زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الجمل ضحية النجاح
من غرائب مفاهيمنا أننا نشيد بالرجولة والمرجلة، وليس بـ«الأنوثة»، بل إذا أردنا مدح امرأة قلنا إنها بعشرة أو مائة رجل. وتأسيسا على هذا إليكم حكاية حقيقية تعود وقائعها الى ما قبل ربع قرن: امرأة كويتية حُرمت من الذرية دهراً طويلاً، ثم حدثت المعجزة وأنجبت طفلاً جميلاً، أجمل ما فيه أنه كان ولداً، نقول هذا ونحن نتذكر أنه في الوطن العربي، عندما يرزق الواحد منا بولد تنهال عليه التهاني: ألف مبروك. ما شاء الله، تبارك الله، أما عندما تخبر الناس أنك رزقت ببنت فإن رد فعلهم اللفظي يكون: اللي يجيبوا ربنا كله كويس، والله البنات فيهن بركة، خيرها في غيرها، «وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»!. المهم. كانت فرحة تلك السيدة الكويتية عارمة عندما جاء وليدها البكر ذكراً، وكانت قد نذرت أنه إذا رزقت بولد ستذبح جملاً في مدخل الجامعة التي يلتحق بها فيما بعد، ثم ظهرت نتائج امتحانات الشهادة الثانوية العامة في الكويت، واتضح أن المجموع الذي أحرزه ابن تلك السيدة لا يتيح له الالتحاق بجامعة الكويت، فأحست الأم الحنون بأنها في مأزق، لأن الخيار الوحيد الباقي كان يتمثل في إرسال ابنها إلى جامعة في الخارج، ولابد بالتالي من تدبير طريقة لذبح الجمل على باب جامعة في دولة أجنبية، خاصة وأن أحدهم أفتى السيدة بأن عليها أن تفي بالنذر «حرفياً»، وفات على صاحبنا المفتي أن نذرها ذاك من النوع «المشروط» الذي لا يجوز أصلاً لأنها نذرت أن تذبح جملاً «إذا» دخل ابنها الجامعة!!.. تخيل ان تقف امرأة أمام جامعة لندن او السوربون مصطحبة جملا ومعها جزار من البتان الباكستانيين، مسلح بالسكاكين والسواطير.. تخيل الهرج والمرج.. وعمليات إنزال مظليين.. وإعلان حالة الطوارئ، ثم اجتماع القيادة العسكرية للناتو لبحث موضوع «جمل طروادة» ولأنها سيدة طيبة، فقد وقف الحظ إلى جانبها وحدثت ملابسات وتعديلات في نظام القبول، وتم قبول الابن في جامعة الكويت، وأبدت إدارة الجامعة تفهماً كاملاً للموقف، رغم أن الابن جاهد كثيراً لإقناع أمه بصرف النظر عن مسألة الذبح برمتها، والاكتفاء بالتصدق ببعض المال، ولكن انتهى الأمر بأن اصطحبت الأم جملاً وجزاراً إلى مدخل الجامعة، وخلال بضع ثوان كان الجمل يتخبط في دمائه، وأغمي على بعض الطالبات اللائي راعهن مشهد الدماء المتدفقة من عنق الجمل، وماتت بريجيت باردو، أو كادت أن تموت بغيظها، لأنها نصبت نفسها «الأم الروحية» لكل الدواب.
وعلى الصعيد الشخصي فرحت كثيراً لأنني كنت متعاطفاً مع الأم، ولأنني أخاف الجمال والنوق والإبل والبعير والهجن لأنها تسبب لي حالة فوبيا/ رهاب. المهم أتفهم تماماً مشاعر تلك الأم، واستشعر مدى سعادتها، وقد انتظرت 18 سنة لتفي بالنذر، وسعيد لأن الأقدار لم تُحرجها!! فماذا كانت ستفعل إذا التحق ابنها في طفولته بمدرسة أجنبية وتعين عليه أن يتلقى تعليمه الجامعي – مثلا – في أوكسفورد أو هارفارد أو تورنتو، حيث لا تسمح السلطات للأفراد حتى بذبح الدجاج في الحدائق الخلفية للبيوت؟ دعك من تلك الجامعات، وهب أنه لم يجد مكاناً في جامعة الكويت واضطر إلى الالتحاق بجامعة القاهرة مثلاً، وهب أن السلطات المصرية تفهمت المسألة وسمحت لها بذبح الجمل أمام الجامعة؟ الطريقة الوحيدة لتوصيل جمل إلى مدخل جامعة القاهرة هي «الرافعة»، والرافعة الوحيدة القادرة على القيام بمثل تلك المهمة هي تلك التي كانت تستخدم في حفر أنفاق المترو في القاهرة، ولكن أحدهم سرق تلك الرافعة التي يعادل ارتفاعها عمارة من 16 طبقة، ولم يعد «الدبان الأزرق» يعرف لها مكانا حتى يوم الناس هذا! نعود فنقول: الحمد لله أن المسألة انتهت على خير، وأن جامعة الكويت استوعبت صاحبنا وأن أعلى مسؤول في جامعة الكويت وقتها كانت امرأة لها قلب وعواطف، وما يهمني أكثر من كل ذلك أن كوكب الأرض تخلص من أحد الجمال، ويا ليت جميع الأمهات يقتدين بتلك الأم الكويتية ليتم القضاء على الجمال نهائياً!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك