العدد : ١٧٣٨١ - الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨١ - الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

مقالات

لعبة الليغو والمسؤولية البرلمانية

بقلم: جيهان حسن المرزوقي.

الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬السابعةِ‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬عُوقبتُ‭ ‬لمجردِ‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أشرب‭ ‬الحليبَ‭ ‬قبل‭ ‬دخولي‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي؛‭ ‬فشربُ‭ ‬الحليبِ‭ ‬كان‭ ‬ملزمًا‭ ‬في‭ ‬المدرسةِ‭ ‬التي‭ ‬درستُ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المدارس‭ ‬الأجنبية‭ ‬بأوروبا‭ ‬آنذاك‭. ‬وكان‭ ‬عقابي‮…‬‭ ‬اللعب‭ ‬بلعبة‭ ‬الليغو‭! ‬نعم،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬للمرةِ‭ ‬الأولى‭ ‬مزحةً،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬الصغير‭ ‬حمل‭ ‬درسًا‭ ‬عميقًا‭ ‬ترسخ‭ ‬في‭ ‬عالمي‭ ‬الصغير‭.‬

فبينما‭ ‬تبدو‭ ‬لعبة‭ ‬‮«‬الليغو‮»‬‭ ‬مجردَ‭ ‬وسيلةٍ‭ ‬للتسلية،‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬جوهرِها‭ ‬درسٌ‭ ‬بليغٌ‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬والبناء،‭ ‬والمسؤولية‭. ‬تعلمتُ‭ ‬أن‭ ‬كلَّ‭ ‬قطعةٍ‭ ‬صغيرة‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬تصنعَ‭ ‬فرقًا،‭ ‬وأن‭ ‬الصبرَ‭ ‬والتعاونَ‭ ‬هما‭ ‬سرُ‭ ‬النجاح‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬أحببتُ‭ ‬تلك‭ ‬اللعبةَ‭ ‬وفهمت‭ ‬مفهوماً‭ ‬مهمًا‭: ‬أن‭ ‬الأحلامَ‭ ‬تبنى‭ ‬فكرةً‭ ‬بفكرة‭ ‬حتى‭ ‬تصبحَ‭ ‬واقعًا‭ ‬ملموسًا‭.‬

فقد‭ ‬يبدو‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬رابطَ‭ ‬بين‭ ‬لعبة‭ ‬الليغو‭ ‬والمسؤوليَّةِ‭ ‬البرلمانيَّة،‭ ‬لكن‭ ‬عند‭ ‬التأمُّلِ‭ ‬نجد‭ ‬تشابهًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬الفلسفةِ‭ ‬والمفهوم‭. ‬فالليغو‭ ‬ليست‭ ‬مجردَ‭ ‬لعبة‭ ‬للأطفال،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬درسٌ‭ ‬عميقٌ‭ ‬في‭ ‬البناء،‭ ‬والدقةِ،‭ ‬والتعاون،‭ ‬والرؤية‭ ‬المستقبلية؛‭ ‬وهي‭ ‬نفسُ‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬العملُ‭ ‬البرلمانيُّ‭. ‬كلُّ‭ ‬قطعةٍ‭ ‬في‭ ‬الليغو‭ ‬تمثلُ‭ ‬خطوةً‭ ‬تشريعيَّةً‭ ‬أو‭ ‬رقابيَّة،‭ ‬وكلُّ‭ ‬تنسيقٍ‭ ‬بين‭ ‬القطع‭ ‬يشبه‭ ‬التعاونَ‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬لبناء‭ ‬نموذجٍ‭ ‬ناجح‭.‬

تمامًا‭ ‬كما‭ ‬تُبنى‭ ‬مجسّماتُ‭ ‬الليغو‭ ‬قطعةً‭ ‬فوق‭ ‬أخرى،‭ ‬يُبنى‭ ‬العملُ‭ ‬البرلماني‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬من‭ ‬التشريع،‭ ‬والمساءلة،‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭. ‬فالبرلماني‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬كل‭ ‬‮«‬قطعة‭ ‬قانونية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬الصحيح‭ ‬لتشكيل‭ ‬بناء‭ ‬وطني‭ ‬متماسك‭ ‬يخدمُ‭ ‬المواطنين‭. ‬كلُّ‭ ‬تشريعٍ‭ ‬يُسنّ،‭ ‬وكلُّ‭ ‬نقاشٍ‭ ‬يُدار،‭ ‬وكلُّ‭ ‬رقابةٍ‭ ‬تُمارس،‭ ‬هي‭ ‬لبنةٌ‭ ‬جديدة‭ ‬تُضافُ‭ ‬إلى‭ ‬صرحِ‭ ‬الدولة‭ ‬الكبير‭.‬

العملُ‭ ‬البرلماني،‭ ‬مثل‭ ‬الليغو،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رؤيةٍ‭ ‬واضحة‭. ‬اللاعب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلكُ‭ ‬تصورًا‭ ‬للنموذجِ‭ ‬النهائي‭ ‬لن‭ ‬يصلَ‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬متناسق،‭ ‬والبرلماني‭ ‬الذي‭ ‬يفتقرُ‭ ‬إلى‭ ‬رؤيةٍ‭ ‬وطنيًّة‭ ‬شاملة‭ ‬قد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تشريعاتٍ‭ ‬متناثرة‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬الهدفَ‭ ‬المنشود‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬التخطيط،‭ ‬والدراسة،‭ ‬والتعاون‭ ‬الجماعي،‭ ‬لأن‭ ‬البناء‭ ‬البرلماني‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الجهد‭ ‬الفردي،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬تناغم‭ ‬جهود‭ ‬الجميع‭.‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬عندما‭ ‬تُركّب‭ ‬القطع‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مكانها،‭ ‬يختل‭ ‬التوازن‭ ‬وقد‭ ‬ينهار‭ ‬البناء‭. ‬وهكذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭: ‬التشريعات‭ ‬غير‭ ‬المدروسة،‭ ‬القرارات‭ ‬المتسرعة،‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فجوات‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬القانونية‭ ‬أو‭ ‬الرقابية‭. ‬لذلك،‭ ‬تأتي‭ ‬المسؤولية‭ ‬البرلمانية‭ ‬لتقتضي‭ ‬الدقة،‭ ‬والنزاهة،‭ ‬والوعي‭ ‬الكامل‭ ‬بأثر‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭. ‬وكما‭ ‬يبني‭ ‬اللاعب‭ ‬نموذج‭ ‬الليغو‭ ‬قطعةً‭ ‬قطعة،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬البرلماني‭ ‬الحديث‭ ‬تركيب‭ ‬قوانينه‭ ‬بعناية‭ ‬لتواكب‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي،‭ ‬وقضايا‭ ‬البيئة،‭ ‬فلا‭ ‬يكفي‭ ‬التشريع‭ ‬التقليدي‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬يحتاج‭ ‬المرونة‭ ‬والرؤية‭ ‬المستقبلية‭.‬

وفي‭ ‬النهاية،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الليغو‭ ‬ليست‭ ‬مجردَ‭ ‬لعبة،‭ ‬بل‭ ‬فلسفة‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الواعي‭ ‬والمتقن،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العملَ‭ ‬البرلماني‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬نقاشات‭ ‬داخل‭ ‬القبة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬التشييد،‭ ‬والتطوير،‭ ‬والمساءلة‭. ‬فكما‭ ‬يُبدع‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬القطع‭ ‬ليصنع‭ ‬نموذجًا‭ ‬متكاملًا،‭ ‬يُبدع‭ ‬البرلماني‭ ‬المسؤول‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬الأفكار‭ ‬والقوانين‭ ‬ليبني‭ ‬وطنًا‭ ‬مزدهرًا،‭ ‬قطعةً‭ ‬بقطعة،‭ ‬ومبدأً‭ ‬بمبدأ‭. ‬وكما‭ ‬تُبنى‭ ‬المدن‭ ‬من‭ ‬حجارة‭ ‬صغيرة،‭ ‬تُبنى‭ ‬الأوطان‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬مسؤولة‭.‬

رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭:‬

أنتم‭ ‬الجيلُ‭ ‬الذي‭ ‬يحملُ‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬‮«‬قطعَ‭ ‬المستقبل‮»‬‭. ‬كل‭ ‬فكرة‭ ‬إيجابية،‭ ‬وكل‭ ‬مشاركة‭ ‬مجتمعية،‭ ‬وكل‭ ‬كلمة‭ ‬مسؤولة،‭ ‬هي‭ ‬لبنة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوطن‭.‬

شاركوا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬تابعوا‭ ‬أعمالَ‭ ‬مجلسكم،‭ ‬عبّروا‭ ‬عن‭ ‬آرائكم‭ ‬بوعي‭ ‬واحترام،‭ ‬فبأيديكم‭ ‬تكتملُ‭ ‬الصورة،‭ ‬وتُبنى‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬نحلم‭ ‬بها‭: ‬وطن‭ ‬متماسك،‭ ‬متعاون،‭ ‬يعتز‭ ‬بكل‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭.‬

 

{ باحثة‭ ‬برلمانية‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا