العدد : ١٧٣٧٤ - الجمعة ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧٤ - الجمعة ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تعالوا ننسف الأوزون

اعترفت‭ ‬مرارا‭ ‬بأنني‭ ‬كنت‭ ‬وإلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأوزون‮»‬‭ ‬من‭ ‬مشتقات‭ ‬البترول،‭ ‬وأن‭ ‬الميكروويف‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الجراثيم،‭ ‬وأن‭ ‬البشاميل‭ ‬طائفة‭ ‬يهودية،‭ ‬وأن‭ ‬الكريم‭ ‬كراميل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬دهانات‭ ‬ترطيب‭ ‬الجسم‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أنني‭ ‬أعرف‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الأوزون‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬وكل‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬شيء‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬وأنه‭ ‬تعرض‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬التلف‭ ‬بسبب‭ ‬التلوث‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬أدخنة‭ ‬المصانع‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭. ‬وسمعت‭ ‬طراطيش‭ ‬كلام‭ ‬بأن‭ ‬نسف‭ ‬الأوزون،‭ ‬سيرفع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬بحيث‭ ‬يضطر‭ ‬الأوروبيون‭ ‬والأمريكيون‭ ‬إلى‭ ‬قضاء‭ ‬معظم‭ ‬شهور‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬حاملين‭ ‬معهم‭ ‬أكياس‭ ‬العملات‭ ‬الصعبة،‭ ‬لأن‭ ‬الحر‭ ‬عندنا‭ ‬سيظل‭ ‬محتفظاً‭ ‬بـ«أصالته‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬سيكون‭ ‬الحر‭ ‬عندهم‭ ‬‮«‬مفبركاً‮»‬‭ ‬وخانقاً‭.  ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬أهيب‭ ‬بشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬اللازمة‭ ‬لقصف‭ ‬الأوزون‭ ‬حتى‭ ‬يزول‭ ‬نهائياً،‭ ‬فترتفع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة،‭ ‬ويذوب‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وتبتلع‭ ‬المياه‭ ‬معظم‭ ‬أجزاء‭ ‬أوروبا‭ ‬فيضطر‭ ‬سكانها‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلينا،‭ ‬حاملين‭ ‬معهم‭ ‬مصانعهم،‭ ‬ومخترعاتهم،‭ ‬فنريهم‭ ‬النجوم‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الظهيرة‭ ‬في‭ ‬المطارات،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬نسمح‭ ‬لهم‭ ‬بالعمل‭ ‬لدينا‭ ‬كأجراء‭ ‬تحت‭ ‬كفالتنا،‭ ‬فتختفي‭ ‬بذلك‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬الغني‭ ‬والجنوب‭ ‬الفقير‭ ‬ونصبح‭ ‬‮«‬كلنا‭ ‬في‭ ‬البؤس‭ ‬شرق‮»‬،‭ ‬ونتزوج‭ ‬ببناتهم‭ ‬مثنى‭ ‬وثلاث‭ ‬ورباع‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬دورنا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنا‭ ‬نهاجر‭ ‬الى‭ ‬ديارهن‭ ‬بحثا‭ ‬عنهن‭!!!‬

ورغم‭ ‬جهلي‭ ‬بشؤون‭ ‬الأوزون،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أحسن‭ ‬حالاً‭ ‬من‭ ‬صاحبنا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬الجلدية‭. ‬ويقول‭ ‬صاحبنا‭: ‬إن‭ ‬ما‭ ‬عزز‭ ‬عنده‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أنه‭ ‬سمع‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬علاج‭ ‬الديمقراطية‭ ‬هو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭. ‬فهم‭ ‬صاحبنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التطعيم‭/‬التلقيح‮»‬‭ ‬يمنع‭ ‬الإصابة‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬التطعيم‭ ‬هو‭ ‬تزويد‭ ‬الجسم‭ ‬بجرعة‭ ‬من‭ ‬الميكروب‭ ‬أو‭ ‬الطفيل‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬مرضاً‭ ‬بعينه،‭ ‬وقياساً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬حقن‭ ‬الجسم‭ ‬بمصل‭ ‬‮«‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬يمنع‭ ‬الإصابة‭ ‬بالديمقراطية‭. ‬وبالمناسبة‭ ‬فإننا‭ ‬جميعنا‭ ‬‮«‬مثقفون‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬العبرة‭ ‬ليست‭ ‬بالمعاني،‭ ‬بل‭ ‬بالعبارات‭ ‬والألفاظ‭ ‬الطنانة‭. ‬فإذا‭ ‬صعدت‭ ‬إلى‭ ‬منبر‭ ‬وأعلنت‭ ‬أمام‭ ‬الملأ‭ ‬‮«‬أن‭ ‬معهد‭ ‬أنزايم‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬سامبدوريا‭ ‬الأمريكية‭ ‬توصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الفسيخ‭ ‬يحوي‭ ‬كاربوهيدرات‭ ‬البلوتونيوم‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الأوزون‭ ‬والبروتون‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬بيكربونات‭ ‬السبانخ‭ ‬تنتج‭ ‬طاقة‭ ‬الكترومغناطيسية،‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬شاي‭ ‬الكرك‭. ‬جملة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬وتلك‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تجعلني‭ ‬ضيفا‭ ‬على‭ ‬استوديوهات‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وصالات‭ ‬الفنادق‭ ‬الفخمة‭ ‬لتناول‭ ‬الوجبات‭ ‬المجانية‭. ‬باختصار‭ ‬بصنع‭ ‬كلمات‭ ‬طنانة‭ ‬مطعمة‭ ‬بمفردات‭ ‬أفرنجية‭ ‬تكفي‭ ‬لإيصال‭ ‬قائلها‭ ‬إلى‭ ‬غايات‭ ‬المجد‭ ‬وإرضاء‭ ‬نزعاته‭ ‬الشوفينية،‭ ‬باعتبار‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مشتقة‭ ‬من‭ ‬اللفظة‭ ‬العامية‭ ‬‮«‬شوفوني‮»‬‭. ‬وكما‭ ‬لاحظت‭ ‬مرارا‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬الكلمة‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬الشوف‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬التي‭ ‬يشتهر‭ ‬أهلها‭ ‬بالعصبية‭ ‬الزائدة‭ ‬في‭ ‬انتمائهم‭ ‬الإقليمي‭ ‬والقطري‭ ‬والقومي‭ ‬والدولي،‭ ‬ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬الكلمة‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬خلايا‭ ‬في‭ ‬الشوف‭ ‬فأصبح‭ ‬يصف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يرفض‭ ‬عضويته‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬شوفيني‮»‬‭. ‬ما‭ ‬علينا‭: ‬دعونا‭ ‬نستغل‭ ‬الهوس‭ ‬بتعلم‭ ‬الانجليزية‭ ‬لنفتك‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الهنود‭ ‬فاضطر‭ ‬الانجليز‭ ‬الى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬لغتهم‭. ‬المهم‭ ‬إن‭ ‬نسف‭ ‬الأوزون‭ ‬فيه‭ ‬خلاص‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ثقبت‭ ‬أوزون‭ ‬سيادتنا‭ ‬وكرامتنا‭. ‬فليأتهم‭ ‬الطوفان‭ ‬ليطلبوا‭ ‬اللجوء‭ ‬عندنا،‭ ‬فنرد‭ ‬لهم‭ ‬‮«‬الجميل‮»‬‭ ‬بأن‭ ‬نجعلهم‭ ‬ينعمون‭ ‬بخيرات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬العربية،‭ ‬ونستمتع‭ ‬بـ«كفالتهم‮»‬‭ ‬وبهدلتهم

بالمناسبة‭ ‬لا‭ ‬حرج‭ ‬ولا‭ ‬تثريب‭ ‬علينا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نعرف‭ ‬كنه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬ترد‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية،‭ ‬فهم‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قصد‭ ‬يقولون‭ ‬عنا‭ ‬نحن‭ ‬المسلمين‭ ‬‮«‬محمدانيين‮»‬‭ ‬Mohammedans‭ ‬ربما‭ ‬قياسا‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬كريستيان‭ ‬أي‭ ‬مسيحيون‭ ‬بالانتساب‭ ‬الى‭ ‬كرايست‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المسيح،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬ليسوا‭ ‬أفضل‭ ‬حالا‭ ‬وأسوأ‭ ‬فهما‭ ‬من‭ ‬المعلمة‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬الأستاذ‭ ‬فهمي‭ ‬هويدي‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬صحفي‭ ‬إن‭ ‬الموجه‭ ‬التربوي‭ ‬سمعها‭ ‬في‭ ‬درس‭ ‬عن‭ ‬الهجرة‭ ‬النبوية،‭ ‬إن‭ ‬الأنصار‭ ‬هم‭ ‬النصارى‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭. ‬غفر‭ ‬الله‭ ‬لها‭ ‬ولنا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا