أول بحرينية استشارية في الجراحة العامة وجراحة المناظير والثدي.. حاصلة على شهادتين عالميتين في جراحة أورام الثدي والعمليات الترميمية والتجميلية.. عضو الجامعة الأمريكية للجراحين.. صاحبة 50 بحثا علميا.. د. سهير خليفة السعد لــ«أخبار الخليج»:
يقول الفقيه الأندلسي ابن حزم عن الإصرار: «قطرة الماء تثقب الحجر.. لا بالعنف ولكن بتواصل السقوط»!
بالإصرار وحده تتحقق الأهداف والطموحات، فهو وراء الأدوار الحاسمة للمرأة في كل المجالات ومنها الحقل الطبي، وذلك بعد منع عملها فيه في فترة ما سواء كطبيبة أو كجراحة على مدار التاريخ في أماكن متفرقة من العالم، لتصبح اليوم مصدر ثقة كبيرة بالنسبة إلى كثير من المرضى، وهناك أسماء لامعة لطبيبات أثبتن جدارتهن بهذه المهنة الإنسانية بعد أن واجهن تحديات جمة في سبيل الوصول الى ما حققناه اليوم من أمجاد.
من أبرز هؤلاء د. سهير خليفة السعد، أول جراحة بحرينية، والتي قررت أن تهزم المستحيل، وتكسر الحواجز، وتحطم القيود، وأن تثبت أن النجاح لا يقاس بالمركز الذي يصل إليه المرء، بل بالعقبات التي تغلب عليها، وذلك بما تحمله من طاقة الإصرار التي مكنتها من ترك بصمة خاصة بها في عالم الطب.
هي ترى أن البدايات قد تكون للجميع، ولكن الثبات للصادقين المثابرين، وأن الجراح الحقيقي لا يهاب شيئا سوى الخوف على مرضاه، وأن المرأة الطبيبة الجراحة تتميز بأداء عال مقارنة بالعنصر الرجالي وهو ما أثبتته بالفعل إحدى الدراسات الحديثة.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
-لقد نشأت في بيئة طموحة ومثقفة، وكان جدي عالمَ دين يملك مكتبة ضخمة في المنزل، أما والدي فهو معلم لغة عربية ودين، ورغم أن والدتي لم تكمل تعليمها إلا أنها سعت دائما لتنمية روح القراءة والاطلاع بداخلنا، وكانت تراني جراحة شهيرة في المستقبل، وقد بذلت قصارى جهدي لتحقيق هذا الطموح، وأصبحت أول طبيبة في عائلتي بعد رحلة من التفوق العلمي والاطلاع المستمر، وقد بدأت مسيرتي العلمية في مدرسة الإرسالية الأمريكية والتي تعلمت فيها الكثير من المبادئ والقيم الجميلة، ثم انتقلت إلى مدرسة المنامة الثانوية، وتخرجت حيث احتللت المرتبة الثانية على مستوى البحرين، ثم توجهت لدراسة الطب في إحدى الجامعات بالمملكة العربية السعودية وعشت هناك تجربة صعبة وممتعة في ذات الوقت.
كيف جاء قرار التخصص في الجراحة؟
-أثناء دراستي للطب تعلقت بشدة بمادة الجراحة، فقررت التخصص في هذا المجال، وشجعتني على ذلك والدتي بدرجة كبيرة رغم صعوبته، وبعد قضاء عام الامتياز عدت إلى مملكة البحرين، وكان رئيس قسم الجراحة في ذلك الوقت د. عبد الوهاب محمد وأذكر أن معظم الأطباء نصحوني حينئذ بأن الجراحة لا تصلح للعنصر النسائي، ومع ذلك أصررت على كسر هذا الحاجز وأثبت للجميع أن المرأة جديرة بالعمل في أي مجال، وبالطبع تطلب الأمر مني بذل جهد مضاعف، حتى أنني كنت أعمل أحيانا لمدة 36 ساعة متواصلة، وبالفعل كنت أول بحرينية تتخصص في الجراحة العامة وجراحة المناظير والثدي.
أول عملية جراحية؟
أول عملية جراحية أجريتها كانت في جدة أثناء عام الامتياز، وكنت سعيدة للغاية، وقد شاركتني فرحتي زميلاتي الجراحات السعوديات، وقد واصلت مسيرتي العلمية وحصلت على الزمالة الإيرلندية والبورد العربي، وترقيت في عملي علما بأنني عملت في إيرلندا مدة عامين تقريبا، وكانت تجربة صعبة بالفعل وخاصة فيما يتعلق بتغيير النظرة إلى المرأة العربية بشكل عام وبإثبات جدارتها ومهاراتها، ومع الوقت كسبت ثقة الجميع كما عملت في مستشفى الحرس الوطني في تبوك ستة أشهر.
نقلة في مشوارك؟
-بعد عملي في مجمع السلمانية الطبي سنوات طوال قررت افتتاح عيادة خاصة بي ومن ثم التفرغ لمشروعي هذا، وهي نقلة مهمة في مشواري، ومع الوقت والنجاح توسعت في مشروعي وأصبح مركزا طبيا متكاملا.
مؤهلات المرأة الجراحة؟
لقد أثبتت المرأة كفاءتها في مختلف المجالات الطبية دون استثناء، وبالنسبة إلى تخصص الجراحة فهو بالطبع يحتاج إلي توفر مؤهلات خاصة أهمها الدقة المتناهية، والقدرة علي اتخاذ قرارات سريعة وعدم التردد تجاه ذلك، والتركيز العالي، والصبر، والمعرفة الواسعة بعلم التشريح ووظائف الأعضاء، والتحلي بمهارات التواصل مع المريض وأهله، وهذا ما تعلمته من عملي في هذا المجال الشديد الحساسية، كذلك إحكام العقل وليس العاطفة، واليوم يمكن الجزم بأن المرأة الجراحة أصبحت محل ثقة كبيرة للمرضى مثلها مثل الرجل على عكس الاعتقاد في السابق، وهناك جراحات متألقات حول العالم وفي مملكة البحرين يشار إليهن بالبنان.
في رأيك ما أسباب انتشار الأورام؟
-من الملاحظ في السنوات الأخيرة تزايد حالات الإصابة بالسرطان بشكل لافت، وأنا أعتقد أن أسلوب الحياة العصري وراء ذلك وخاصة فيما يتعلق بالنظام الغذائي ونوعية وجودة الأطعمة الأمر الذي رفع من خطر الإصابة بالأورام بدرجة كبيرة، هذا فضلا عن ارتفاع نسبة المدخنين والمصابين بالسمنة، وقلة الحركة، والتعرض المفرط للشمس، والتوتر، وغيرها من العوامل التي ساهمت في زيادة احتمالية الإصابة بهذا المرض الخطير فضلا عن مساهمة العامل الوراثي في ذلك.
نصيحتك لأي امرأة؟
-رسالتي لأي امرأة هو الحرص علي إجراء الفحص الطبي اللازم المبكر وبصورة دورية، وهذا فيما يتعلق بسرطان الثدي، لأن ذلك يرفع من نسبة الشفاء، فالعلاج بعد اكتشاف الورم أو تطوره يصبح مشكلة كبيرة، خاصة وأن طرق العلاجات والأدوية اليوم تطورت بشكل كبير، وللأسف الشديد تأتي إلينا بعض الحالات المصابة في مراحل متأخرة وهذا خطأ شائع تعاني منه مجتمعاتنا علي عكس ما يحدث في دول العالم المتقدمة حيث يتم التشخيص مبكرا بسبب توفر الوعي بذلك، ومن ثم تلقي العلاج في الوقت المناسب، والذي يترتب عليه اتساع فرص التشافي قبل فوات الأوان.
ماذا علمتك مهنتك؟
-لا شك أن مهنة الجراح من أصعب المهن التي تتطلب مهارات عالية ودقة متناهية في الأداء، وقد علمتني خبرتي عبر مشواري ضرورة وأهمية الاستماع الي المريض وبمنتهى الصبر، والتعرف على أدق وكل التفاصيل عن حالته، فقد مرت بي حالات كثيرة تمكنت فيها من اكتشاف أسباب المشكلة الصحية وذلك من خلال الإنصات للمريض جيدا ومن ثم منحه الوقت الكافي، الأمر الذي يسهم في التشخيص والعلاج، فأنا أرى أن الطبيب مثل المفتش عليه أن يبحث عن كل ما يتعلق بمريضه، وبالتالي يسير في الطريق الذي من الممكن أن يوصله الى التعرف علي الداء بكل كفاءة..
من وراء نجاحك؟
-يمكن الجزم بأن زوجي وهو يعمل في نفس تخصصي من أكثر الأشخاص الذين ساندوني وشجعوني وحفزوني عبر مسيرتي فهو يقدر عملي جيدا وعلى علم بطبيعته ومتطلباته، وقد دفعني إلى تطوير ذاتي وعملي وخاصة في فترة صعبة للغاية كنت قد مررت بها وواجهت فيها عدم تقبل البعض للمرأة التي تعمل في هذا المجال حيث بذل قصارى جهده لدعمي معنويا وشد من أزري حتي يمكن القول إنه وراء ما حققته اليوم، كذلك لا يفوتني هنا الدور الذي قامت به والدتي تجاهي والتي كانت عاملا أساسيا في تحقيق حلمي أن أصبح أول وأشهر طبيبة جراحة في مملكة البحرين بعد أن آمنت بي وبقدراتي وأخذت بيدي في كل خطواتي منذ بداية المشوار.
طموحك الحالي؟
-الطموحات لا تتوقف طالما حيينا، ولعل ما أتمناه بشدة حاليا هو أن تواصل ابنتي رسالتها في عالم الطب، وأن أراها جراحة شهيرة مثلي، هذا فضلا عن تحقيق حلم الحصول على لقب بروفسور الذي أراني أستحقه خاصة وأنني أصدرت حوالي خمسين بحثا علميا تم نشرهم في مملكة البحرين وخارجها، وبصفة عامة يمكن القول إنني حققت كل ما أتمناه على الصعيد الشخصي، ويكفيني فخرا أنني أول جراحة في وطني وأنني حاصلة على البورد العربي والزمالة الإيرلندية في الجراحة، وعلى شهادتين عالميتين في جراحة أورام الثدي والعمليات الترميمية والتجميلية من لندن وإسبانيا، وعلى عضوية الجامعة الأمريكية للجراحين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك