الاعتقاد السائد لدى نخب وساسة الأمم في أوروبا وأمريكا حتى أواخر القرن التاسع عشر أن المرأة تحتاج إلى فارس ينقذها ويحميها من ضَرَبِ الزمان وقسوته، وطُبعت في مخيلة المرأة صورة ما يكون عليه فارس أحلامها ومنقذها وهو بالحصان الأبيض في القصص والروايات الغربية، كشخصية ضعيفة محمية غير مستقلة وهي ليست ندًّا ومثقالا للرجل أبداً.
وتغيرت قناعة ساسة المجتمع الغربي مع معترك نضال نسوي وحراك حثيث، فحازت المرأة الألمانية والنمساوية سنة 1919 حق الاقتراع والترشح، والمرأة الفرنسية حصلت على حق التصويت سنة 1944، وبلغت المرأة الامريكية بشق الأنفس وبصعوبة بالغة عام 1920 كأول انجاز للحراك النسوي، ثم في عام 1964 وبتعديل قانون الحريات المدنية الذي أعطى لشريحة كبيرة من الشعب الامريكي حقوقه وشمل حق التصويت للنساء من أصول إفريقية.
وبينما تناضل مجتمعات نسوية متقدمة في الدول الصناعية الكبرى منذ الثورة الصناعية حتى بداية القرن التاسع عشر لنيل حقوقها، تقع على ضفاف الخليج بحرين التاريخ والحضارة، لتعطي المرأة حقها في خوض الانتخابات البلدية عام 1926، كأول امرأة خليجية متقدمة على نساء العرب قاطبة وكثير من نساء العالم بسهولة ويسر وتقبل من المجتمع آنذاك، وحظيت المرأة البحرينية في حينها بالعناية والرعاية من حكام ومشايخ آل خليفة الكرام وشعب البحرين، كشريك أصيل ومستقل في بناء الوطن، ولنا أن نفخر وتفخر على مثيلاتها من نساء العالم بهذا الإنجاز التاريخي.
واحتفلت البحرين العام الماضي بمسيرتها الديمقراطية العريقة، التي خاضت فيها أول تجربة ديمقراطية سُطرت في انتخابات مجلس بلدية المنامة 1924، بحدث مئوية أول انتخابات في تاريخ البحرين، وأول انتخابات في منطقة الخليج والبلاد العربية، تلك المئوية المتلألئة في سماء الديمقراطية على مستوى العالم، التي تميزت فيها البحرين بتجربتها الفريدة وممارستها الرائدة والسباقة في الوطن العربي.
وتستمر المسيرة الديمقراطية برعاية ملكية وحضور مهيب لجلالة الملك المعظم رعاه الله، مع كل بداية دور انعقاد لمجلسي الشورى والنواب، وهو اهتمام ملكي وامتداد لجوهر المشروع الاصلاحي وركيزة محورية لما توافق عليه شعب البحرين بميثاقه الوطني، لتترسخ الممارسة الديمقراطية في مملكة البحرين عاما بعد عام في ظل الرعاية الملكية والاهتمام المشع من المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم رعاه الله، وليستلهم شعب البحرين نبراسه من رؤى جلالته ومن أقواله رعاه الله:
«لا بديل ولا مصدر للتطوير الديمقراطي الا أنتم أبناء هذا البلد وممثليه، فنحن لم نستورد الديمقراطية ولسنا بصدد استعارة مظاهرها من الخارج، فقد أردناها منذ البدء نابعة من ذاتنا، لأنها عميقة الجذور في كفاح الآباء والأجداد ولها أساس وطيد في تراثنا».
ولجلالته يعود الفضل بعد الله لمكتسبات تحققت ومسيرة رسخت مشاركة الشعب في صنع القرار، حتى مع تكالب الأحداث فقد صاغت الارادة الملكية بحكمتها مستقبل الديمقراطية بانتظام لسير أعمال المجلسين منذ إعلان الميثاق الوطني الذي أجمع عليه شعب البحرين، فلم ينقطع سير أعمال مجلس النواب دورة واحدة خلال المسيرة ولم يمدد له أو يحل، وحلّ العرس الديمقراطي في موعده، وسيخلدها التاريخ أنها تجربة ديمقراطية عميقة الجذور كما أشار جلالته رعاه الله، تمكنت البحرين من خلالها بالمحافظة على مشروعها الديمقراطي وعرسها الانتخابي وفق الرؤى الملكية والإرادة الشعبية وضمن استحقاقات زمنية محددة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك