! ‬نعود‭ ‬فنقول‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬انتهت‭ ‬على‭ ‬خير،‭ ‬وأن‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت‭ ‬استوعبت‭ ‬صاحبنا‭ ‬وأن‭ ‬أعلى‭ ‬مسؤول‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت‭ ‬وقتها‭ ‬كانت‭ ‬امرأة‭ ‬لها‭ ‬قلب‭ ‬وعواطف،‭ ‬وما‭ ‬يهمني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الجمال،‭ ‬ويا‭ ‬ليت‭ ‬جميع‭ ‬الأمهات‭ ‬يقتدين‭ ‬بتلك‭ ‬الأم‭ ‬الكويتية‭ ‬ليتم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الجمال‭ ‬نهائياً‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا