أول بحرينية تتخصص في طب السمع والاتزان.. وتؤسس مختبرا له في مستشفى قوة دفاع البحرين وبالمركز الطبي الجامعي / مدينة الملك عبدالله الطبية.. أخصائي أمراض الأنف والأذن والحنجرة / طب السمع والاتزان د. نور يوسف عبدالكريم لـ«أخبار الخليج»:
ابنتي الوحيدة مشروعي الأول واستثماري الأهم في الحياة
تجربة الدراسة في بريطانيا من أصعب وأمتع مراحل حياتي
اخترت تخصصا نادرا لسد فراغ في المنظومة الطبية بوطني
شرفت باستحداث خدمة فحص السمع لحديثي الولادة بالمستشفى العسكري
عملي بالمستشفى العسكري مدة عشرين عاما علمني الانضباط والالتزام
أنصح أي مريض بالتوجه إلى أصحاب الاختصاص لتفادي خطأ التشخيص
يقول الكاتب والداعية الشهير د. طارق السويدان: «الناجحون لا يشبهون أحدا.. بل يشبهون أنفسهم بوضوح.. لهذا يلهمون غيرهم!»
قد يكون التقليد أمرا سهلا، لكن النجاح لا يسكن الا في التفرد الذي يمثل سمة لدى المختلفين، وهذا ما آمنت به هذه المرأة البطلة، التي صنعت تميزها انطلاقا من قناعتها بأنه الطريق الأوحد لعمل أشياء عظيمة في الحياة، الأمر الذي يشعرها اليوم بالفخر الشديد تجاه ما حققته من إنجازات جعلتها تحتل مكانة مرموقة في عالم النساء المبدعات.
د. نور يوسف عبدالكريم، رئيسة مختبر السمع والاتزان في المركز الطبي الجامعي / مدينة الملك عبدالله الطبية، امرأه نافست نفسها حتى تحقق أهدافها، اختارت التميز عنوانا وطريقا لها، فكانت أول بحرينية تتخصص في طب السمع والاتزان الذي تركت من خلاله بصمة خاصة بها تعكس صورة مشرفة ومشرقة للطبيبات البحرينيات.
لم يكن المشوار سهلا، بل مليئا بالمطبات والعثرات، لكنها أبت إلا أن تحطم كل الحواجز، وأن تواصل المسيرة بكل قوة وصلابة رغم كل ما اعترضها من صعوبات، فوضعت لنفسها أهدافا كبيرة تمكنت من تحقيقها رغم كل التحديات التي واجهتها.
حول هذه التجربة الملهمة التي بدأت بمجرد حلم متواضع وانتهت بإنجازات مبهرة كان الحوار التالي:
إلى أي مدى أثرت نشأتك على مسيرتك؟
يمكن القول إن حلم الطب بدأ يراودني منذ الطفولة أي في سن مبكرة للغاية، حيث رأيت نفسي طبيبة في المستقبل منذ المرحلة الابتدائية، وذلك لكونها مهنة تعتمد على مساعدة الآخرين، الأمر الذي يتماشى كثيرا مع طبيعة شخصيتي، وقد كان لنشأتي أبلغ الأثر في ذلك، حيث تربيت وسط بيئة محفزة على الثقافة والعلم والتفوق، واذكر أن والدي كان يصطحبني الى المكتبة العامة لاختيار الكتب التي أرغب في قراءتها لاشباع تعطشي الدائم للمعرفة، لذلك أدين له بالكثير خاصة فيما يتعلق بحرصه الشديد على بناء شخصية أبنائه منذ الصغر، وعلى زرع الثقة في أنفسهم، وعلى المساواة بينهم في المعاملة من دون أي تفرقة بين الجنسين.
كيف تحقق حلم الطب؟
لقد تحقق حلمي في ان اصبح طبيبة ببذل الجهد المضاعف، وبالاجتهاد في الدراسة الى اقصي درجة، حيث كنت حريصة بشدة على التفوق، وبعد حصولي على بعثة دراسية من وزارة التربية والتعليم لدراسة الطب بجامعة الخليج العربي تخرجت، وقضيت سنة الامتياز في المستشفى العسكري الذي كان يشعرني دائما برهبة خاصة، وتعلمت هناك معاني جميلة، منها الالتزام والانضباط والجدية والصرامة واحترام القوانين، الأمر الذي صقل شخصيتي وجعلني أسعي دائما نحو تقديم الأفضل، وقد عملت في قسم الجراحة مدة ستة اشهر، ثم انضممت إلى قسم الأنف والاذن والحنجرة حوالي خمس سنوات، بعدها اخترت تخصصا نادرا للحصول على رسالة الماجستير.
لماذا طب السمع والاتزان؟
اختياري لهذا التخصص جاء لسد فراغ في المنظومة الصحية بالمملكة، لذلك كنت أول بحرينية تتخصص في هذا المجال المهم، وقد جاء قراري هذا بعد أن عايشت حالات عديدة كانت تتردد على المستشفى تعاني من الدوار ومن عدم التشخيص الصحيح لها، وقد شجعني كثيرا على هذه الخطوة قائد المستشفى العسكري في ذلك الوقت والذي تحمس للفكرة ووافق على ابتعاثي الى بريطانيا للحصول على رسالة الماجستير والتدريب في هذا التخصص.
ما هو تعريف هذا الطب؟
طب السمع والاتزان هو تخصص طبي يتعامل مع تشخيص وعلاج وتقييم اضطرابات السمع والوظائف الدهليزية المسؤولة عن التوازن في الجسم، ويشمل ذلك فحص السمع وتشخيص وعلاج مشاكل الدوار وتأهيل الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع او اضطرابات التوازن باستخدام أجهزة مساعدة.
حدثينا عن تجربة الدراسة في بريطانيا؟
يمكن الجزم بأن تجربة دراسة طب السمع والاتزان في جامعة لندن ببريطانيا كانت من أصعب وأمتع المراحل في حياتي، وقد قررت أن تكون الدراسة مكثفة لا تتعدى مدة العامين، ورافقتني في هذه الرحلة العلمية ابنتي الوحيدة التي لم تكن قد أكملت عامها الأول في ذلك الوقت، وأذكر أنني كنت أقوم بتوصيلها إلى الحضانة في السابعة صباحا وأعود إليها في نفس التوقيت مساء بعد قضاء يوم شاق من الدراسة والتدريب العملي في المستشفى الملكي للأنف والاذن والحنجرة، وبالطبع كانت عملية الموازنة بين مسؤولياتي كأم وكطالبة تمثل تحديا كبيرا بالنسبة لي، ولكني كنت بقدره ولله الحمد وكثيرا ما كنت أشعر بأنني لا أملك حتى رفاهية الشعور بالتعب أو الإرهاق أو الإحباط من جراء كم الضغوط النفسية والبدنية التي كنت أعاني منها في تلك الفترة.
وبعد الماجستير؟
بعد حصولي على رسالة الماجستير في طب السمع والاتزان عدت الى وطني، وبدأت مباشرة في تأسيس هذا التخصص في المستشفى العسكري من خلال مختبر التوازن وكان الأول من نوعه بالمملكة، حيث كان يضم أحدث الأجهزة في هذا المجال، كما شرفت باستحداث خدمة فحص السمع لحديثي الولادة بالمستشفى لأول مرة، وكان انجازا مهما أعتز به كثيرا.
ماذا عن رد الفعل؟
من الواضح انه كان هناك تعطش مجتمعي شديد لهذا التخصص، وهذا ما لامسناه فعليا من كم الحالات الهائل والتي كانت تأتي إلينا وتعاني من عدم التوازن ومن التشخيص الخاطئ له، ومن ثم الشعور أحيانا بالقلق والاكتئاب وعدم القدرة على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وأود هنا تأكيد أمر مهم وهو أن الذين يملكون قدرا بسيطا من المعلومات الطبية يمثلون خطرا على المرضى ويوقعون الضرر بهم بدرجة أكبر من هؤلاء الذين لا يعلمون شيئا عنها، وقد قضيت حوالي عشرين عاما بالمستشفى العسكري إلى ان حدثت نقلة نوعية في مسيرتي.
وما هي تلك النقلة؟
النقلة النوعية والهامة في مسيرتي حدثت حين انتقلت الى العمل لدى المركز الطبي الجامعي مدينة الملك عبدالله الطبية وذلك بهدف نقل خبراتي في هذا التخصص إلى أكبر شريحة ممكنة من المرضى، وبالفعل أسست للمرة الثانية مختبرا للسمع والتوازن به.
أكثر الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المرضى؟
لا شك أن أكثر الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المرضى بشكل عام هو تعريض أنفسهم للتشخيص الخاطئ بسبب اللجوء الى غير المتخصصين، فتلك هي المشكلة الرئيسية التي تستنزف المريض ماديا ونفسيا، ومن هنا انصح أي مريض بأهمية التوجه إلى الطبيب المتخصص، ويمكن الجزم بأن الوعي بطب السمع والاتزان اليوم مازال بحاجة إلى المزيد من الجهد وتلك هي الرسالة التي أحاول قدر الإمكان تخصيص الوقت والجهد لها، ولنا الفخر بأن البحرين من الدول التي حققت تقدما ملحوظا في هذا المجال مقارنة بدول المنطقة.
أصعب تحدٍ انساني وعملي؟
على المستوى العملي تعتبر قضية نشر الوعي بتخصصي بين أطباء الانف والأذن والحنجرة من اهم التحديات التي أواجهها، أما على الصعيد الإنساني فكان مروري بتجربة شخصية مريرة مع التشخيص الخاطئ من أصعب التجارب وهي التي علمتني أهمية دقة العمل في مهنتي والحذر الشديد عند تشخيص المرضى والشعور بمعاناتهم، بمعنى آخر الإخلاص في العمل وفي كل شيء، وهو ما حرصت على غرسه في نفس ابنتي الوحيدة التي تمثل بالنسبة لي أهم مشروع استثمرت فيه في الحياة، وهي تعلم ذلك جيدا.
أهم خطر يهدد الجيل الجديد؟
هذا الانفتاح الهائل والذي يمثل سمة العصر الذي نعيشه اليوم يمثل بالنسبة لي خطرا شديدا على الجيل الجديد الذي أجده أكثر وعيا من الأجيال السابقة، وقد قررت أن أواجهه بالانفتاح في علاقتي بابنتي، واللجوء إلى الحوار والنقاش معها في كل ما يخصها.
نقطة ضعف أي امرأة؟
أنا أرى بأن نقطة ضعف أي امرأة هي أبناؤها، وهذا ما أشعر به فعليا تجاه ابنتي الوحيدة التي وضعتها في أول سلم أولوياتي منذ ولادتها، فالمسؤولية الجمة تحرم صاحبها أحيانا من أبسط الأشياء.
مبدأ تسيرين عليه؟
مبدئي في الحياة الذي حرصت دوما على وضعه نصب عيناي عبر مسيرتي هو الايمان بأن أي باب يغلق أمامي يفتح الخالق لي بابا آخر أفضل، وهذا يعني أن القادم أجمل بإذنه وتعالى، وهذا هو سلاحي في مواجهة أي صعوبات أو عثرات، فضلا عن التحلي بالقناعة التي تؤكد صحة المثل الذي يقول «امشي عدل يحتار عدوك فيك»!
حلمك الحالي؟
كم كنت اتمنى مشوارا أسهل من الذي خضته في الحياة التي علمتني الكثير من العبر والدروس، ولكني أشعر اليوم بالفخر وبالرضا التام تجاه كل ما حققته وما وصلت إليه، وكل ما أتمناه حاليا هو أن تحقق ابنتي احلامها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك