العدد : ١٧٣٧٠ - الاثنين ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧٠ - الاثنين ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

فلوسي أو المليون

بحمد‭ ‬لله‭ ‬لا‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الخواجة‭ (‬الإنسان‭ ‬الأبيض‭)‬،‭ ‬ولهذا‭ ‬قمت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بجولة‭ ‬خليجية،‭ ‬لأن‭ ‬زوجتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬صيانة‭ ‬طبية‭ ‬وبعض‭ ‬قطع‭ ‬الغيار‭. ‬وكانت‭ ‬أيضاً‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬طبي‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تحوز‭ ‬خدمات‭ ‬طبية‭ ‬وأطباء‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الكفاءة‭ ‬والرقي،‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬لماذا‭ ‬يهرع‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬للتداوي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭: ‬الفشل‭ ‬الكلوي‭ ‬والإمساك‭ ‬والتهاب‭ ‬الجيوب‭ ‬الأنفية‭ ‬والبواسير‭ (‬بالذات‭). ‬ما‭ ‬علينا‭.‬‭ ‬أدت‭ ‬تلك‭ ‬الجولة‭ ‬إلى‭ ‬استنزاف‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬جيبي‭ ‬وعدت‭ ‬بذاكرتي‭ ‬الى‭ ‬الوراء‭: ‬عندما‭ ‬تزوجتها‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬حال‭.. ‬وبعد‭ ‬الزواج‭ ‬أصبحت‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صيانة‭ ‬دورية،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬صارحت‭ ‬أبو‭ ‬النسب،‭ ‬والد‭ ‬زوجتي،‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬أتحمل‭ ‬وحدي‭ ‬الأعباء‭ ‬المالية‭ ‬لعلاج‭ ‬ابنته،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬جذور‭ ‬قديمة،‭ ‬فنظر‭ ‬إلي‭ ‬الرجل‭ ‬باستخفاف‭ ‬وقال‭: ‬بنتي‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬الطبيب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأت‭ ‬وجهك‭ ‬الك‭... (‬لم‭ ‬يكمل‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬وجهي‭ ‬الكريم‭ ‬ام‭ ‬الكريه‭). ‬المهم‭: ‬قررت‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬بالها‭ ‬لن‭ ‬يهدأ‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تستأنس‭ ‬برأي‭ ‬طبيب‭ ‬سوداني‭. ‬فهي‭ ‬مثلي‭ ‬لا‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الخواجة،‭ ‬ولكنني‭ ‬أكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬فالقاعدة‭ ‬عندي‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الخواجات‭ ‬الذين‭ ‬يعلمون‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬بلطجية‮»‬‭: ‬حامل‭ ‬دبلوم‭ ‬الرسم‭ ‬الفني‭ ‬يصبح‭ ‬عندنا‭ ‬استشارياً‭ ‬معمارياً‭. ‬والداية‭ ‬أو‭ ‬القابلة‭ ‬الأوروبية‭ ‬تأتي‭ ‬إلى‭ ‬بلادنا‭ ‬وتصبح‭ ‬أخصائية‭ ‬في‭ ‬المسالك‭ ‬البولية،‭ ‬وخريج‭ ‬الاصلاحيات‭ ‬وسجون‭ ‬الأحداث‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مستشار‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭! ‬وهكذا‭ ‬غادرت‭ ‬دبي‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم،‭ ‬ولكن‭ ‬ولأن‭ ‬كيدها‭ ‬عظيم‭ ‬فقد‭ ‬تركت‭ ‬معي‭ ‬مروة‭ ‬لـ«تؤنس‭ ‬وحشتي‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬مع‭ ‬أكثر‭ ‬عيالي‭ ‬جنوحاً‭ ‬نحو‭ ‬الإرهاب‭. ‬فتاة‭ ‬لو‭ ‬علم‭ ‬بأمرها‭ ‬غاندي‭ ‬لرفع‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬وجهها‭!! ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬ولدت‭ ‬وهي‭ ‬تكرس‭ ‬كل‭ ‬وقتها‭ ‬وجهدها‭ ‬لبهدلتي‭. ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬طبيبة‭ ‬آسيوية‭ ‬رعناء‭ ‬أرغمتني‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬داخل‭ ‬غرفة‭ ‬الولادة‭ ‬لحظة‭ ‬قدومها‭.. ‬يا‭ ‬للعار‭.. ‬جعفر‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬العبسي‭ ‬يجلس‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زوجته‭ ‬لحظة‭ ‬الولادة؟‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬بنتي‭ ‬تلك‭ ‬ربما‭ ‬تعرف‭ ‬أنني‭ ‬أحس‭ ‬بالخزي‭ ‬والعار‭ ‬لتلك‭ ‬الفعلة‭ ‬الشائنة،‭ ‬وأحس‭ ‬بضعف‭ ‬شديد‭ ‬تجاهها‭ ‬لأنني،‭ ‬وبرغم‭ ‬الإحساس‭ ‬بالعار‭ ‬لتلك‭ ‬‮«‬العملة‭ ‬المهببة‮»‬،‭ ‬أحس‭ ‬بضعف‭ ‬شديد‭ ‬تجاهها‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬مستقبليها‭ ‬عندما‭ ‬قدمت‭ ‬إلى‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭. ‬ولحسن‭ ‬حظي‭ ‬تزامن‭ ‬وجودي‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬مع‭ ‬إعلان‭ ‬جائزة‭ ‬قدرها‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬للمتسوقين،‭ ‬فصرت‭ ‬أشتري‭ ‬ما‭ ‬يلزمني‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يلزمني‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬القسائم‭. ‬وهكذا‭ ‬أسهم‭ ‬صاحبكم‭ ‬في‭ ‬إنعاش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الدبوي،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أجلس‭ ‬محتضنا‭ ‬جهاز‭ ‬الهاتف‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬البشارة‭. ‬

وسيعرف‭ ‬القراء‭ ‬أنني‭ ‬فزت‭ ‬بالمليون‭ ‬عندما‭ ‬يختفي‭ ‬اسمي‭ ‬من‭ ‬صفحاتها،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بمليونير‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬عربية‭. ‬وقد‭ ‬أكتب‭ ‬زاوية‭ ‬أسبوعية‭ ‬في‭ ‬‮«‬الهيرالد‭ ‬تريبيون‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬ألح‭ ‬أصحابها‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭. ‬وسأتبرع‭ ‬بمبلغ‭ ‬ضخم‭ ‬لإعادة‭ ‬تشييد‭ ‬المنازل‭ ‬المدمرة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بشرط‭ ‬ألا‭ ‬يدعوني‭ ‬أهلها‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬مراسم‭ ‬افتتاحها،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬يُطلب‭ ‬من‭ ‬ثري‭ ‬مثلي‭ ‬أن‭ ‬يغشى‭ ‬مكاناً‭ ‬مثل‭ ‬غزة‭. ‬حاشاً‭. ‬سأقيم‭ ‬بصفة‭ ‬شبه‭ ‬دائمة‭ ‬في‭ ‬مونت‭ ‬كارلو،‭ ‬وسألعب‭ ‬في‭ ‬صالاتها‭ ‬القمار‭ ‬حتى‭ ‬تلد‭ ‬دراهمي‭ ‬دولارات‭ ‬واسترلينيات‭ ‬مجاراة‭ ‬للتقاليد‭ ‬العربية‭ ‬الراسخة‭ ‬التي‭ ‬تبيح‭ ‬الميسر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭. ‬كل‭ ‬الحرام‭ ‬حلال‭ ‬خارج‭ ‬أوطاننا‭ ‬بحسب‭ ‬نصوص‭ ‬فقه‭ ‬السياحة‭. (‬بالمناسبة‭ ‬هل‭ ‬سمعتم‭ ‬حكاية‭ ‬صاحبنا‭ ‬السعودي‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يشترك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المسابقات‭ ‬الصحفية‭ ‬والإذاعية‭ ‬والتلفزيونية‭ ‬ويشتري‭ ‬البضائع‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬محل‭ ‬تجاري‭ ‬يعلن‭ ‬طرح‭ ‬حوافز‭ ‬وجوائز؟‭.. ‬ظل‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ابتسم‭ ‬له‭ ‬الحظ‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬وكسب‭ ‬مشروباً‭ ‬غازياً‭ ‬قيمته‭ ‬نصف‭ ‬ريال،‭ ‬فاتصل‭ ‬بكافة‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬ليزف‭ ‬إليها‭ ‬الخبر‭ ‬السعيد‭.. ‬ثم‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬المشروب‭ ‬ذو‭ ‬صلاحية‭ ‬منتهية‭!).‬

ويا‭ ‬أهل‭ ‬دبي‭ ‬الحكاية‭ ‬طالت‭ ‬ومسختوها‭. ‬إما‭ ‬المليون‭ ‬وإما‭ ‬فلوسي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا