أول بحرينية تصمم مقياس ذكاء إلكتروني بكلية التربية في جامعة البحرين.. تم تكريمها من قبل سمو الشيخ ناصر كأحد مؤسسي مدينة الشباب.. المعالج النفسي للأطفال والمراهقين فاطمة عبدالمجيد العوضي لـ«أخبار الخليج»:
يقول النبي صلي الله عليه وسلم: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقي الله سبحانه وما عليه خطيئة».
بالفعل إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، ومن رحمة الخالق سبحانه وتعالي أن تظهر مع شدة الأذى الآيات التي تعين على الصبر وتطمئن النفوس لتتحول الآلام إلى آمال مشرقة تضيء لصاحبها الطريق الى مستقبل أجمل.
انها بالفعل مفارقة عجيبة أن تبتلى هذه المرأة وهي المعالجة النفسية بنكبة الفقد فتصاب على إثرها بالاكتئاب وبنوبات من الهلع تدفعها إلى اللجوء بدورها الى طلب المساعدة والأخذ بيدها رغم ما تملكه من مهارات ادراكية مميزة حتى تجاوزت محنة فقد ابنها التي عصرتها ألما ومرارة لتصل إلى حالة من التصالح مع النفس والعيش بسلام.
فاطمة عبدالمجيد العوضي، معالج نفسي للأطفال والمراهقين، أول بحرينية تصمم مقياس ذكاء الكتروني بكلية التربية بجامعة البحرين قسم علم النفس، لم يكن وصولها الى مرحلة التعافي أمرا سهلا أو يسيرا، بل تطلب ذلك المرور برحلة شاقة مليئة بالمطبات والانتكاسات تعلمت خلالها أنه حين يشتد الوجع ويتصاعد الألم، هنا يجب التدخل الصحيح وتلقي العلاج المناسب، حتى تهدأ النفس وتعود إلى مستقرها.
حول هذه التجربة الإنسانية الملهمة كان الحوار التالي:
ماذا كان حلم الطفولة؟
يمكن القول إن اهتمامي بالسلوك الإنساني بشكل عام بدأ منذ طفولتي، فقد كنت أركز في تحليل الشخصيات من حولي وبأفعالهم، كما كنت أهوى الرسم والخط بشدة، أما حلمي في تلك المرحلة فكان أن أصبح وزيرة في المستقبل، وأن أقوم بدور ما في تغيير حياة الآخرين، وقد تحقق حلمي ولكن بصورة مختلفة.
كيف تحقق الحلم؟
لقد التحقت بالمسار التجاري في المرحلة الثانوية، وأقدمت على دراسة تخصص علم النفس في الجامعة، وتميزت كثيرا فيما يسمى بالإحصاء النفسي او المقاييس النفسية، والذي يفيد في حالات التشخيص ومن ثم وضع الخطة العلاجية الصحيحة، علما أن التشخيص يمثل ثلاثة ارباع العلاج، وهو أمر يمثل ثغرة لدينا في دول الخليج عامة، حيث يتم استخدام مقاييس وأدوات أجنبية تطبق في الخارج، ومن هنا جاءتني فكرة اول مشروع الكتروني من نوعه.
وما هو المشروع؟
في عام 2002 كنت اول بحرينية تصمم اختبار ذكاء الكتروني الأول من نوعه، ويتناسب مع بيئة المملكة، وكم كنت سعيدة بأن يتم تطبيقه بعد التخرج من قبل مركز رعاية الموهوبين على أرض الواقع على كثير من الطلبة، وكان ذلك انجازا كبيرا بالنسبة لي اعتز به كثيرا.
وبعد التخرج؟
بعد التخرج في الجامعة لم انتظر حصولي على الوظيفة، بل التحقت بمركز تدريب وتنظيم للفعاليات، وأذكر أننا نظمنا معرضا للعمل التطوعي وكان اول حدث يطبق فكرة بنك للمتطوعين، وقد وفرنا المتطوعين والمعلومات الكافية عنهم، ثم انتقلت الى العمل لدى مؤسسة الشباب والرياضة كأخصائية برامج إبداعية، وكنت من مؤسسي مدينة الشباب وتم تكريمي من قبل صاحب السمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة.
ماذا كان الهدف من مدينة الشباب؟
كان الهدف من هذا المشروع احتضان الشباب في مكان واحد يمثل لهم بيتهم الثاني في العطلة الصيفية، ويجمع بين خدمات التعليم والترفيه ويدرب على كيفية مواجهة التحديات ومن ثم النجاح، وكنا نجري اختبارات نفسية للشباب وبناء عليها يتم اختيار الوفود، ثم بدأ مشواري مع وزارة التربية بعد عامين تقريبا.
بدايتك مع وزارة التربية والتعليم؟
لقد بدأت مشواري مع وزارة التربية كإخصائي موهبة وتفوق، ومع الوقت لم أجد نفسي في هذا العمل الروتيني، فقررت الانتقال الى العمل لدى وزارة التنمية الاجتماعية كمعالج نفسي اكلينيكي، وكان عملي يتعلق بالحالات المجني عليها بمركز حماية الطفل، ولعل أقساها وأشدها ألما هو ما يتعلق بالاعتداء الجنسي.
أصعب محنة مرت بك؟
لا شك أن أشد محنة مرت بي كانت فقدان ابني عند عمر خمس سنوات والذي كان يعاني من شلل دماغي، وكان سبب الوفاة إصابته بأنفلونزا الخنازير، وكانت فترة إقامته في المستشفى لتلقي العلاج من أصعب فترات حياتي حيث تركت اثارا نفسية مدمرة بداخلي، علما أنه توأم ابني محمد، الامر الذي قادني الى طلب المساعدة من الطب النفسي لشدة ما كنت اعاني منه من الم ومرارة، فترقب وانتظار وفاته كان أمرا غير محتمل للغاية وبعد رحيله توقفت حياتي مدة شهر تقريبا إلى أن وصلت الى مرحة التعافي.
كيف تم التعافي؟
رحلتي مع معاناة ابني مع المرض ووفاته علمتني أن العطاء يمحي الألم ويداوي الجرح ويمنح الأمل، وتحقق لي ذلك خلال عملي مع الأطفال بعد عودتي الي عملي، وتزامن ذلك مع رحلة علاجي من نوبات الهلع وحالة الاكتئاب التي أصابتني، وبعد تلقي علاج مكثف مدة ستة اشهر تقريبا تجاوزت المحنة، وتعافيت إلى حد كبير اللهم إلا تعرضي لبعض الانتكاسات من وقت لآخر، ولن أنسى دعم زوجي والعائلة فقد كان لهما الفضل من بعد الله سبحانه وتعالى في عبور هذه المرحلة بسلام، ومن المؤكد أن تجربة الفقد من أصعب التجارب التي قد يمر بها الانسان وخاصة خلال مرحلة الانكار التي يجب الا تطول وحتى وصوله إلى مرحلة التقبل، وهذا ما أحاول فعله على أرض الواقع لمساعدة الحالات المرضية التي أتعامل معها.
إلى أي مدى تطورت النظرة الى الطب النفسي؟
للأسف الشديد مازالت مجتمعاتنا العربية بشكل عام تعاني من وصمة العلاج النفسي ومن قصور النظرة إلى المعالجين في هذا المجال، ومع ذلك أستطيع أن أجزم بأن هناك تطورا نسبيا في هذا الأمر وخاصة من قبل أبناء الجيل الجديد، كما وأن أولياء الأمور اليوم أصبحوا أكثر وعيا تجاه أطفالهم في حال حاجتهم الى المساعدة النفسية واللجوء إلينا للعون.
عملك الحالي؟
اعمل حاليا في احدى العيادات الخاصة ولي الفخر بأني عملت على مشروع مع شركة سويسرية خاص بتطوير تطبيق الكتروني للموظفين في المؤسسات والشركات وتم العمل به على أرض الواقع في سويسرا، وهو يتعلق بتحليل شخصيات الموظفين وتأثير ذلك على العملية الإنتاجية بشكل عام، وتكمن أهميته في أنه يساعد على تنفيذ سياسة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وذلك بحسب طبيعة شخصية الموظف وما تتمتع به من ذكاء اجتماعي وهو أمر مهم لم يحظ بالاهتمام الكافي في مجتمعاتنا للأسف الشديد، هذا في الوقت الذي يتم فيه الانفاق على أمور أخرى لا تحتل نفس الأهمية.
ما هو التأثير النفسي للواقع الافتراضي الذي نعيشه اليوم؟
الواقع الافتراضي الذي نعيشه اليوم له وجهان الأول سلبي والثاني إيجابي يمكن استخدامه في العلاج النفسي وهو ما يسمى بنظارة الواقع الافتراضي وخاصة بالنسبة الى فئة الأطفال المقيمين في المستشفيات، الأمر الذي يساعدهم على حب الحياة، ويحميهم من الشعور باليأس، والانغماس في المرض.
مبدأ تسيرين عليه؟
هناك الكثير من المبادئ والقيم التي أتمسك بها وأضعها دوما أمام عيناي عبر مسيرتي منها مقولة «واجعلني مباركا أينما كنت»، فضلا عن محاولة عدم الارتباط بأشخاص أو بأماكن بعينها، بمعنى آخر الحرص على الحفاظ على التحرر النفسي، والتمتع بقناعة أن قيمتي في نفسي، إضافة إلى أهمية تقبل أي ظروف قد تواجهني مهما كانت صعوبتها، والتعايش معها بكل مرونة فهذه هي الوسيلة المهمة لتخطي مصاعب وضغوط وآلام الحياة، وهو ما أحاول غرسه في نفوس أبنائي منذ صغرهم.
حلمك المستقبلي؟
كم تمنيت اصدار كتاب خاص عن علم النفس انقل من خلاله خبراتي العملية والعلمية الطويلة في هذا المجال ولكن ظروف الحياة لم تمهلني تحقيق هذا الحلم الذي تاه وسط زحمة المسؤوليات، وأتمنى في المستقبل امتلاك عيادة نفسية افتراضية للأطفال سواء داخل مملكة البحرين أو خارجها، وذلك لاستغلال الواقع الافتراضي الذي نعيشه اليوم بشكل إيجابي قد يكون خفي عن الكثيرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك