العدد : ١٧٣٨١ - الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨١ - الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

جامعاتنا لا تجمع

كلمة‭ ‬‮«‬جامعة‮»‬‭ ‬مشتقة‭ ‬من‭ ‬الاجتماع‭. ‬فهي‭ ‬مكان‭ ‬للاجتماع‭ ‬حول‭ ‬هدف‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلُّم‭ ‬وجني‭ ‬المعرفة،‭ ‬وهي‭ ‬مأخوذة‭ ‬من‭ ‬التسمية‭ ‬اللاتينية‭ ‬يونيفيرسيتي‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬مجتمع‮»‬،‭ ‬‮«‬شركة‮»‬،‭ ‬‮«‬نقابة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مؤسسة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬المرتبطين‭ ‬بكيان‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬هنا‭ ‬‮«‬مجتمع‭ ‬المعلمين‭ ‬والعلماء‮»‬‭.‬

استعانت‭ ‬صحيفة‭ ‬تايمز‭ ‬اللندنية،‭ ‬بألف‭ ‬وثلاثمائة‭ ‬أكاديمي‭ ‬من‭ ‬88‭ ‬دولة‭ ‬لوضع‭ ‬قائمة‭ ‬بأفضل‭ ‬مائة‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تدريس‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وجاءت‭ ‬جامعة‭ ‬كمبريدج‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬القائمة،‭ ‬ولكن‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬احتلت‭ ‬25‭%‬‭ (‬رُبع‭) ‬القائمة،‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬جامعتين‭ ‬إسرائيليتين،‭ ‬وتقاسمت‭ ‬مواقع‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬جامعات‭ ‬فرنسية‭ ‬وكندية‭ ‬المانية‭ ‬واسترالية‭ ‬وروسية‭ ‬وكورية‭. ‬وحتى‭ ‬بلد‭ ‬صغير‭ ‬مثل‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬جامعات‭ ‬وجد‭ ‬مكانا‭ ‬في‭ ‬القائمة‭. ‬وبالطبع‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬القائمة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬وقبل‭ ‬إجراء‭ ‬التصفيات،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬وحتما‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬جامعة‭ ‬عربية‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬أفضل‭ ‬ألف‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭. ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬جامعة‭ ‬عربية‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬‮«‬سواس‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬كلية‭ ‬الدارسات‭ ‬الشرقية‭ ‬والإفريقية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدارسات‭ ‬‮«‬العربية‭/ ‬الشرق‭ ‬أوسطية‮»‬‭. ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الجامعات‭ ‬عندنا‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدارس‭ ‬ثانوية‭ ‬‮«‬عليا‮»‬،‭ ‬يبدأ‭ ‬النشاط‭ ‬فيها‭ ‬وينتهي‭ ‬بجرس‭ ‬رنينه‭ ‬غير‭ ‬مسموع‭. ‬وتنتهي‭ ‬علاقة‭ ‬الطالب‭ ‬بالجامعة‭ ‬بانتهاء‭ ‬المحاضرة‭ ‬‮«‬الأخيرة‮»‬‭ ‬ويا‭ ‬ويل‭ ‬من‭ ‬يضبط‭ ‬متسكعا‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬الجامعة‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬‮«‬الدوام‮»‬،‭ ‬فالحرس‭/ ‬الأمن‭ ‬الجامعي‭ ‬بالمرصاد‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأروقة‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬‮«‬الدوام‮»‬‭. ‬وما‭ ‬اسمعه‭ ‬عن‭ ‬كليات‭ ‬البنات‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬يعطيني‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنها‭ ‬تدار‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬إصلاحيات‭ ‬ودور‭ ‬رعاية‭ ‬للجانحات‭: ‬قيام‭.. ‬جلوس‭.. ‬ممنوع‭ ‬الدخول‭.. ‬تريدين‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬العيادة؟‭ ‬ممنوع‭ ‬الخروج‭! ‬وصلت‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬المحاضرات‭ ‬بثلاث‭ ‬أرباع‭ ‬الساعة؟‭ ‬لماذا؟‭ ‬يا‭ ‬ويلك‭ ‬لو‭ ‬دخلت‭ ‬قاعة‭ ‬محاضرات‭ ‬او‭ ‬‮«‬هوبت‮»‬‭ ‬ناحية‭ ‬المكتبة‭!! ‬الجامعة‭ ‬عندنا‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬يجلس‭ ‬الطالب‭ ‬او‭ ‬الطالبة‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬لالتقاط‭ ‬الدرر‭ ‬التي‭ ‬ينثرها‭ ‬الأستاذ،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مطالبا‭ ‬بتدوين‭ ‬فحوى‭ ‬تلك‭ ‬الدرر‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬حسن‭ ‬الإصغاء‭! ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬للتعب‭ ‬ووجع‭ ‬الرأس‭ ‬فكلام‭ ‬الأستاذ‭ ‬سيصدر‭ ‬في‭ ‬مذكرات‭ ‬توزع‭ ‬عبر‭ ‬عشرات‭ ‬المكتبات،‭ ‬وأونلاين‭ ‬بعد‭ ‬دفع‭ ‬‮«‬المعلوم‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬مكتبات‭ ‬تجارية‭ ‬تتولى‭ ‬أيضا‭ (‬مشكورة‭) ‬إعداد‭ ‬‮«‬البحوث‮»‬‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الطلاب‭ ‬نظير‭ ‬مبلغ‭ ‬معلوم‭! ‬قبل‭ ‬اربعين‭ ‬سنة‭ ‬فقط‭ ‬كانت‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بجامعة‭ ‬الخرطوم‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬تأسيسها‭ ‬مصنفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هيئة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬ضمن‭ ‬أفضل‭ ‬خمسين‭ ‬كلية‭ ‬طب‭ ‬في‭ ‬العالم‭.. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظي‭ ‬ان‭ ‬تلقيت‭ ‬تعليمي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الحركة‭ ‬تهدأ‭ ‬في‭ ‬أروقتها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬الثالثة‭ ‬فجرا‭. ‬فلكل‭ ‬كلية‭ ‬مكتبة‭ ‬تبقى‭ ‬مفتوحة‭ ‬حتى‭ ‬أول‭ ‬المساء‭ ‬بينما‭ ‬تبقى‭ ‬المكتبة‭ ‬الرئيسية‭ ‬مفتوحة‭ ‬حتى‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬مساء‭. ‬وخلال‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬محاضرات‭ ‬وندوات‭ (‬مسائية‭) ‬معظمها‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬له‭ ‬بالشأن‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬وهناك‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬جمعية‭ ‬تمارس‭ ‬أنشطتها‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مخصصة‭ ‬لمثل‭ ‬تلك‭ ‬الأغراض‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الإجازات‭ ‬الصيفية‭ ‬الطويلة‭ ‬كانت‭ ‬كافة‭ ‬مرافق‭ ‬الجامعة‭ ‬باستثناء‭ ‬قاعات‭ ‬المحاضرات‭ ‬تبقى‭ ‬مفتوحة‭ ‬صباح‭ ‬مساء‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مرتبطا‭ ‬بنشاط‭ ‬في‭ ‬حرم‭ ‬الجامعة‭ ‬فهناك‭ ‬دار‭ ‬اتحاد‭ ‬الطلاب‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬المئات‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬إما‭ ‬للسمر‭ ‬او‭ ‬ممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬الخفيفة‭ ‬او‭ ‬متابعة‭ ‬ندوة‭ ‬مغلقة‭ ‬او‭ ‬محاضرة‭ ‬مفتوحة‭. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬تلك‭ ‬الجامعة‭ ‬مثل‭ ‬نظيراتها‭ ‬في‭ ‬البؤس‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭: ‬الدرس‭ ‬انتهى‭ ‬لموا‭ ‬الكراريس‭ ‬وكل‭ ‬حي‭ ‬يروح‭ ‬لحاله،‭ ‬وتطفأ‭ ‬الأنوار‭ ‬وتغلق‭ ‬الأبواب‭ ‬التي‭ ‬يحرسها‭ ‬رجال‭ ‬أشداء‭ ‬من‭ ‬الشبيحة‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذين‭ ‬كنا‭ ‬نراهم‭ ‬في‭ ‬‮«‬درعا‭ ‬وحلب‮»‬‭ ‬ونساء‭ ‬عابسات،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬ممنوع‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬إلا‭ ‬بتصريح‭ ‬يحمل‭ ‬تواقيع‭ ‬عشرة‭ ‬مسؤولين‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬وزيرا‭ ‬الطاقة‭ ‬والزراعة‭ ‬ومدير‭ ‬الجمارك‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا