في تاريخ 2 أكتوبر 2025 كتبنا مقالاً بعنوان (المعلم الإداري ودوره كقائد تربوي)، فجاءتنا العديد من الردود وخاصة من الأخوة والأخوات المعلمين والمعلمات، وكان التعليق الأهم والأكثر إلحاحًا هو؛ كيف يمكننا أن نتحول إلى المعلم القائد التربوي أثناء وجودنا في المدرسة؟
ونحن اليوم نستغل هذا الاحتفال بيوم المعلم لنطرح هذا الموضوع الذي نعتبره من الأمور ذات الأهمية وخاصة في هذا العصر المتسارع الذي نعيشه.
التحول إلى المعلم القائد التربوي
إن تحول المعلم من معلم تقليدي إلى معلم قائد هو تحول جوهري في فلسفة التعليم، ويتطلب تطويرًا في المهارات، وتغييرًا في الأدوار، وتبنيًا لنهج قيادي يُركِّز على التأثير الإيجابي في البيئة التعليمية. ولكن قبل أن نتحدث عن كيفية هذا التحويل أعتقد أنه من المهم أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، لماذا نريد أن نقوم بعملية التحويل؟ بمعنى، ما الفرق بين المعلم القائد والمعلم التقليدي؟
المعلم القائد التربوي: هذا المعلم يركز على تمكين الطلاب وتحفيزهم، ويعمل ضمن فريق ويقود الطلاب من مرحلة إلى أخرى بمنهجية واضحة وفي سلاسة هادئة، وكذلك يبتكر ويعدل في طرق التدريس حسب احتياجات الطلاب، وأخيرًا يهتم ببناء الشخصية وتنمية المهارات الحياتية للطلاب.
المعلم التقليدي: يركز على التلقين ونقل المعرفة، ويعمل بمفرده داخل الصف الدراسي، وكذلك يتبع المنهج بحذافيره فلا يرقي ولا يرتقي، بالإضافة إلى أنه يركز على النتائج الأكاديمية فقط.
وإن كنا لا نقلل من شأن التعليم والمعلم التقليدي، إلا إننا نتحدث اليوم عن جيل جديد في التعليم والمعلمين، فأمام الإنسان العربي تحديات علمية وتقنية وأخلاقية يجب التفكير فيها قبل أن نجد أنفسنا في بحر وأمواج متلاطمة، لا نعرف ماذا نفعل، حينئذ نضطر أن نُقلد أو أن نأخذ من هذا أو ذلك.
والمعلم القائد التربوي واحد من الأساليب التي علينا التفكير فيها منذ هذه اللحظة، ونسير بثقة لنلج المستقبل ونحن نعمل وفقًا لتراثنا الفكري والعلمي والتقني.
الآن، لنعيد صياغة السؤال السابق بطريقة أخرى، كيف أُصبح معلمًا قائدًا قادرًا على التأثير الإيجابي في طلابي وزملائي والمجتمع المدرسي؟ يمكننا أن نقول إنه يمكن أن يتم ذلك وفق الأمور الآتية:
أولاً: تحليل الوضع الحالي، ونحن نعرف أن هناك كثيرا من الأساليب والطرق لقياس الوضع الحالي، ولكن من المهم أن نقوم بعملية القياس والتقييم بشفافية، وربما من أشهرها تحليل سوات (SWOT Analysis)، التي تقيس نقاط القوة والضعف، وما إلى ذلك، فمثلاً:
{ دراسة نقاط القوة؛ وتتم بدراسة المهارات التي يتقنها المعلم بالفعل؟ مثل: التواصل، إدارة الصف، استخدام التقنية.. إلخ.
{ نقاط الضعف؛ ما الجوانب التي تحتاج إلى تطوير؟
{ الفرص؛ هل هناك برامج تدريبية، أو دعم إداري، أو فرص قيادية متاحة؟
{ التهديدات؛ ما التحديات التي قد تعيق تطور المعلم؟ مثل ضيق الوقت، نقص الموارد.. إلخ.
ثانيًا: تحديد المهارات القيادية المطلوبة في المعلم، بعد البحث والتقصي ودراسة الوضع الحالي، نجد أنفسنا نسير في اتجاه تحديد المهارات التي يحتاجها المعلم القائد سواء في الفصل الدراسي أو خارج الفصل الدراسي، ومن تلك المهارات:
{ التفكير الاستراتيجي؛ وهي القدرة على رؤية الصورة الكبرى، وتخطيط الأهداف طويلة المدى، وهذا يساعد في قيادة المبادرات التربوية وتطوير المدرسة.
{ إدارة التغيير؛ وهي قيادة التحولات في أساليب التدريس أو السياسات المدرسية، وكيفية التعامل مع مقاومة التغيير بطريقة إيجابية.
* التحفيز والإلهام؛ وتعني القدرة على تحفيز الطلاب والزملاء لتحقيق أفضل أداء، وكذلك بناء بيئة تعليمية مشجعة ومليئة بالطاقة الإيجابية.
{ اتخاذ القرار؛ وهي تعني ببساطة اتخاذ قرارات تربوية مدروسة بناءً على البيانات والملاحظات، بالإضافة إلى التوازن بين مصلحة الطالب والمنهج والسياسات.
{ حل المشكلات؛ التعامل مع التحديات الصفية أو الإدارية بطرق مبتكرة، واستخدام التفكير النقدي والطرق الأخرى للتفكير الإبداعي لتجاوز العقبات.
{ التواصل الفعّال؛ ويعد التواصل الفعال من أهم المهارات التي يجب أن يمتلكها المعلم القائد التربوي، إذ إنها تساعد على إيصال الأفكار بوضوح للطلاب، والزملاء، وأولياء الأمور، والإصغاء النشط وتقديم تغذية راجعة بنّاءة.
{ المرونة والتكيف، وهي القدرة على التكيف مع التغيرات في المناهج أو التكنولوجيا، والتعامل مع اختلافات الطلاب والبيئات التعليمية.
{ الابتكار التربوي؛ ومنها تطوير أساليب تدريس جديدة ومبتكرة، وكذلك استخدام أدوات وتقنيات حديثة لتحسين التعلم.
{ القيادة الأخلاقية؛ وهي الالتزام بالقيم التربوية والمهنية، وأن يكون المعلم قدوة في النزاهة والاحترام والمسؤولية.
{ الذكاء العاطفي والاجتماعي؛ وهذه النوعية من الذكاء تسهم بصورة كبيرة في: بناء علاقات إيجابية مع الطلاب والزملاء، إدارة الانفعالات في المواقف الصعبة، فهم احتياجات الآخرين وتحفيزهم، اتخاذ قرارات تربوية متزنة، وأخيرًا قيادة فرق العمل بروح التعاون والثقة.
ثالثًا: تحديد الأنشطة التطويرية، لكل مهارة قيادية يجب علينا أن نحدد نشاطًا أو أكثر لتطويرها، مثل:
{ حضور ورش عمل أو دورات تدريبية،
{ قراءة كتب أو مقالات متخصصة،
{ الانضمام إلى مجتمعات تعلم مهنية،
{ تنفيذ مشروع قيادي داخل المدرسة،
{ الحصول على تغذية راجعة من الزملاء أو المشرفين،
رابعًا: تحديد جدول زمني، ولا نترك الأمور من غير تنظيم أو قياس، لذلك علينا أن نحدد متى ستبدأ كل نشاط، وكم من الوقت ستخصص له أسبوعيًا، ومتى تتوقع أن تنتهي.
خامسًا: تقييم التقدم، بالإضافة إلى وضع آلية لتقييم مدى تقدم المعلم الذي يرغب في أن يكون قائدًا، مثل:
{ تسجيل الإنجازات،
{ عمل استبانات ذاتية يستخدمها المعلم بنفسه، بالإضافة إلى المشرفين القائمين على العمل،
{ ملاحظات من الزملاء أو الإدارة،
{ مقارنة الأداء قبل وبعد،
والآن، كيف نربط بين المهارات القيادية والمهارات التربوية؟
وقد يسأل أحدنا ويقول، ما علاقة ما قلناه سابقًا وخاصة فيما يتعلق بالقيادة بالمهارات التربوية؟ لذلك نجد أنه علينا توضيح ذلك من خلال الأمور التالية:
1. التخطيط التربوي بقيادة استراتيجية؛ من الناحية القيادية فنحن نحتاج إلى المهارات القيادية والتفكير الاستراتيجي، أما من الناحية التربوية فإن المعلم عند إعداد الخطة الدراسية، فإنه ينبغي ألا يكتفي بتحديد الأهداف المعرفية فقط، بل عليه أن يربطها برؤية المدرسة، واحتياجات الطلاب، وربما في بعض الأحيان ابتكار طرق جديدة للتدريس، فالمعلم القائد يخطط للدروس بطريقة تتماشى مع رؤية المدرسة وأهدافها التربوية، وليس فقط تنفيذ المنهج. فمثلاً: عليه أن يقوم بتصميم وحدة تعليمية تدمج بين المهارات الأكاديمية ومهارات الحياة.
2. إدارة الصف بأسلوب قيادي؛ من الناحية القيادية يمكن أن يتم ذلك باتخاذ القرار وحل المشكلات، أما من الناحية التربوية المرتبطة فإنه يمكنه إدارة الصف وتحفيز الطلاب، فالمعلم القائد يتخذ قرارات تربوية لحل مشكلات سلوكية أو تعليمية بطريقة بنّاءة، ويخلق بيئة صفية آمنة ومحفزة، ويستخدم مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات لتحديد أساليب التعامل مع السلوكيات الصفية، وذلك من خلال طرق التفكير الإبداعي المختلفة، فمثلاً: بدلًا من العقاب الجسدي، يستخدم أسلوب الحوار والتفويض لتشجيع الطلاب على تحمل المسؤولية.
3. التواصل القيادي التربوي الفعال؛ من الناحية القيادية فنحن نحتاج في هذه اللحظة إلى الذكاء العاطفي والتواصل الفعّال، أما من الناحية التربوية فإنه ينبغي أن يستخدم هذا النوع من الذكاء في كيفية التفاعل مع الطلاب وأولياء الأمور، فالمعلم القائد يستخدم التعاطف والمهارات الاجتماعية لبناء علاقات إيجابية تؤثر في تعلم الطلاب وتعاون أولياء الأمور، إذ إنه ذو قدرة على تطبّيق الذكاء العاطفي في التواصل مع الطلاب، وفهم خلفياتهم وظروفهم، فمثلاً: يخصص وقتًا أسبوعيًا للحديث الفردي مع الطلاب، لتقديم دعم نفسي وتربوي لهم.
4. القيادة في تطوير الذات والآخرين؛ من الناحية القيادية فإنه ينبغي أن يكون ذا قدرة على تحفيز الطلاب وكذلك له قدرة على بناء فرق العمل والعمل معهم، أما من الناحية التربوية فإنه يجب ألا يتوقف عن التعليم والتعلم، لذلك عليه أن يعيش منهجية التعلم المستمر والتطوير المهني، فالمعلم القائد لا يكتفي بتطوير نفسه، بل يقود زملاءه نحو التعلم الجماعي وتبادل الخبرات، فيمكنه مثلاً: أن يقسم الطلاب إلى مجموعات يقودها طلاب متميزون، ويمنحهم أدوارًا قيادية داخل النشاط. أما فيما بتعلق بتطوير الذات والتطوير المهني فإنه ينبغي أن يشارك في مجتمعات التعلم المهنية، وأن يكون مبادرًا في تقديم ورش عمل أو تبادل خبرات، فمثلاً: ينشئ ناديًا تربويًا داخل المدرسة لتبادل الأفكار حول استراتيجيات التدريس الحديثة.
5. القيادة في الابتكار التربوي؛ من الناحية القيادية فإنه يكون ذا رغبة في إدارة التغيير والابتكار، وأما من الناحية التربوية المرتبطة فإنه يجب أن يستخدم استراتيجيات التدريس الحديثة، فالمعلم القائد يبتكر طرقًا جديدة للتدريس ويقود التغيير في أساليب التعليم داخل المدرسة، لذلك عليه أن يستخدم مهارات إدارة التغيير والابتكار لتجربة أدوات وتقنيات جديدة، فمثلاً: يمكنه أن يجرب استخدام الواقع المعزز أو الألعاب التعليمية في شرح المفاهيم الصعبة.
عمومًا، هذه بعض التصورات، ومن الطبيعي أن هناك أموراً كثيرة، وأكثر مما ذكر بمرات ومرات، ولكن هذا ما تمكنا من التحدث فيه عبر هذه الزاوية والمساحة المتاحة.
تحية للمعلم في يومه، وكل المعلمين الذين كان لهم الأثر في حياتنا العلمية والعملية، شكرًا كثيرًا، على كل عطائكم اللامحدود، فلا يمكن أن نوفي حقكم.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك