زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
جامعاتنا لا تجمع
كلمة «جامعة» مشتقة من الاجتماع. فهي مكان للاجتماع حول هدف واحد، هو التعليم والتعلُّم وجني المعرفة، وهي مأخوذة من التسمية اللاتينية يونيفيرسيتي التي تعني «مجتمع»، «شركة»، «نقابة» أو «مؤسسة» من الأشخاص المرتبطين بكيان واحد هو هنا «مجتمع المعلمين والعلماء».
استعانت صحيفة تايمز اللندنية، بألف وثلاثمائة أكاديمي من 88 دولة لوضع قائمة بأفضل مائة جامعة في مجال تدريس العلوم الطبيعية، وجاءت جامعة كمبريدج البريطانية على رأس القائمة، ولكن الجامعات الأمريكية احتلت 25% (رُبع) القائمة، التي ضمت جامعتين إسرائيليتين، وتقاسمت مواقع مختلفة في القائمة جامعات فرنسية وكندية المانية واسترالية وروسية وكورية. وحتى بلد صغير مثل نيوزيلندا ليس فيه أكثر من ست جامعات وجد مكانا في القائمة. وبالطبع فقد كانت القائمة طويلة في بداية الأمر وقبل إجراء التصفيات، وبالتأكيد وحتما وكما هو متوقع لم تكن هناك جامعة عربية واحدة بين أفضل ألف جامعة في العالم في مجال العلوم. بل لا أعتقد ان هناك جامعة عربية تقترب من مكانة «سواس»، وهي كلية الدارسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن في مجال الدارسات «العربية/ الشرق أوسطية». والسبب في ذلك هو ان الجامعات عندنا ليس أكثر من مدارس ثانوية «عليا»، يبدأ النشاط فيها وينتهي بجرس رنينه غير مسموع. وتنتهي علاقة الطالب بالجامعة بانتهاء المحاضرة «الأخيرة» ويا ويل من يضبط متسكعا في أروقة الجامعة بعد نهاية «الدوام»، فالحرس/ الأمن الجامعي بالمرصاد لكل من يبقى في تلك الأروقة بعد نهاية «الدوام». وما اسمعه عن كليات البنات في الجامعات العربية يعطيني الانطباع بأنها تدار على أنها إصلاحيات ودور رعاية للجانحات: قيام.. جلوس.. ممنوع الدخول.. تريدين الذهاب الى العيادة؟ ممنوع الخروج! وصلت في الصباح الباكر قبل بدء المحاضرات بثلاث أرباع الساعة؟ لماذا؟ يا ويلك لو دخلت قاعة محاضرات او «هوبت» ناحية المكتبة!! الجامعة عندنا هي ان يجلس الطالب او الطالبة في أدب لالتقاط الدرر التي ينثرها الأستاذ، من دون ان يكون مطالبا بتدوين فحوى تلك الدرر او حتى حسن الإصغاء! لا داعي للتعب ووجع الرأس فكلام الأستاذ سيصدر في مذكرات توزع عبر عشرات المكتبات، وأونلاين بعد دفع «المعلوم»، بل هناك مكتبات تجارية تتولى أيضا (مشكورة) إعداد «البحوث» نيابة عن الطلاب نظير مبلغ معلوم! قبل اربعين سنة فقط كانت كلية الطب بجامعة الخرطوم التي مر أكثر من قرن على تأسيسها مصنفة من قبل هيئة الصحة العالمية ضمن أفضل خمسين كلية طب في العالم.. وكان من حسن حظي ان تلقيت تعليمي في تلك الجامعة التي لم تكن الحركة تهدأ في أروقتها إلا في نحو الثالثة فجرا. فلكل كلية مكتبة تبقى مفتوحة حتى أول المساء بينما تبقى المكتبة الرئيسية مفتوحة حتى الحادية عشرة مساء. وخلال وبعد كل ذلك تكون هناك محاضرات وندوات (مسائية) معظمها لا علاقة مباشرة له بالشأن الأكاديمي، وهناك نحو ثلاثين جمعية تمارس أنشطتها في أماكن مخصصة لمثل تلك الأغراض. وحتى في الإجازات الصيفية الطويلة كانت كافة مرافق الجامعة باستثناء قاعات المحاضرات تبقى مفتوحة صباح مساء. وإذا لم تكن مرتبطا بنشاط في حرم الجامعة فهناك دار اتحاد الطلاب حيث يلتقي المئات كل ليلة إما للسمر او ممارسة الرياضة الخفيفة او متابعة ندوة مغلقة او محاضرة مفتوحة. أما اليوم فقد أصبحت تلك الجامعة مثل نظيراتها في البؤس في العالم العربي: الدرس انتهى لموا الكراريس وكل حي يروح لحاله، وتطفأ الأنوار وتغلق الأبواب التي يحرسها رجال أشداء من الشبيحة من النوع الذين كنا نراهم في «درعا وحلب» ونساء عابسات، وكل شيء ممنوع بعد نهاية اليوم الدراسي إلا بتصريح يحمل تواقيع عشرة مسؤولين من بينهم وزيرا الطاقة والزراعة ومدير الجمارك.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك