العدد : ١٧٣٨٢ - السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٢ - السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

طفل يدين النظام التعليمي

قلت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬ليوم‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭: ‬إن‭ ‬جامعاتنا‭ ‬‮«‬طارِحة‮»‬‭ ‬وقائمة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الوجاهة،‭ ‬وإنها‭ ‬تدار‭ ‬ببيروقراطية‭ ‬سخيفة‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬مناخ‭ ‬التعلُّم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وعن‭ ‬مشاهدة‭ ‬وتجربة‭ ‬كطالب‭ ‬علم‭ ‬ثم‭ ‬معلم‭ ‬ثم‭ ‬ولي‭ ‬أمر‭ ‬طلاب‭ (‬هم‭ ‬عيالي‭) ‬استطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يتلقى‭ ‬فيه‭ ‬التلميذ‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬دراسته‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬مدرسة‭ ‬بل‭ ‬ورشة‭: ‬طاخ‭ ‬طراخ‭.. ‬حاضر‭ ‬يا‭ ‬اسطى‭.. ‬بس‭ ‬هس‭ ‬ولا‭ ‬كلمة‭... ‬وين‭ ‬الدفتر‭ ‬الأخضر؟‭ ‬تعال‭ ‬باكر‭ ‬مع‭ ‬ولي‭ ‬أمرك‭. ‬وشاءت‭ ‬الصدف‭ ‬انني‭ ‬كنت‭ ‬أقلب‭ ‬اوراقي‭ ‬القديمة‭ ‬بعد‭ ‬كتابة‭ ‬مقال‭ ‬الأمس،‭ ‬وعثرت‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬كتبته‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الوطن‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الحالية‭: ‬وقف‭ ‬طفل‭ ‬مصري‭ ‬لم‭ ‬يكمل‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬أمام‭ ‬موظفة‭ ‬شركة‭ ‬مصر‭ ‬للطيران‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وطلب‭ ‬منها‭ ‬تذكرة‭ ‬سفر‭ ‬الى‭ ‬كندا،‭ ‬فسألته‭ ‬الموظفة‭ ‬عن‭ ‬الباسبور،‭ ‬فقال‭ ‬لها‭: ‬هو‭ ‬ده‭ ‬يا‭ ‬طنط،‭ ‬وقلبت‭ ‬طنط‭ ‬أوراق‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬فوجدته‭ ‬خاصا‭ ‬بأم‭ ‬الطفل‭ ‬ووجدت‭ ‬اسمه‭ ‬مضافا‭ ‬الى‭ ‬الجواز‭ ‬فسألته‭ ‬مسافر‭ ‬لوحدك‭ ‬قال‭: ‬آآآآ‭!! ‬عندك‭ ‬فيزا‭ ‬دخول‭ ‬كندا؟‭ ‬قال‭: ‬فيزا‭ ‬يعني‭ ‬إيه؟‭ ‬طب‭ ‬فين‭ ‬فلوس‭ ‬التذكرة؟‭ ‬هنا‭ ‬وضع‭ ‬الطفل‭ ‬أمامها‭ ‬رزمة‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭ (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الجنيه‭ ‬المصري‭ ‬وقتها‭ ‬مضطرا‭ ‬للعوم‭ ‬في‭ ‬بحار‭ ‬مضطربة‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬قوي‭ ‬البنية‭)‬،‭ ‬هنا‭ ‬نسيت‭ ‬الموظفة‭ ‬التوجيهات‭ ‬التي‭ ‬تقضي‭ ‬بأن‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬الزبون‭ ‬نقوده‭ ‬وجواز‭ ‬سفره‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬تأشيرة‭ ‬دخول‭ ‬الى‭ ‬كندا‭ ‬وتقول‭ ‬له‭: ‬أدينا‭ ‬عرض‭ ‬كتافك،‭ ‬فقد‭ ‬استيقظت‭ ‬فيها‭ ‬غريزة‭ ‬الأمومة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬أنثى‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬وسألته‭: ‬انت‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬كام‭ ‬يا‭ ‬شاطر؟‭ ‬فقال‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الخامس‭!! ‬عايز‭ ‬تروح‭ ‬كندا‭ ‬ليه؟‭ ‬عايز‭ ‬أدرس‭ ‬هناك‭!! ‬طب‭ ‬ليه‭ ‬ما‭ ‬تدرسش‭ ‬هنا؟‭.. ‬الله‭ ‬يخليكي‭ ‬يا‭ ‬طنط‭ ‬أديني‭ ‬التذكرة،‭.. ‬مش‭ ‬عايز‭ ‬ادرس‭ ‬هنا‭.. ‬أصلهم‭ ‬بيضربونا‭ ‬ويشتمونا‭ ‬لو‭ ‬ما‭ ‬حفظناش‭ ‬الدروس‭!! ‬ماما‭ ‬عارفة‭ ‬إنك‭ ‬مسافر؟‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬بتعرفش‭ ‬أوي‭.. ‬يعني‭ ‬حتعرف‭ ‬لأني‭ ‬سبت‭ ‬رسالة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬بقول‭ ‬لها‭ ‬باي‭ ‬باي‭ ‬وأوعدها‭ ‬بأني‭ ‬حارسل‭ ‬لها‭ ‬جواب‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭.. ‬ثم‭ ‬واصل‭ ‬تزويد‭ ‬طنط‭ ‬مصر‭ ‬للطيران‭ ‬بتفاصيل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭: ‬ماما‭ ‬طلعت‭ ‬الشغل‭ ‬قمت‭ ‬شلت‭ ‬الباسبور‭ ‬ولقيت‭ ‬في‭ ‬الدولاب‭ ‬فلوس‭ ‬كتيرة‭ ‬وخدتها‭ ‬عشان‭ ‬أروح‭ ‬كندا‭.. ‬بيقولوا‭ ‬مدارسها‭ ‬حلوة‭ ‬وما‭ ‬بيضربوش‭ ‬فيها‭ ‬العيال‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬المصري‭ ‬‮«‬نابغة‮»‬،‭ ‬وعرف‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السن‭ ‬الغضة‭ ‬ان‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬‮«‬التأليم‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الهرب‭ ‬الى‭ ‬الشوارع‭ ‬أو‭ ‬الى‭ ‬بعض‭ ‬أقاربه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬او‭ ‬قرية‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬قرر‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬يتلقى‭ ‬فيه‭ ‬تعليما‭ ‬حقيقيا‭.. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬ننتبه‭ ‬الى‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يود‭ ‬لو‭ ‬ينتمي‭ ‬الى‭ ‬أقلية‭ ‬ضئيلة‭ ‬العدد‭ ‬تسافر‭ ‬الى‭ ‬الغرب‭ ‬ليس‭ ‬بغرض‭ ‬الصرمحة‭ ‬والصياعة‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬يطلبون‭ ‬‮«‬اللجوء‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬هناك،‭ ‬بل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬الدراسي‭.. ‬ووصفت‭ ‬الطفل‭ ‬بالنابغة،‭ ‬لأنه‭ ‬وبعبارات‭ ‬قصيرة‭ ‬مكثفة‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬لنظامنا‭ ‬التعليمي‭ ‬ما‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬قوله‭ ‬خبراء‭ ‬اليونسكو‭ ‬وجيوش‭ ‬الموجهين‭ ‬التربويين‭ ‬وخبراء‭ ‬المناهج‭.. ‬طفل‭ ‬ذكي‭ ‬يريد‭ ‬استخدام‭ ‬عقله‭ ‬ويريد‭ ‬ان‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬مناخ‭ ‬البحر‭ ‬الابيض‭ ‬المتوسط‭ ‬حار‭ ‬جاف‭ ‬صيفا‭ ‬دافئ‭ ‬ممطر‭ ‬شتاء،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬المدرس‭: ‬مش‭ ‬شغلك‭ ‬يا‭ ‬حمار‭.. ‬هي‭ ‬كده‭ ‬وبس‭! ‬ويريد‭ ‬ان‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬ان‭ ‬الماء‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬عنصرين‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين‭ ‬وعنصر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأوكسجين‭ ‬وهل‭ ‬سيتحول‭ ‬الماء‭ ‬الى‭ ‬قنبلة‭ ‬هيدروجينية‭ ‬لو‭ ‬وضعنا‭ ‬فيه‭ ‬خمسة‭ ‬عناصر‭ ‬هيدروجين‭ ‬إضافية‭! ‬باختصار‭ ‬أدرك‭ ‬النابغة‭ ‬المصري‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬شكلا‭ ‬و«سيرك‮»‬‭ ‬محتوى،‭ ‬وأدرك‭ ‬أنه‭ ‬آدمي‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬لبني‭ ‬البشر‭.. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬ناشدت‭ ‬حكومة‭ ‬كندا‭ ‬منحه‭ ‬تأشيرة‭ ‬صالحة‭ ‬لـ12‭ ‬سنة‭ ‬ليكمل‭ ‬دراسته‭ ‬فيها‭ (‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أحداث‭ ‬سبتمبر‭ ‬الأغبر‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا