العدد : ١٧٣٧٦ - الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧٦ - الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

إعادة تدوير البامبرز

حدثتكم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬صبي‭ ‬كره‭ ‬المدرسة‭ ‬وسنين‭ ‬المدرسة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬التقريع‭ ‬والعقاب‭ ‬الجسماني‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والده‭ ‬فهرب‭ ‬من‭ ‬البيت،‭ ‬وتم‭ ‬العثور‭ ‬عليه‭ ‬هائما‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بعيدة،‭ ‬واعترفت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مقالاتي‭ ‬بأنني‭ ‬مارست‭ ‬الضرب‭ ‬على‭ ‬خفيف‭ ‬مع‭ ‬عيالي‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬حياتهم‭ ‬الأولى‭ ‬عندما‭ ‬ارتكبوا‭ ‬أخطاء‭ ‬اعتبرتها‭ ‬جسيمة،‭ ‬ولكن‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬كانت‭ ‬القاعدة‭ ‬عندي‭ ‬أن‭ ‬أدخل‭ ‬على‭ ‬عيالي‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬حياتهم‭ ‬الأولى‭ ‬دائما‭ ‬وأنا‭ ‬أحمل‭ ‬لهم‭ ‬شيئا‭ ‬يحبونه،‭ ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أشجعهم‭ ‬على‭ ‬تناول‭ ‬المشروبات‭ ‬الغازية‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أشتريها‭ ‬لهم‭ ‬أحيانا‭ ‬وتكون‭ ‬‮«‬مفاجأة‭ ‬سارة‮»‬،‭ ‬تعقبها‭ ‬تعليقات‭ ‬من‭ ‬نوع‭: ‬أنت‭ ‬مش‭ ‬طبيعي‭ ‬النهار‭ ‬ده‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭! ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أتعمد‭ ‬رفض‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مطالبهم،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬طلبات‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬مستجابة،‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يعرضني‭ ‬للاتهام‭ ‬بالبخل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بنتي‭ ‬مروة‭ ‬بالذات،‭ ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬مدى‭ ‬سعادتي‭ ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬عليها‭ ‬حكاية‭ ‬الأمريكي‭ ‬مارتي‭ ‬بروان‭.‬

عندما‭ ‬يريد‭ ‬مارتي‭ ‬أن‭ ‬يهنئ‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬بمناسبة‭ ‬سعيدة،‭ ‬فإنه‭ ‬يستخدم‭ ‬بطاقة‭ ‬أتته‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬ويقوم‭ ‬بشطب‭ ‬ما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬كلام،‭ ‬وكتابة‭ ‬عبارات‭ ‬التهنئة‭ ‬الخاصة‭ ‬به،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬البامبرز‭ ‬فإنه‭ ‬يجفف‭ ‬البامبرز‭ ‬المشبع‭ ‬بالفضلات‭ ‬البشرية‭ ‬بعد‭ ‬شطفه‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬لإعادة‭ ‬استخدامه،‭ ‬ويصرف‭ ‬لزوجته‭ ‬وبناته‭ ‬الثلاث‭ ‬الكبار‭ ‬لفة‭ ‬ورق‭ ‬تواليت‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬يعني‭ ‬إذا‭ ‬أصيبت‭ ‬إحداهن‭ ‬بإسهال،‭ ‬فعليها‭ ‬أن‭ ‬تقترض‭ ‬من‭ ‬الأخريات،‭ (‬تحت‭ ‬الحساب‭: ‬أختكم‭ ‬مزنوقة‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬وأرجع‭ ‬لكم‭ ‬ورق‭ ‬التواليت‭ ‬من‭ ‬حصتي‭ ‬للأسبوع‭ ‬المقبل‭ ‬أو‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الجيران،‭ ‬بحجة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الأُنس‭ ‬ثم‭ ‬تتسلل‭ ‬إلى‭ ‬الحمام‭) ‬ويسمح‭ ‬مارتي‭ ‬لزوجته‭ ‬بمكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬مع‭ ‬أمها‭ ‬مدة‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬فقط،‭ ‬ويظل‭ ‬واقفا‭ ‬جوارها‭ ‬وهي‭ ‬تتكلم‭ ‬ممسكا‭ ‬بساعة‭ ‬توقيت‭ (‬ستوب‭ ‬ووتش‭) ‬وما‭ ‬أن‭ ‬تنقضي‭ ‬الدقائق‭ ‬الخمس‭ ‬حتى‭ ‬ينزع‭ ‬الهاتف‭  ‬من‭ ‬يدها‭  ‬ويغلق‭ ‬الخط،‭ ‬ويتم‭ ‬إعداد‭ ‬شوربة‭ ‬الطماطم‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬بخلط‭ ‬عبوات‭ ‬الكتشاب‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬الساخن،‭  ‬ويقوم‭  ‬مارتي‭ ‬بسرقة‭ ‬أكياس‭ ‬الكتشاب‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬مطاعم‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الجميع‭. ‬وتحكي‭ ‬كاثي‭ ‬زوجة‭ ‬مارتي‭ ‬أنه‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬عند‭ ‬الزواج‭ ‬دبلة‭ ‬جميلة‭ ‬صفراء‭ ‬ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنها‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬النحاس،‭ ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬أقام‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مقطورة‭ ‬يملكها‭ ‬أخوه‭ ‬قرب‭ ‬مقلب‭ ‬القمامة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬بيت‭ ‬العائلة‭ ‬مزود‭ ‬بمكيفات‭ ‬هواء‭ ‬ومراوح‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مارتي‭ ‬قام‭ ‬بتعطيلها‭ ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬يسمح‭ ‬للعائلة‭ ‬بإضاءة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مصباح‭ ‬كهربائي‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬مساء‭!!‬

والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬مارتي‭ ‬ليس‭ ‬معسرا‭ ‬بل‭ ‬أحواله‭ ‬المادية‭ ‬متيسرة‭ ‬ولديه‭ ‬رصيد‭ ‬مصرفي‭ ‬طيب،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬عياله‭ ‬ينتظرون‭ ‬موته‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬كي‭ ‬يعيشوا‭ ‬كالآخرين،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬السودان‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬التجار‭ ‬على‭  ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬البخل،‭ ‬ويعيش‭ ‬عياله‭ ‬في‭ ‬شظف‭ ‬وعوز،‭ ‬وكانت‭ ‬الملابس‭ ‬التي‭ ‬يرتديها‭ ‬أبشع‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يرتديها‭ ‬من‭ ‬يعملون‭ ‬أُجراء‭ ‬لديه،‭ ‬وبعد‭ ‬إصابته‭ ‬بداء‭ ‬السكر‭ ‬تلوث‭ ‬جرح‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قدميه،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬عيادة‭ ‬ودفع‭ ‬مال‭ ‬لعلاج‭ ‬الجرح‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬الأنسولين‭ ‬لجعل‭ ‬السكر‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة،‭ ‬وبعد‭ ‬تدهور‭ ‬حال‭ ‬القدم‭ ‬المصابة‭ ‬استدعى‭ ‬الطبيب‭ ‬أكبر‭ ‬أولاد‭ ‬الرجل‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬بنبرة‭ ‬حزينة‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتحسن‭ ‬حالة‭ ‬أبيك‭ ‬خلال‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬فقد‭ ‬نضطر‭ ‬إلى‭ ‬بتر‭ ‬قدمه‮»‬‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الابن‭: ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتحسن‭ ‬حالته‭ ‬خلال‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬فابتره‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬بالكامل‭!! ‬صف‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭ ‬بما‭ ‬تشاء‭ ‬من‭ ‬أوصاف،‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنكر‭ ‬أن‭ ‬بخل‭ ‬والده‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جرده‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عاطفة‭ ‬تجاهه‭ ‬فصار‭ ‬يمني‭ ‬نفسه‭ ‬بعيشة‭ ‬هنية‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭!!‬

وأتعس‭ ‬الآباء‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬يتمنى‭ ‬عياله‭ ‬موته،‭ ‬بل‭ ‬يتمنون‭ ‬لو‭ ‬يقضي‭ ‬معظم‭ ‬ساعات‭ ‬اليوم‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا