أول بحرينية تعمل كحكم دولي في كرة السلة للسيدات.. مدربة وعضو الاتحاد البحريني
لرياضات الصم.. فاطمة علي المتوج لأخبار الخليج:
من أجمل ما قاله الأديب العالمي دوستويفسكي عن الاختلاف: «تباهى باختياراتك.. وأظهر رغباتك.. وفاخر بما تحب.. وكن مختلفا عنهم.. فما يناسبهم لا يناسبك.. وما اعتادوا عليه لا يرتقي لذوقك.. فاصنع مزاجك.. وشكل طقوسك.. ولا تخجل من تفردك وتميزك»!
وهذا بالفعل ما حدث مع تلك الفتاة التي تمثل حالة خاصة واستثنائية بين أقرانها في زمن التشابه الذي نعيشه اليوم، وذلك حين قررت أن تصبح أول بحرينية تعمل كمحكم رياضي دولي في كرة السلة للسيدات، لتنافس العنصر الرجالي في مجال ظل حكرا عليه سنوات طوال ففي زمن التشابه اختارت مجالا ظل حكرا على العنصر الرجالي، تحدت فيه نفسها قبل الآخرين، فتركت بصمة نسائية مميزة خاصة بها على الساحة الرياضية.
فاطمة علي حسن المتوج، خريجة تخصص التربية الرياضية بجامعة البحرين، عاشقة للرياضة بكل أنواعها، تؤمن بأنه لا يوجد شيء يمكن أن يعوق عزم الإنسان الحقيقي على التفوق والنجاح، وبأن الإصرار هو طريق الوصول إلى تحقيق الأهداف.
لم تندم قط على دراسة تخصص التربية الرياضية رغم انتظارها للوظيفة منذ أكثر من خمس سنوات، وهي الآن تركز كل جهودها على عملها كمحكم رياضي دولي في لعبة كرة السلة.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي:
متي بدأت علاقتك بالرياضة؟
-علاقتي بالرياضة بدأت مبكرا للغاية، فمنذ طفولتي وأنا عاشقة لمختلف أنواعها، وشجعني على ذلك كون والدتي لاعبة لكرة السلة، لذلك نما بداخلي الشغف الرياضي شيئا فشيئا، وأذكر أنني في البداية كنت أمارس لعبة كرة القدم مع أقاربي من الصبيان، حيث كنت أقوم بدور حارس المرمي، ومن ثم اعتدت على الوجود واللهو مع العنصر الرجالي، وأحببت هذه الرياضة بشدة ولكن والدتي زرعت في حب كرة السلة بصورة أكبر وبالفعل اخترتها للاحتراف.
كيف تم الوصول إلى مرحلة الاحتراف؟
-لقد كانت بدايتي مع لعب كرة السلة في النادي الأهلي وذلك عند عمر 12 عاما، كما مارستها في نادي النجمة، وفي ملاعب المدارس وفي نادي الموهوبين، واستمررت في اللعب والتدريب حتي عمر 17 عاما، ولم أكن أتوقع احترافها، ولم يكن في ذلك الوقت هذا الاهتمام بالرياضة النسائية بشكل عام والذي نراه اليوم بصورة لافتة، حتي إنني تركت اللعبة عند عمر 19 عاما، وتوجهت لتدريب الأطفال في المعسكرات الصيفية، ثم بعد ذلك جاءني عرض للالتحاق بدورة للمحكمين المستجدين لإضافة خبرة جديدة لي وذلك من قبل الأستاذ طلال مال الله بالاتحاد البحريني لكرة السلة.
وبعد الدورة؟
-بعد الدورة عملت بشكل تجريبي كمحكم، وأثنى الجميع على أدائي ووصفوه بالمتميز، وقد جمعت بين مهمة التدريب والتحكيم في ذات الوقت لثلاث سنوات تقريبا، إلى أن وقع نادي شعلة الشرقية النسائي بالمملكة العربية السعودية معي عقدا كمدربة، وكنت أؤدي مهمتي هناك وفي ذات الوقت أحكم في مملكة البحرين، وقد حصلنا على المركز الثاني في أول بطولة خارجية للنادي، وكان إنجاز مهم أفخر به ثم جاءت محنة كورونا وغيرت كثيرا من الأمور.
ما هو تأثير جائحة كورونا على عملك؟
-لا شك أن مختلف أنواع الرياضات توقفت فترة في أعقاب اندلاع أزمة كورونا، وخلال تلك الفترة قررت أن أرسم لنفسي هدفا لأربع سنوات قادمة، فسعيت نحور تطوير ذاتي ومؤهلاتي وقدراتي في مجال التحكيم بدنيا وثقافيا، حتى شخصيتي تغيرت كثيرا من وراء هذه المهنة، حيث زادت ثقتي في نفسي، وبت أكثر موضوعية في تعاملي مع الناس، وأصبحت أغلب العقل علي العاطفة في تصرفاتي وقراراتي، وبصفة عامة يمكن القول إنني أصبحت أقوى من السابق وأتمتع بدرجة عالية من الثبات الانفعالي، وتلك جميعا هي مواصفات أي حكم رياضي.
هل يتنافى هذا العمل مع طبيعة المرأة؟
-ظاهريا قد يبدو كذلك، ولكن وقعيا لا، فالمرأة قادرة على أن تفصل بين عملها وحياتها الخاصة، وهي معادلة صعبة بالطبع، ولكني تمكنت من حلها، وهو تحد صعب كنت بقدره بفضل من الخالق سبحانه وتعالى، وبشيء من الإرادة والإصرار.
أهم مباراة؟
-لقد اجتزت اختبارين عملي ونظري للحصول على الرخصة الدولية وكانت الدراسة أون لاين مع الاتحاد الآسيوي لكرة السلة، وتم منحي الرخصة الدولية عام 2023 وبت أحكم المباريات بعد زوال أزمة كورونا وعودة الأنشطة الرياضية إلى سابق عهدها، ومن أهم المباريات عبر مشواري كانت خلال العام الماضي في نهائي دوري السيدات بالبحرين بالاشتراك مع محكمتين من دولة الكويت، وكانت أول مباراة يتم نقلها على وسائل الإعلام ومثلت لي نقطة انطلاقة قوية، وعموما أنا أرى أن كل مباراة تمثل تحديا جديدا لي لإخراج أفضل ما لدي من مهارات.
صعوبات واجهتك لكونك امرأة؟
-لم أواجه صعوبات كبيرة لكوني امرأة تعمل في مجال ذكوري سنوات طوال، اللهم عدم التقبل أحيانا لفكرة أن تكون المحكمة امرأة في مباريات رجالية، وأذكر أنني ذات مرة قالت لي إحدى السيدات قبل أن أصبح محكما دوليا إنني إنسانة مدللة ولا أصلح محكمة لكرة السلة، ولكني لم أتوقف عند رأيها أو عند أي آراء محبطة مهبطة لعزيمتي، خاصة وأن هذه المهنة علمتني أهمية التحلي بالقوة وبالإصرار ولله الحمد أصبحت محط أنظار العالم بعد أن أصبحت أول بحرينية تعمل في هذا المجال، وقد أثبت نفسي فيه وجدارتي بهذه المهنة وفخورة بكل ما وصلت إليه.
حدثينا عن تجربتك مع البطالة؟
-مهنة التحكيم أخذت مني الوقت والجهد، ولكنها أضافت لي الكثير من المهارات والصفات أهمها قوة الشخصية والصبر والتحمل، وحتى اليوم ومنذ خمس سنوات مازلت في انتظار الوظيفة في مجال تخصصي التي أراها لن تتعارض مع عملية التحكيم خاصة إذا تم تعييني في مدرسة حكومية، لأن وزارة التربية والتعليم تمنح أمثالي ميزة التفرغ فضلا عن أن الدوام ليس طويلا، ومن ثم يمكنني الجمع بين التحكيم والوظيفة على عكس الوضع إذا عملت بالمدارس الخاصة.
هل شعرت بالندم على دراسة هذا التخصص؟
-رغم معايشتي لمرارة البطالة سنوات طوال إلا أنني لم أشعر قط بالندم على دراسة هذا التخصص الذي يمثل بالنسبة لي شغفي الأول قبل أن يكون مجرد مصدر للرزق، ولكني بدوري أتساءل: لماذا كل هذا الانتظار؟ وأين القصور؟ وعموما كلي أمل في أن تمنحني الوزارة الوظيفة المناسبة لتخصصي في القريب العاجل لتحقيق الاستقرار المهني الذي أبحث عنه، وأود أن أؤكد هنا أنه لو عاد بي الزمان سوف أدرس التخصص نفسه.
رسالتك لأي امرأة؟
أتمنى من العنصر النسائي التحلي بشجاعة خوض هذا المجال وبكل حماس لإثبات نفسها فيه، وهذا بالطبع يتطلب توفر الشغف لديها وليس لمجرد تقليد التجارب الأخرى، فالمهم أن تفعل الشيء الذي تحبه، وأن تستغل أي فرصة تأتي إليها وتبذل أقصى جهدها لتحقيق هدفها بكل إصرار وعزيمة.
الاهتمام بالرياضة النسائية البحرينية إلى أين؟
-بصفة عامة يجب أن نجزم بأن الرياضة النسائية بالمملكة قد تطورت بشكل كبير في الفترة الأخيرة وبأن هناك اهتماما واسعا بها وعلى مستوى القيادة الرشيدة، وهناك عناصر نسائية مميزة في جميع مجالات الرياضة، فقط المطلوب صناعة جيل جديد يحل محل الكوادر الحالية الكفؤة، وذلك عبر لجنة مختصة تهدف إلى اكتشاف المواهب في المدارس وتدريبها وتأهيلها لتمسك بالدفة في المستقبل.
في رأيك متى تفشل المرأة؟
-تفشل المرأة حين لا تعرف قيمة نفسها وما تملكه من مواهب، ومن ثم تستسلم لأي صعوبات أو عثرات قد تواجهها، وعلى كل امرأة أن تكون على ثقة تامة بأنها تمتلك القدرة على خوض أي مجال حتى لو كان حكرا على العنصر الرجالي، وهذا ما يحدث فعليا على مستوى العالم المتقدم، وبالنسبة إلى مجالي على سبيل المثال ليس هناك أي فرق بين المحكم العربي والدولي.
طموحك الحالي؟
-أنا أؤمن بمبدأ إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، لذلك كل ما أتمناه هو أن يتوج مشواري بتحكيم مباراة نهائي سيدات على مستوى العالم، وأن أواصل في تدريب فئة السيدات من الصم والبكم، بعد أن تم اختياري كعضو في الاتحاد البحريني لرياضات الصم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك